انقلابات فى الإقليم

عبد الله السناوي
عبد الله السناوي

آخر تحديث: السبت 4 أبريل 2015 - 8:42 ص بتوقيت القاهرة

فيما يشبه الانقلاب فى مراكز اللاعبين الإقليميين الكبار على رقعة صراعات أكثر مناطق العالم اشتعالا بالنيران تدافعت فى توقيت متزامن ثلاثة أحداث كبرى لها تداعيات وبعدها ترتيبات.

بحسابات الربح والخسارة اخترقت إيران حواجز أزمة برنامجها النووى التى امتدت لنحو اثنتى عشرة سنة متصلة فى لوزان باتفاق إطارى يوصف بأنه «متوازن» و«تاريخى» مع الدول الخمس الأعضاء فى مجلس الأمن بالإضافة إلى ألمانيا.. وهذا يمهد فى غضون أقل من ثلاثة أشهر لرفع العقوبات الاقتصادية والمالية المفروضة عليها ويفسح المجال أمامها لتفاهمات عميقة فى ترتيبات المنطقة لاحت إشاراتها فى المدينة السويسرية التى احتضنت المفاوضات الماراثونية.

وبحسابات الربح والخسارة اكتسبت إيران نقاطا استراتيجية على الأرض فى معارك «تكريت» حيث نجحت القوات العراقية مدعومة بميليشيات الحشد الشعبى الموالية لها وقصف الطائرات الأمريكية بتنسيق معها من دحر «داعش».. وهذا يؤهلها لتقدم جديد حوله ألغام وتساؤلات عن الترتيبات المحتملة على خرائط المشرق العربى عندما تحسم الحرب بعد وقت لا يبدو أنه سوف يطول كثيرا.

بالحسابات نفسها فإن اللاعب الإيرانى ينتظر مآلات الحرب فى اليمن مراهنا على سيناريو استنزاف العمليات الجوية والكلفة الباهظة لأية تدخلات برية محتملة تحاول أن تمنع أنصارها من السيطرة الكاملة على عدن.. وهذا يربك مسرح الحرب كلها ويؤجل أحاديث النصر والهزيمة حتى انجلاء الحقائق الأخيرة قبل الذهاب إلى جلسات التفاوض المتوقعة لتسوية الأزمة.فى الحسابات كلها هناك سيولة فى قواعد الاشتباك كأنها كتل نار متحركة فوق متناقضات.

فى العراق حيث المعارك ضارية مع «داعش» تفتقر القوات المتقدمة إلى ما يسندها من ثقة شعبية فى أنها قوة تحرير من ربقة أكثر التنظيمات التكفيرية توحشا وليست قوة تمزيق جديدة للخرائط المهلهلة.

وقد أفضت انفلاتات بعض الميليشيات المنضوية فى الحشد الشعبى إلى طرح تساؤلات جوهرية عن طبيعة المستقبل وإلى أى حد سوف تحكمه الثأرات المذهبية المتبادلة.

اللاعب التركى رغم ارتباكاته يرقب المشهد باهتمام مفرط ويتحسب لخطواته المقبلة، فأمنه القومى معلق على ما يجرى فى المشرق العربى مع تصاعد احتمالات تأسيس دولة كردية فى الشمال العراقى تضم مدينة كركوك المتنازع عليها ومواقع أخرى نجحت «البشمركة» بمساعدة الطيران الأمريكى فى التمركز داخلها على حساب «داعش» التى كادت تحتل أربيل قبل أن تهب الولايات المتحدة لإنقاذها.

تأسيس دولة كردية بحماية أمريكية تهديد مزدوج لكل من تركيا وإيران اللتين تتواجد بهما أقليتان كرديتان كبيرتان لا يستهان بوزنهما.

أين تقف اللعبة إذن؟

وعلى أى خرائط جديدة سوف تستقر؟

لا حضور مصرى وعربى له قيمته وأثره بالأزمة العراقية فى أى قياس على حجم الحضور الإيرانى المرشح لارتفاع منسوبه بعد اتفاق «لوزان» ورفع العقوبات الاقتصادية والمالية.

الأمر نفسه يتكرر بصيغة أخرى فى سوريا.

بينما ترتبك الأطراف العربية وتتناقض بضراوة كما تجلى فى اجتماعات القمة الأخيرة بين نداءات اجتثاث نظام «بشار الأسد» ودعوات التسوية السياسية وفق جنيف (١) التى تدمجه فيها فإن إيران تبدو الطرف الأكثر وضوحا فى تحالفاته وأهدافه من بين كل اللاعبين الدوليين والإقليميين.

رغم كل ما ينسب لطهران من انتقادات حادة ومشروعة كانت مأساة كاملة الصورة التى بدت عليها الأطراف العربية فى معركة «إدلب» السورية التى سقطت فى قبضة «جبهة النصرة».

هناك من روج فى فضائيات عربية خليجية على أن المعارضة المسلحة كسبت هذه المعركة الاستراتيجية بينما التنظيم الذى حسمها ينتسب مباشرة إلى «القاعدة» و«داعش» نفسها خرجت من عباءته.

فى سيولة كتل النيران لم تكن مصادفة أن تنسق الإدارة الأمريكية العمليات العسكرية فى تكريت مع إيران بينما تنسق عمليات مضادة مع السعودية فى اليمن.
أرادت بالأولى اختبار التفاهمات الممكنة مع اللاعب الإيرانى وحدود التنسيق الميدانى على الأرض وأرادت من الثانية تهدئة قلق الخليج من أى اتفاقات تقترب فى لوزان.

ولا كانت مصادفة عودة المساعدات العسكرية المعلقة لمصر، ورغم أن القرارات الاستراتيجية الأمريكية لا تؤخد فى يوم أو ليلة وأن العلاقات مع القاهرة استقرت بصورة واضحة قبل المؤتمر الاقتصادى، إلا أن التوقيت ينطوى على محاولة للانفتاح على اللاعبين الإقليميين بلا توترات كبيرة قبل أية ترتيبات تالية.

ومن حيث التوقيت أيضا فإن العمليات العسكرية باليمن طلبت استباق اتفاق لوزان قبل استباق قمة «شرم الشيخ» العربية، فالهاجس الإيرانى أهم وقبل وبعد الهاجس الحوثى.

معضلة العمليات العسكرية أن ضرباتها الجوية المكثفة لم تنجح حتى الآن فى إيقاف التقدم الحوثى المدعوم من أنصار الرئيس السابق «على عبدالله صالح» إلى عدن ولا التحرش المسلح بحدود السعودية.

من يتدخل بريا إذن؟

هذا هو سؤال اللحظة فى حرب اليمن الجديدة،

القوات السعودية غير مؤهلة لمثل هذه العمليات البرية، وباكستان لا تمانع ولديها قوات متمركزة فى السعودية منذ حرب الخليج غير أن دخولها سوف يبدو غزوا أجنبيا يغير من معادلات الرأى العام العربى جذريا، والقوات المصرية حركتها خارج حدودها مقيدة بضرورات حرب ضارية فى سيناء ضد الجماعات التكفيرية التى قامت قبل يومين بخمس عمليات منسقة أودت بحياة أعداد كبيرة من الجنود رغم ما أبدوه من شجاعة ألحقت خسائر فادحة بقوات الهجوم الإرهابى.

المثير للسخرية أن بعض الخبراء نسبوا دون دليل أو برهان هذا العمل الإرهابى إلى تخطيط إيرانى بينما طهران تطرق الأبواب طلبا للحوار والقاهرة لا تمانع من حيث المبدأ لكنها تؤجله لحين يكون الخليج أكثر تقبلا وأقل حساسية من هذا الحوار.اللعبة الآن أخذت مسارا جديدا بقوة الدفع المتولدة عن «اتفاق لوزان».

فى الحسابات الكبرى لكل خطوة حسابها والحساب عليها، بطريقة ما وظفت الإدارة الأمريكية العمليات العسكرية فى اليمن لتطويع المفاوض الإيرانى فى الأمتار الأخيرة قبل التوصل إلى اتفاق وإيران ضبطت تصرفاتها حتى لا تفسد طبخة التسوية التى انتظرتها طويلا وخرج مواطنوها بعدها يحتفلون فى الشوارع.

لأسباب مختلفة هاجمت إسرائيل اتفاق لوزان سعيا لصفقات سلاح وتمويلات أمريكية باسم تهدئة مخاوفها من «الخطأ التاريخى» الذى ارتكب وهاجمه الجمهوريون فى الكونجرس لإبراز تناقضات الإدارة الديمقراطية وضعفها، قبل الانتخابات الرئاسية المقبلة.

هذه الانتقادات فرقعات سياسية وإعلامية فمن الصعب للغاية وقف تنفيذ اتفاق وافقت عليه الدول الكبرى جميعها بلا استثناء واحد.

مخاوف الخليج قضية أخرى، فالخشية عند ذروتها من أية ترتيبات تلى اتفاق «لوزان» على حساب أمنها.لهذا الاعتبار دعا الرئيس الأمريكى «باراك أوباما» قادة دول الخليج لقمة مشتركة فى منتجع «كامب ديفيد» موضوعه الجوهرى الترتيبات الإقليمية الجديدة.

أمام انقلابات الإقليم الجارية والمحتملة فإن ما تحتاجه مصر الآن أن تنظر حولها بتأمل وترصد المتغيرات حولها بعمق كدولة مركزية فى المنطقة لا لاعبا هامشيا ينتظر ما يقرره لها الآخرون.

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved