كورونا.. شر البلية ما يضحك!

مواقع عالمية
مواقع عالمية

آخر تحديث: السبت 4 أبريل 2020 - 9:19 م بتوقيت القاهرة

نشر موقع إندبندنت عربية مقالا للكاتب «أمين الزاوى» تناول فيه طريقة تصدى الشعوب باختلافاتها للوباء الحالى عن طريق إلقاء النكات ومشاركتها عبر العالم.. نعرض منه ما يلى.

الضحك فلسفة، هكذا رآه وقرأه وفسّره برغسون فى كتابه «الضحك» الصادر عام 1900. الضحك طريق أيضا لمقاومة الإحباط الإنسانى، وهو فى المحصّلة علامة للوعى الجماعى والفردى. فالمجتمعات التى تنمو فيها ثقافة النكتة هى مجتمعات نقدية بامتياز، النكتة اسمنت ثقافى للوعى.
يعلّمنا تاريخ البشرية الإبداعى بأنّ المصائب تخلّف أدبا للدموع والمآسى ولكنها، وهذا منطق التاريخ أيضا، تخلّف أدبا للضحك والسخرية من قدر الإنسان وعجزه، السخرية شكل من أشكال المقاومة السيكولوجية فى لحظات مواجهة القلق والموت أو لحظات انتظارهما.
إنّ قراءة لما ينتجه العقل الإنسانى والعربى والمغاربى هذه الأيام وهو يواجه جائحة كورونا ينبهنا إلى مسألة أساسية وهى أنّ الإنسان وهو يصارع موت الوباء الشامل تسقط فيه الطبقية، وتموت الأيديولوجيا، ويصعد شقاء البحث الإنسانى عن الخلاص.
مئات، بل آلاف النكات والطرائف تنتقل على شبكات التواصل الاجتماعى، عابرة اللغات والثقافات والديانات من دون اعتبار، وفى مرورها هذا تُستقبل النكتة بكثير من التعليقات والتجاوب والضحك المنقذ من دون عنصرية دينية أو عرقية أو ثقافية أو لونية.
ومن خلال نظرة متفحّصة لهذا السيل من النكات، نستنتج بدءا بأن النكات المتعلقة بالجنس هى الأكثر حضورا، لأنّ الجنس يظل حاجة إنسانية لا تحتاج إلى لغة، وهو علاقة حميمة جسدية وعاطفية مشتركة بين الجميع، لذا التفاعل معها يكون قويا ومباشرا وعامّا. النكتة الجنسية هى العابرة بقوة لكل الحدود الثقافية والعقائدية واللغوية.
وتأتى بعدها تلك النكت المرتبطة بمسألة توزيع الفضاء البيتى، فهذا الفضاء الذى كان أنثويا بامتياز، بمطبخه خصوصا، بات جراء الحجر منتهكا ومخترقا من قبل الذكورة، ذكورية المطبخ، ويذهب عددٌ كبيرٌ من النكت إلى توصيف هذه الحدود التى وزّعت جغرافية البيت كما وزّعت جغرافية الفضاء العام فى الخارج، منطقة للنساء وأخرى للرجال.
وتحيلنا هذه السلسلة من النكت، فى الوقت ذاته، وبشكل عفوى على فلسفة توزيع العمل فى البيت، توزيع الأدوار ما بين العبد والسيد، إذ يكشف لنا الحجر الصحى هذا كيف أنّ المرأة وهى فى البيت، مهما كان مقامها فى الخارج، تعود إلى عمل السخرة، الغسيل والطبخ والتنظيف، ما يجعل المراقب لمثل هذه النكات يكتشف الممارسات غير الإنسانية فى توزيع العمل فى البيت والتى يقع كاهلها وثقلها أساسا على المرأة، وهذا الحجر الصحى يكشف أنّ هذا التوزيع غير العادل لا يزال قائما فى زمننا المعاصر، فالمرأة لا تزال تتحمّل الأكثر.
وتأتى فى المرتبة الثالثة النكات المرتبطة بالتدين. ويكشف لنا عددٌ كبيرٌ من النكت التى تنتجها المجتمعات التى تعانى من سلطة قوى الدين السياسى، وبعبقرية شعبية تُصاغ النكتة بأسلوب ساخر وذكى لتعرية فئة من الدعاة الذين لطالما صاحوا على كل السطوح وعلى كل شاشات التلفزيونات بأنهم قادرون على رد البلاء عن «المسلمين، وعن المسلمين وحدهم»، بقراءة آية من القرآن أو حديث أو دعاء، فإذا هم اليوم يختفون فى انتظار مرور العاصفة ليعودوا ربما إلى خطاباتهم وخطبهم القديمة.
وفى المقام الرابع، تشرِّح النكت المرتبطة بكورونا وبالحجر الصحى، وضعية الواقع الصحى المزرى لبعض البلدان التى لطالما تشدّقت بأمنها الصحى وتفوّق منظومتها الصحية، ويتم عرض هذه الحال من خلال بعض الألبسة الصحية الغريبة والكمّامات العجيبة التى تركب على شخصيات سياسية أو علمية أو دينية، وتصور الخوف المبالغ فيه، الذى يصل حد الهلع، فى التعامل مع الآخر والتعامل مع فعل النظافة.
ومن الناحية العاطفية، وبسخرية عالية أيضا، وفى ظل الحجر الصحى، ومن خلال سيل من النكت، تتمّ تعرية العلاقة الزوجية المعاصرة، ومدى صلابتها أمام قدرة الفرد على تحمل الزوج الثانى على مدار الساعة وعلى مدار اليوم والأسبوع والأسابيع.. وبسخرية أيضا، ترسم نكت الحجر الصحى مسألة الوفاء العاطفى والجسدى بين الزوجين.

وبسخرية أيضا، يعرّى فن النكتة علاقة المرأة بالمرأة والاهتمام بجمالها ولياقتها الجسدية فى ظل حجر مفتوح على كل الاحتمالات. وفى ذلك إشارة نقدية إلى الشركات العالمية المتخصصة فى أدوات التجميل التى يهدّد اقتصادها الحجر الصحى، ومرات كثيرة تكون مثل هذه النكات المرتبطة بجمال المرأة فى الحجر مشحونة بحس ذكورى متخلّف يستصغر عملية الاهتمام بالجمال وباللياقة البدنية.
مع هذا الحجر الصحى وفى ظله ولمحاربة فوبيا الوباء والإحباط النفسى، تشكّلت نوادٍ كثيرة ومجموعات وحلقات مختلفة مكوّنة من آلاف المنخرطين من بلدان مختلفة وثقافات مختلفة وديانات مختلفة، مهمتها تبادل فيديوهات النكت الخاصة بيوميّات الحجر وبحياة المواطنين فى مثل هذه الظروف الصعبة. وبالفعل، تحوّلت هذه المجموعات إلى قوة ضد سيكولوجية الهزيمة.
إنّ قراءة سوسيو ــ سياسية وسيكو ــ ثقافية للإنتاج الثقافى والفنى المتداول بين المجموعات والمواقع والأفراد على وسائل التواصل الاجتماعى والمرتبطة بالحجر الصحى ووباء كورونا فى شكل فن النكتة، يتضح لنا جليا، أن هذا الإنتاج الإعلامى الفنى والثقافى، يرسم لنا صورة حقيقية عن درجة الوعى الجمعى والفردى على المستوى الاجتماعى والسياسى والثقافى والدينى الذى وصلت إليه مجتمعاتنا، وهو إنتاج تمكّن من تقريب الشعوب فى ما بينها على اختلاف عقائدها وسياسات أنظمتها ولغاتها لتشكّل «النكتة» الجماعية سلاحا فى وجه الخوف، وهو أيضا لحظة مراجعة لسلوكات بائدة عدّة فى العلاقة مع المرأة ومع فضائل البيت وتوزيع العمل ومع الدين والتديّن ومع الصداقة ومع المؤسسة ومع الأطفال.

.. شر البليّة ما يضحك، والمصيبة «إذا عمّت خفّت»، لأنّ مقاومتها تكون عامة وشاملة والنجاح مأمول.
النص الأصلى: من هنا

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved