العلاقات الأمريكية الروسية فى القطب الشمالى.. هل هناك فرصة للتعاون؟

العالم يفكر
العالم يفكر

آخر تحديث: الأحد 4 أبريل 2021 - 8:25 م بتوقيت القاهرة

نشر مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية CSIS مقالا للكاتبين هيزر كونلى وكولن يتناولان فيه أهمية التعاون الأمريكى مع روسيا فى القطب الشمالى مع التركيز على المجالات التى ستخدم مصلحة الطرفين.. نعرض منه ما يلى.

أول اتصال حدث بين إدارة بايدن والحكومة الروسية كان على أعلى مستوى، تحدث فيه الرئيس الأمريكى جو بايدن مع الرئيس الروسى فلاديمير بوتين عبر الهاتف فى 26 يناير واتفقا على تمديد اتفاقية الحد من انتشار الأسلحة النووية لمدة خمس سنوات (نيو ستارت). وبعدها فى 13 فبراير أجرى اتصال هاتفى بين وزير الخارجية الروسى سيرجى لافروف ومبعوث الولايات المتحدة لشئون المناخ جون كيرى اتفقا فيه على العمل معا بشأن تغير المناخ.
إلى جانب تحقيق الاستقرار النووى، أصبحت المشاركة الثنائية بشأن تغير المناخ ذات أولوية قصوى، لا سيما فيما يتعلق بالمحيط المتجمد الشمالى الذى تشترك فيه كلتا الدولتين، فضلا عن وجود حدود بحرية طويلة تمتد من بحر بيرنج إلى بحر تشوكشى إلى المحيط المتجمد الشمالى. تعد أمريكا وروسيا ثانى ورابع أكبر مصدر لانبعاثات الكربون فى العالم على التوالى، وكل منهما يحاول تعديل نموذجه الاقتصادى ومعالجة التغيرات المناخية. التوقيت الذى تم فيه الاتصال بين روسيا وأمريكا بشأن التغير المناخى مهم: أولا لأن روسيا تذوب بها أكبر كتل جليدية، وثانيا لأن روسيا فى مايو المقبل ستتولى رئاسة مجلس القطب الشمالى لسنتين ــ وهو منتدى حكومى دولى يركز على حماية البيئة، والتنوع البيولوجى، والبحث العلمى، والتنمية الاقتصادية المستدامة فى القطب الشمالى.
***
ربما يكون تحقيق التعاون صعبا. فعلى الجانب الروسى، هناك فجوة بين الأقوال والأفعال فى سياستهم المناخية. فى استراتيجيات التنمية الإقليمية، تدرك موسكو التهديد الذى سيفرضه ارتفاع درجة حرارة المناخ وتوضح التزامها بحماية بيئة القطب الشمالى. فيما يتعلق برئاسة روسيا لمجلس القطب الشمالى المقبلة، يقول المسئولون الروس إن التعاون بشأن تغير المناخ سيحظى بأولوية بين التحديات التى تواجه المنطقة. هذا الحال أيضا مع الحديث عن التنمية الاقتصادية الإقليمية، فدائما ما يتحدث المسئولون الروس عن الاستدامة وأهمية إعطاء الأولوية للتنمية الاقتصادية فى القطب الشمالى الروسى، ويركزون على تحويل طريق البحر الشمالى إلى ممر بحرى تجارى إلى جانب متابعة مشاريع النفط والغاز فى القطب الشمالى.. ولكن، فى الواقع، تركز سياسة الطاقة الروسية للـ15 عاما القادمة على زيادة إنتاج وتصدير الوقود الأحفورى، فحديث روسيا عن الاستدامة ينصب فى الواقع على الوقود الأحفورى والتنقيب عن المعادن وإنشاء ممر بحرى فى الشمال.
على الجانب الآخر، سياسات أمريكا ليست متوائمة. فالاستقطاب الحزبى جعل هناك اختلافا على ما يجب التركيز عليه، سواء التغير المناخى والحماية البيئية فى القطب الشمالى من جانب، أو التنمية الاقتصادية فى القطب من جانب آخر. بالانضمام، ثم الانسحاب، ثم الانضمام مرة أخرى إلى اتفاق باريس للمناخ، فشلت الولايات المتحدة بوضع سياسة مستدامة بشأن المناخ والاقتصاد فى القطب الشمالى. واتفق الحزبان على فشل الولايات المتحدة فى تعزيز تواجدها المادى فى الإقليم.. هذا التردد يعيق التعاون الدولى.
وبالتالى، كيف يمكن لإدارة بايدن إعطاء الأولوية لمبادراتها المناخية العالمية فيما يتعلق بروسيا والقطب الشمالي؟ إذا افترضنا أن العلاقات الأمريكية الروسية مستقرة، فتحقيق مثل هذه المبادرات فى الأصل سيحمل الكثير من الصعوبات. فما بالك والعلاقات فى الأساس متأزمة، مع فرض مزيد من العقوبات على روسيا بسبب تسميم المعارض الروسى أليكسى نافالنى، واحتمالية فرض عقوبات على التدخل الروسى فى الانتخابات الأمريكية والهجمات السيبرانية، بالإضافة إلى التراشق بالكلمات بين بوتين وبايدن، واستدعاء السفير الروسى بالولايات المتحدة.
***
لحسن الحظ هناك تاريخ من التعاون الثنائى فى القطب الشمالى يمكن الاستفادة منه، بدءًا من نظام إدارة حركة السفن المشترك فى مضيق بيرينج إلى المفاوضات بشأن وقف مصايد الأسماك فى المحيط المتجمد الشمالى وسلسلة من الاتفاقيات الدولية تشمل تنظيم عمليات البحث والإنقاذ، ومنع والتعامل مع حوادث انسكاب النفط. وبالتالى قد يكون هذا أساسا يمكن إدارة بايدن من تحديد مشاريع المناخ التى يمكن أن تؤمن الدعم الروسى بشكل عملى. ونقدم هنا توصيتين: زيادة الاستشعار عن بعد ومراقبة ذوبان الجليد الدائم، وبدء البحث العلمى لتدعيم الإدارة المستقبلية لمصايد الأسماك فى المحيط المتجمد الشمالى.
الذوبان الجليدى المتسارع فى القطب الشمالى يتحدى كلا من البنية التحتية الروسية والأمريكية وله تأثيرات كبيرة من حيث إطلاق كميات كبيرة من غاز ثانى أكسيد الكربون والميثان إلى الغلاف الجوى، مما يزيد من عمليات الاحترار والذوبان والاحترار مرة أخرى. سوف يتأثر سبعون بالمائة من البنية التحتية فى القطب الشمالى (أمريكا الشمالية والقطب الشمالى الأوروبى وروسيا) بحلول عام 2050، بالإضافة إلى النظم البيئية والسكان الأصليين والأمن الغذائى والمائى والاقتصاديات ونظم الدفاع.
على الرغم من إجراء أبحاث مكثفة بشأن ذوبان الجليد فى الأوساط الأكاديمية، والوكالات الحكومية الوطنية، وعبر برنامج مراقبة وتقييم القطب الشمالى التابع لمجلس القطب الشمالى، لا يزال هناك عدم يقين بشأن كمية ثانى أكسيد الكربون الموجودة فى الجليد ومعدل الذوبان. هناك حاجة لإنشاء شبكات مراقبة فعالة، فضلا عن الحاجة إلى توفير إجابات لأسئلة مهمة مثل تأثير بكتيريا التربة على انبعاثات الكربون وتطوير نماذج متطورة للتنبؤ، ربما عن طريق الاستثمار فى أدوات الذكاء الاصطناعى مثلما يقترح بعض الباحثين.
يمكن لإدارة بايدن أن تشجع أعضاء مجلس القطب الشمالى على زيادة تمويل المشاريع المتعلقة بدراسة ذوبان الجليد، وتطوير أدوات البحث، وتبادل المعرفة. على سبيل المثال، دعت استراتيجية التنمية الإقليمية لروسيا إلى نظام مراقبة التربة الجليدية للبنية التحتية المهددة. وبينما قد تعيق موسكو مشاريع مجموعة عمل المجلس بشأن قضايا مثل التلوث أو الشحن الآمن بيئيًا، فقد يهتمون بمشاريع الاستشعار عن بُعد والمراقبة التى يمكن أن تساعد فى منع الحوادث مثل تلك التى وقعت بالقرب من نوريلسك، روسيا، حين انسكب 21 ألف طن من الديزل من خزان وقود فى عام 2020.
مصايد القطب الشمالى تمثل أيضا مجالا للتعاون. فى أكتوبر 2018، وقعت الدول الساحلية الخمس فى المحيط المتجمد الشمالى، جنبًا إلى جنب مع أيسلندا والاتحاد الأوروبى والصين واليابان وكوريا الجنوبية، اتفاقية لمنع مصايد الأسماك غير المنظمة فى أعالى البحار فى المحيط المتجمد الشمالى، حيث وافق جميع الموقعين على حظر الصيد التجارى حتى تتوافر المعلومات العلمية الكافية لتنظيم العملية. ووافق الموقعون أيضًا على إنشاء «برنامج مشترك للبحث العلمى والمراقبة»، فى غضون عامين من دخول المعاهدة حيز التنفيذ، لإجراء البحوث اللازمة لرفع الحظر. ومع ذلك، وحتى الآن، لم تتقدم أى دولة لتمويل البرنامج. وباستثناء الاتحاد الأوروبى، فإن جميع الموقعين إما أعضاء أو مراقبون دائمون فى مجلس القطب الشمالى. يمكن للمجلس تسهيل عمليات البحث العلمى خلال الرئاسة الروسية، خاصة أن روسيا أعلنت ترحيبها بمشاركة أكبر للمراقبين خلال فترة رئاستها.
على واشنطن اغتنام الفرصة والضغط على روسيا لتحقيق ما وعدت به فى خطاباتها والاجتماعات الثنائية والمقابلات، والضغط أيضا للاتفاق على صيغ جديدة للتعاون فى ظل استعداد روسيا لرئاسة مجلس القطب الشمالى. على الرغم من أن هذه المبادرات قد لا تتصدر عناوين الأخبار العالمية، إلا أنها ستعزز التعاون الذى تشتد الحاجة إليه عبر منطقة القطب الشمالى.

إعداد: ابتهال أحمد عبدالغنى
النص الأصلى

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved