عن سياسة ترامب فى الشرق الأوسط

العالم يفكر
العالم يفكر

آخر تحديث: الثلاثاء 4 أبريل 2017 - 9:25 م بتوقيت القاهرة

نشرت مجلة The New York Review of Books الأمريكية مقالا لـ«أحمد رشيد» ــ المؤلف والكاتب الصحفى ــ حول ترامب وسياسته الخارجية وبخاصة فى الشرق الأوسط، والكيفية التى سيتعامل بها مع الصراعات المندلعة هناك.
يستهل الكاتب المقال بما حدث فى الأشهر الأولى من إدارة الرئيس الأمريكى الجديد دونالد ترامب، فيقول إنه لم يكن هناك أى دليل يذكر على وجود سياسة خارجية متماسكة للرئيس الجديد. فما يحدث ما هو إلا عسكرة ــ تعزيز لدور الجيش ــ للسياسة الخارجية فى الشرق الأوسط، وهى سياسة تحدث إلى حد كبير دون تشاور مع الحلفاء الأمريكيين. بشكل أكثر تفصيلا يكاد لا يوجد أى تدقيق من قبل الإدارة الأمريكية فيما يتعلق بالتعامل مع حالة الحرب فى اليمن والحملة ضد داعش فى العراق وسوريا، وذلك من الممكن أن يشكل عواقب وخيمة على أمن الولايات المتحدة وحتى استقرار الشرق الأوسط نفسه.
يضيف الكاتب أنه نوقش على نطاق واسع الغارة الكارثية الأمريكية التى وقعت يناير الماضى على هدف لتنظيم القاعدة وسط اليمن بعد أيام قليلة من تولى ترامب لمنصبه، ومنذ ذلك الحين تصاعدت الإجراءات الأمريكية فى الشرق الأوسط بشكل عام. وفى مطلع مارس الماضى نفذت الطائرات بطيار وبدون طيار أكثر من ثلاثين ضربة ضد المسلحين الإسلاميين فى جميع أنحاء اليمن وبخاصة وسطها، وهو ما يعادل تقريبا العدد الإجمالى للغارات الجوية التى نفذت فى عام 2016 كله. وأسفر بالطبع ما حدث عن مقتل العديد من المدنيين. أما فى العراق وسوريا فقد وردت تقارير عديدة عن وقوع ضحايا مدنيين فى غارات بالقنابل الأمريكية، وأشارت هذه التقارير عن مقتل ما لا يقل عن مائتى مدنى خلال غارات جوية أمريكية على مدينة الموصل.
يقول «رشيد» إنه فى الوقت نفسه هناك 400 جندى أمريكى فى طريقهم إلى سوريا لإقامة قاعدة مدفعية من أجل استعادة «الرقة» عاصمة داعش، إضافة إلى احتمالية إرسال ألف جندى آخر إلى الكويت ليمثلوا قوة احتياطية. وسوف يذهب المزيد من الجنود قريبا إلى العراق بالإضافة إلى الخمسة آلاف الموجودين بالفعل. جدير بالذكر أن البنتاجون قد طالب فى وقت سابق بمزيد من القوات لأفغانستان بالإضافة إلى الـ8400 جندى الموجودين بالفعل.
***
بنظرة على الوضع فى اليمن والحرب الأهلية العنيفة ما بين الحكومة والمتمردين الحوثيين ــ المنتمين إلى المسلمين الشيعة ــ يدور الآن صراع إقليمى تشارك به إيران إلى جانب الحوثيين ودول الخليج العربى التى تدعم الحكومة. يقول ستيفن أوبراين أحد كبار المسئولين بالأمم المتحدة فى السياق ذاته أن اليمن يواجه أكبر أزمة إنسانية فى العالم، حيث يحتاج أكثر من ثلثى السكان ــ البالغ عددهم ثمانية عشر مليون نسمة ــ إلى الكثير من المساعدات.
يشير الكاتب إلى وجود انتشار عسكرى أمريكى جديد يحدث الآن دون أى إشارة إلى مبادرات دبلوماسية أو مناقشات من أجل معرفة مستقبل السلام فى مناطق الصراع أو استراتيجية حكيمة لجذب قلوب وعقول المسلمين من أجل القضاء على تنظيم الدولة الإسلامية، ولكن يبدو أن المناقشة الوحيدة التى تدور حول كيفية تصعيد العمل العسكرى، وهو الأمر الذى يبعث على الإحباط الشديد لحلفاء الولايات المتحدة فى شتى أنحاء العالم.
فى 26 مارس الماضى ذكرت صحيفة واشنطن بوست الأمريكية أن وزارة الدفاع طلبت من البيت الأبيض إزالة القيود المفروضة على تقديم المساعدات العسكرية لحلفائها من دول الخليج الذين يقاتلون المتمردين الحوثيين المدعومين من إيران فى اليمن، وجدير بالذكر أن قوات عمليات خاصة أمريكية ترتكز ليس فقط فى اليمن بل فى عشرات البلدان الأخرى بأفريقيا وآسيا الوسطى.
***

إن الأمر الأكثر قلقا الآن يدور حول رغبة الجيش الأمريكى فى إنشاء مناطق حرة لإطلاق النار بالشرق الأوسط؛ بحيث تستطيع القوات الأمريكية استهداف وقصف أعدائها دون اعتبار للمدنيين أو ما يمكن أن ينطوى عليه من إلحاق الضرر بالبنية التحتية. ذكرت صحيفة نيويورك تايمز أن ثلاث محافظات فى اليمن قد أعلنت كمناطق أعمال قتالية نشطة، أى مناطق حرة لإطلاق النار، وأشارت الصحيفة إلى أن أجزاء من الصومال ستضاف قريبا إلى القائمة، وأضاف دبلوماسيون غربيون فى بروكسل أن مناطق من أفغانستان والتى ينتشر بها طالبان بقوة من المحتمل أن تضاف إلى القائمة أيضا كمناطق حرة لإطلاق النار. لاشك أن هذه السياسة سوف تشجع الضربات العشوائية كما أنها ستنتج لا محالة آلاف المتطرفين من المسلمين إضافة إلى تقويضها لعمليات الإغاثة الإنسانية وتدمير أى آمال فى إعادة البناء الاقتصادى.
بدلا من اتباع نهج شامل رشيد إزاء كل ما يحدث يعتمد على الدبلوماسية والمعونة الاقتصادية وحل النزاعات وتقوية العلاقات مع الحلفاء، يركز ترامب اهتمامه للاعتماد على الجيش فى الوقت الذى تقوض فيه جميع مؤسسات الولايات المتحدة الأخرى التى تتعامل بشكل أكثر عقلانية مع ما يحدث. وبصرف النظر عن القصف والضربات الجوية فالأهم من ذلك معرفة استراتيجية ترامب لليمن، وهل ستدعم إدارته استمرار جهود الأمم المتحدة للتوسط بين الحكومة اليمنية والحوثيين؟ وما هى الدبلوماسية التى تخطط الإدارة التعامل بها مع التنافس الإقليمى المتصاعد؟ ومن المسئول تحديدا عن السياسة اليمنية: وزارة الخارجية أم مجلس الأمن القومى؟ ولكن ما يحدث أنه لا يتم الرد على هذه الأسئلة أو حتى معالجة القضايا التى تثيرها.
ختاما.. يقول الكاتب أن اعتماد ترامب المتزايد على استراتيجية عسكرية فى جميع أنحاء العالم سيقلل من تأثير الولايات المتحدة على حلفائها بل وجميع القوى الكبرى. كما أنه من غير المرجح أن يحققوا آمال ترامب بأن يكون هناك حملة صليبية موسعة ضد الدولة الإسلامية. وذلك سيدخل الولايات المتحدة مع المزيد من الصراعات الملتهبة بدلا من إنهائها، وبخاصة مع أمريكا ترامب التى تتخلى عن أى شعور بالمسئولية الدولية تجاه أى شيء كما أنها لا تولى أى اعتبار للاتفاقيات الدولية. لقد بدأ عصر عالمى جديد لم يعد فيه الحلفاء الأمريكيون يعتمدون على القيادة الأمريكية، إنها أخطر فترة نشهدها فى الوقت المعاصر.

إعداد: نهاد محمود

النص الأصلى:

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved