قبل أن تحل الكارثة

ليلى إبراهيم شلبي
ليلى إبراهيم شلبي

آخر تحديث: الإثنين 4 مايو 2009 - 5:46 م بتوقيت القاهرة

 مازال العالم يعانى من تداعيات الأزمة الاقتصادية العالمية محاولا استيعاب وفهم ما يحدث حتى واتته الطبيعة بضربة جديدة موجعة فانفجرت موجات القلق والفزع إثر الإعلان عن أول الإصابات بإنفلونزا الخنازير «Swine flue» التى بدأت فى أمريكا والمكسيك فاندلعت فى أقل من أسبوع لتعبر كل الحدود والبحار والمحيطات إلى ست وعشرين دولة تقع فى أربع قارات مختلفة.

تعدد الإصابات والوفيات فى المكسيك ألقى ظلا ثقيلا على الكرة الأرضية أعاد للأذهان ذكرى تلك الموجات الكارثية من الوباء الذى اجتاح العالم فى نهاية الحرب العالمية الأولى ليحصد أرواح 50 مليونا من البشر ويصيب بالعدوى 40٪ من سكان الأرض، حقا كان الأمر جد مختلف، فقد ضرب الوباء عالما انهكته الحرب وغابت فيه الكثير من الشروط الصحية التى تصاحب الحروب عامة، ولم تكن بعد تعرف المضادات الحيوية أو وسائل التشخيص بالغة الدقة التى يعرفها الآن، لكن عدد الذين جرفهم سيل الوباء كان يفوق عدد من طحنتهم آلة الحرب.

عاد الوباء يطل بوجهه القبيح عام «1957» لتغتال الإنفلونزا الآسيوية مليونين من البشر، أغلبهم من كبار السن ثم عاود هجمته الشرسة والتى بدأها فى هونج كونج عام 1968 ليقتل مليونا من البشر.

ثم كان السارس «Severe acute respiratory syrdrom» والذى تسبب فى وفاة 744 حالة من ثمانية آلاف أصيبوا بالعدوى، وكان الفضل فى انحساره لجهود العالم أجمع بعد أن تم اكتشافه بالمصادفة إثر وفاة رجل أعمال أمريكى التقطه من الصين، وقد سلكت حكومة الصين مسلكا اضطرت للاعتذار عنه رسميا حينما حاولت التعتيم على أخبار المرض واحتوائه كمشكلة محلية.

فيروسات الإنفلونزا البشرية بأنواعها وسلالتها معروفة وإن تحورت من آن لآخر، كذا فيروسات إنفلونزا الطيور والخنازير والتى تحدث موجة من العدوى من وقت لآخر بين الطيور وبعضها أو الخنازير وبعضها، وهى فيروسات لا تصيب البشر عادة لكن إذا حدث استثناء للقاعدة فالناتج هو فيروس ضار يجمع كل الصفات الجينية لفيروس إنفلونزا الطيور والخنازير والإنسان، لا يملك الإنسان له أى خطوط دفاعية أو استحكامات مناعية سواء كانت مناعة طبيعية يقوم بها جسم الإنسان أو مناعة يدعمها العلم فى صورة أمصال أو لقاحات، فالشفرة الجينية غائبة وهى مفتاح القضية برمتها.

تعافت كل الحالات التى أصيبت فى الولايات المتحدة إذ إن الطفل الذى لقى حتفه فى تكساس كان جاء للعلاج من بلده المكسيك، بينما تعددت حالات الوفاة فى المكسيك. فهل لهذا علاقة بطريقة تناول الحكومة الأمريكية لأبعاد الكارثة؟.
قد تحمل إجابة السؤال أملا غاليا للعالم كله ونحن بالطبع جزء منه.

استوطنت إنفلونزا الطيور مصر ولم نفلح فى دفعها عنا وإن حققنا نجاحا محدودا للغاية فى رصد وعلاج الحالات لكن مازالت هناك ظواهر إن قدر لها أن تحدث فى دول أخرى لاستقالت حكوماتها مثل ضبط ألف دجاجة نافقة فى المقطم جمعها محاسب لإعادة بيعها مجمدة، وإعدام أربعة آلاف دجاجة يشتبه فى إصابتها بالفيروس أثناء تهريبها، خبران فى صفحة واحدة نشرا فى 27 إبريل الحالى.

لم ينتبه الناس فى بلادنا لخطورة الوباء القادم فلم تكن الرسالة التى أعدتها الحكومة واضحة ومفهومة أو ملزمة كالرسالة التى أعدتها لتحصيل الضرائب.

مازالت إنفلونزا الخنازير لغزا مصريا يعلن عن رؤية مختلطة، ورغم أنه لم تسجل حالات حتى الآن للإصابة بين الخنازير فإنها ربما كانت فرصة للتخلص منها خاصة أنها تحاصر المناطق الآهلة بالسكان برائحتها الكريهة بل وتنتشر فيها، مما يجعل الوباء اجتياحا ــ لا قدر الله ــ لو أصبنا به.

لم تعارض الرموز القبطية ذبح الخنازير وإنما استجابت فى وعى يحسب لها رغم أن ذبح الخنازير لا تشمله الإجراءات الاحترازية التى تلجأ لها دول العالم.

فالمعروف أن الاهتمام بنظافة الحظائر والإشراف الصحى المستمر على الحيوانات وإعطائها اللقاحات الواقية ومتابعة الملفات الصحية للقائمين على رعايتها والعاملين بالصناعات المتعلقة بها كتصنيع لحومها أو دبغ جلودها أمر ملزم ويقع تحت طائلة القانون إذا لم يتم على الوجه الأكمل.

الوباء القادم هو أخطر تحد للإنسان إذ إنه لن يهدد صحته فقط بل كل أنشطته الحياتية، فقد بدأت المكسيك بإغلاق المدارس والجامعات وإلغاء مباريات كرة القدم وتقليل رحلات طيرانها للخارج والنظر فى أمر صادراتها للخارج وتجارتها الخارجية.

منذ أيام، رفعت منظمة الصحة العالمية مستوى الإنذار بشأن الإنفلونزا إلى الدرجة الخامسة الوبائية بما يعنى أن الوباء صار وشيكا، وتواترت المعلومات من كل مراكز رصد المرض تفيد أنه حتى الآن العالم لا يملك مفتاح الشفرة الجينية للفيروس الضارى وليس هناك خبر مؤكد عن سرعة انتشاره أو كل وسائل العدوى به، بينما وجهت المنظمة نداء لكل دول العالم بأن تفعل فورا خططها للاستعداد للوباء.. فماذا أعددنا نحن؟.

الأمر جد خطير ويحتاج لمشروع قومى لا تقل مسئولية المواطن فيه عن مسئولية الدولة بكل مؤسساتها فتداعى الأمر سيطال كل مناحى الحياة.. شرخ عميق فى الاقتصاد وتراجع هائل فى الاستثمارات وأثر سلبى بالغ فى التجارة الخارجية وانحسار كامل لموجات السائحين الذين لم يخيفهم الإرهاب ولم يمنعهم من المجىء دائما بحثا عن آثارنا وأثرنا فى التاريخ وإيراد أقل لقناة السويس واستنفاد لكل موارد الدولة وميزانيتها فى الإنفاق على مكافحة الوباء وعلاج من أصيبوا به.
الأمر إذن يستدعى «حكومة حرب»،

يجب أن تتعاون كل الهيئات المعنية بالأمر، كل الهيئات النظامية والمؤسسات الحكومية ولا نستثنى بالطبع الجيش وإمكاناته، الجمعيات الأهلية يجب أن يكون لها دور فاعل.

أولا: فى التوعية بنوعية المرض ومدى خطورته، طرق العدوى به ووسائل الوقاية منه.

ثانيا: الاستعداد لأداء دور إيجابى تلتزم به إذا ما تفشى الوباء فى مصر
.
ــ يجب على وزارة الصحة أن تلتزم بالمعايير الدولية التى تقرها منظمة الصحة العالمية فى الإبلاغ عن حقيقة وجود مرض إنفلونزا الطيور والخنازير وكل الملابسات والظروف التى تحيط بالمصابين فإن دعم العالم والهيئات الصحية العالمية يضمن لنا موقعا على خريطة الوقاية.

ــ يجب أن تتبنى وزارة الصحة وسائل جيدة التوصيل للمواطن المصرى، تخاطبه بلغة جادة وتشرح له دون اللجوء لما يشيع الاضطراب أو الفزع بدلا من تلك اللغة التى يسخر منها أو الإعلانات التى يتعامل معها على أنها نكات.

يجب أن تتوافر معلومات كافية سهل الحصول عليها، تراجع يوميا ويمكن الاعتماد عليها، ومن وسائل متعددة كخطوط التليفونات أو الإنترنت أو مقار تنظيم الأسرة والمستشفيات وكل مراكز العلاج التابعة لها.

ــ تحسبا لما قد تحدثه حالات انتشار العدوى من ارتباك، يجب أن تحتفظ وزارة الصحة بشبكة معلومات كاملة يتم تحديثها باستمرار لأسماء متطوعين يمكنهم المساهمة بشكل فاعل فى أى مهمات توكل إليهم فى حالة الحاجة إليهم.

ــ يجب أن تقوم وزارة الصحة بتشكيل لجنة من خبراتها المختلفة تكون فى حالة اجتماع دائم لمناقشة تطورات الموقف على المستويين المحلى والعالمى يكون لها حق مناقشة كل التفاصيل المتعلقة بخطة مكافحة الوباء وإصدار التوجيهات والقرارات الملزمة، وأن تكون لها علاقة مباشرة بالهيئات الصحية العالمية والهيئات العلمية والطبية التى تملك خبرة مماثلة فى البلاد التى تتميز بخبراتها العالية فى مكافحة الوباء مثل اليابان وماليزيا.

ــ يجب أن تطلب وزارة الصحة المعونة من كل الهيئات المحلية أو المؤسسات كل فى تخصصه، وأكرر مرة أخری أن الجيش يمكن أن يلعب دورا مهما قد تطول قامته دوره فى حماية حدود البلاد.

يجب أن يتقدم كل إنسان يمكنه المعاونة حتى ولو بطلب المعلومات الصحيحة من مصادرها ومراعاة قواعد النظافة العامة ومعاونة الآخريين على اتباعها، فإذا كانت مسئولية وزارة الصحة هى الحفاظ على صحة الوطن، فسلامته هى مسئوليتنا جميعا.

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved