اخترنا لك

محمد الهوارى
محمد الهوارى

آخر تحديث: السبت 4 أبريل 2020 - 9:15 م بتوقيت القاهرة

فى خضم الأعصاب المشدودة والحظر والإغلاق والانغلاق، وبعد أن كتبت مقالين وألقيتهما فى القمامة (الافتراضية على الكمبيوتر طبعا)، قررت أن أكتب مقالا ليس فيه سوى أخبار إيجابية أو طريفة. وكما تعودنا فى طفولتنا وشبابنا من المذيعتين الشهيرتين فريال صالح ونجوى إبراهيم فى مساء كل أربعاء اللتين كانتا تأخذاننا فى جولة لطيفة من مقتطفات ومعلومات وبرامج مسلية.. اسمحوا لى أن أقدم لكم وجبة شبيهة.
الخبر الأول عن التحاليل الجديدة لفيروس الكورونا وهى تحاليل تظهر أولا ما إذا كان الشخص قد أصيب بالفيروس فى وقت سابق من حياته، ثانيا ما إذا كان جسمه أنتج أجساما مضادة للمرض اللعين. تعطى الأجسام المضادة مناعة للجسم، قد تكون مؤقتة المفعول أو طويلة المفعول. تنوى ألمانيا أن تستخدم هذه التحاليل على مستوى واسع (يقال إنه بمعدل نصف مليون مواطن ومقيم فى الأسبوع الواحد) كما تجرى أمريكا وراء الفكرة نفسها. وكعادة الأمريكان أصحاب السبق فى كل ما هو جديد بقيادة القطاع الخاص، قامت شركات بتطوير تحليل مماثل بهدف التوزيع والربح. تكمن أهمية التحليل فى إمكانية معرفة من أصيب بالمرض دون أن يلاحظ، بهدف إتمام حصر عدد الإصابات وكذلك فهم أفضل لواقع انتشار المرض حتى يتمكن علماء الأوبئة من استيعابه بشكل أفضل. ولكن يبقى السبب الأهم للتحاليل هو عودة هؤلاء الذين لديهم مناعة من الفيروس إلى العمل وبدء تدوير عجلة الاقتصاد من جديد. أتوقع أن تلهث الحكومة الأمريكية وراء الفكرة بشكل سريع حيث إنها أملها الوحيد فى إعادة تشغيل الاقتصاد فى أقرب فرصة؛ ومن ورائها العالم. ولا ننسى كما قلنا أن ألمانيا ستكون صاحبة التجربة الرائدة ولكن حجم أمريكا يجعلها التجربة الأكبر والأهم.
منذ نحو أسبوعين نبهت لوجود خطورة حقيقية فى حالة تفشى المرض لعدم كفاية أجهزة التنفس الصناعى فى مصر (أو فى أى دولة فى العالم). كتبت على الفيسبوك وخصصت بالذكر صديقى د. مدحت نافع رئيس الشركة القابضة للصناعات المعدنية وفوجئت بعدها بأيام (ولا أعلم ما إذا كان رأى ما كتبته أم هو توارد خواطر)، فوجئت به يقوم بجهود حثيثة على المستوى المحلى والتعاون الدولى لإيجاد حلول لانتاج جهاز الفينتيليتور المهم فى المصانع التابعة له. هذا المستوى من المبادرة فى شركات القطاع الحكومى هو ما نحتاج إليه لإدارة أزماتنا فله الشكر وندعو له بالتوفيق.
بعد أكثر من شهرين من الحجر الصحى فى الصين، ارتفعت نسبة طلبات الطلاق لمستوى غير معهود. أظن أن أغلب المتزوجين الذين اضطروا للعمل من المنزل، خاصة مع وجود أولاد يحتاجون إلى رعاية وترفيه، سيتعرضون لضغوط مماثلة. لمواجهة هذه المشكلة أصدرت وزارة العدل فى روسيا قرارا وجهت فيه المحافظات المختلفة بتأجيل أى طلبات طلاق أو زواج لما بعد شهر يونيو القادم. ويبدو أن الوزارة قررت أن هذه القرارات تحتاج إلى ذهن صاف وأعصاب هادئة وأهم من الاثنين تحتاج إلى أن يقضى الطرفان بعض الوقت بعيدين عن بعضهما البعض، سواء فى العمل أو فى الدراسة أو فى النادى.
تضاعفت أعمال شركة زووم المتخصصة فى تقنيات الاجتماعات المرئية والمسموعة عن بعد وارتفعت قيمتها السوقية منذ بدء الأزمة. الطريف أن إدارة الأسواق الأمريكية قامت بوقف التعامل على شركة اسمها زووم للتكنولوجيا لأنها وجدت أن المستثمرين يشترون أسهمها بدلا من الاستثمار فى السهم الصحيح وهو زووم للاتصالات المرئية. فى الوقت الذى ارتفعت فيه أسهم الشركة الصحيحة ٥٠٪ منذ بدء الأزمة، الشركة الأخرى ارتفعت قيمة أسهمها ٢٤٠٪ بسبب خطأ فى الاسم وذلك حتى تم التوضيح من إدارة الأسواق.
بينما ارتفع عدد العاملين من المنزل بسبب الفيروس التقطت الشركة الأمريكية الكبيرة وول مارت ملحوظة غريبة وهى أن مبيعات الملابس التى تغطى الجزء الأعلى من الجسم ارتفعت أكثر بكثير من الملابس التى تغطى الجزء السفلى مثل البنطلونات. وفسرت الشركة ذلك بأن العاملين من المنزل لا يحتاجون إلى لبس رسمى إلا للجزء العلوى من الجسم.
كلمة أخيرة: قرارات وسياسات البعد الاجتماعى ناجحة. هى فى الحقيقة العلاج الوحيد الناجح الذى فى أيدينا اليوم. نجحت هذه القرارات فى الصين وبدأت الصين بالفعل فى فتح أبوابها من جديد. تتوقع الإحصائيات فى أوروبا أن نشهد قمة المنحنى خلال هذه الأيام، ثم تبدأ الأعداد فى التقلص وقد نرى أوروبا تفتح حدودها الداخلية فى شهر مايو. فى أمريكا ستكون قمة المنحنى على فترات لأن أمريكا قارة وليست دولة عادية، ففى نيويورك مثلا نتوقع قمة المنحنى فى أواخر شهر إبريل. البديل عن الحظر والبعد الاجتماعى قد يكون مأساة يروح ضحيتها الملايين وبدلا من تحمل فترة ضغط اقتصادية لشهور، تتفاقم المشكلة وتصبح خسائر يتم قياسها بالسنوات. كمدير استثمار تعلمت أن النجاح أولا وأخيرا قائم على إدارة المخاطر وإذا فكرنا فى المشكلة من هذا المنطلق، فالحظر والبعد الاجتماعى هو القرار الصحيح. ولكن أيضا يجب أن نتذكر أن الخسارة الاقتصادية من الوارد تعويضها ولو بعد حين، أما خسارة الأرواح فلا يمكن تعويضها. وبينما أرى أن الحكومة المصرية قامت باتخاذ القرار الصحيح فى فرض الحظر وسياسة البعد الاجتماعى بين الأفراد أرجو ألا تتراجع تحت أى ضغوط عن هذا القرار حتى اللحظة الصحيحة. وكذلك أرجو أن يعيد البنك المركزى النظر فى قراره بخصوص حدود السحب فهى تُعَرِض البنوك للازدحام وازدياد نقط الالتقاء بين البشر وهو منافى لسياسة الحكومة منذ بدء الأزمة. هو قرار قد يكون صحيح من وجهة نظر أهدافه ولكن توقيته جانبه الصواب وأصبح الرجوع فيه ضرورة قصوى حتى لا تصبح البنوك وماكيناتها مرتعا للمرض والعدوى.

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved