الإرهاب فلسفة وحياة

إكرام لمعي
إكرام لمعي

آخر تحديث: السبت 4 مايو 2013 - 8:00 ص بتوقيت القاهرة

 عندما وقعت انفجارات ماراثون بوسطن اتجهت الأنظار إلى العرب والمسلمين وتم القبض على شاب سعودى مبعوث للدراسة، وهو يركض من مكان الحادث وقد أفرج عنه عندما ذكر أنه ارتبك مع الجمهور المحيط بسبب الانفجار فحاول أن ينجو بحياته، ونحن كثيرا ما ننتقد رؤية الغرب للعرب والمسلمين لكن ما كشف عنه الحادث أن شقيقين مهاجرين مسلمين من الشيشان هما اللذان ارتكبا الحادث وفى يوم الجمعة 26 أبريل نشرت وكالة أسوشيتد برس صورة لعمر همامى، وهو أمريكى الأصل جهادى يعتبر من أبرز المطلوبين فى أمريكا لأنه سافر إلى الصومال لينضم إلى «حركة الشباب»، وكانت صورته تظهر آثار دماء على رقبته وثيابه وقد أعلن فى حسابه على موقع «تويتر» أن الدماء هى آثار لعملية اغتيال استهدفته يوم الخميس 25 أبريل خلال جلوسه فى إحدى مقاهى الصومال لأنه اختلف مع زعيم الحركة علنا منذ عام، فأرسل الزعيم رجاله ليقتلوه، وكان همامى المعروف بلقب أبومنصور الأمريكى ظهر فى فيديو على يوتيوب تحت عنوان «رسالة عاجلة» يعلن أن هناك خلافات بين قادة حركة الشباب الصومالية المحليين والمقاتلين الأجانب، وهى ذات التركيبة التى خلقت صراعا بين المقاتلين المحليين والمقاتلين الأجانب فى أفغانستان.

 

وفى ذات اليوم الجمعة 26 أبريل أصدرت مجموعة ريسولف إل آر إيه كراسيس إنشياتيف. R. A crises Initiative بيانا محتواه أن عناصر من الجيش السودانى قدموا لـ«جوزيف كونى» الملاحق من المحكمة الجنائية الدولية ملاذا مؤقتا فى الأراضى التى يسيطر عليها السودان، وطبقا لبعض المصادر الأخرى اتضح أن كونى مازال يقود هجمات جيش الرب ضد المدنيين فى البلدان المجاورة، وتصنف حركة «جيش الرب» بأنها من أكثر حركات التمرد وحشية فى القارة الأفريقية منذ عام 1988.

 

●●●

 

 من كل ذلك نكتشف أن حوادث الإرهاب لم تكن نتيجة الفقر أو الجهل فقط، فالحوادث الأخيرة تؤكد أن القائمين بها من المتعلمين أو المثقفين بل ومنهم من الأغنياء ودليلنا على ذلك تنظيم القاعدة الذى أسسه أسامة بن لادن وهو من أغنياء السعودية وزعيمه الآن الدكتور أيمن الظواهرى، وهو طبيب من عائلة مصرية مثقفة وماذا عن الأمريكى عمر همامى، وهو ابن العالم الأول أبيض البشرة أزرق العينين.

 

إذن الأمر ليس بهذه البساطة ولذلك علينا أن نحلل الواقع بكل موضوعية ثم نبحث معا عن كيفية مواجهة هذه الظاهرة وفى تحليلنا للظاهرة نكتشف ما يلى:

 

أولا: إن الإرهاب ثقافة إنسانية متجذرة تاريخيا:

 

فالتاريخ الإنسانى ملىء بالأمثلة عن الاغتيالات سواء لسياسيين أو مثقفين أو رجال دين لهم آراء مخالفة للأصوليات الدينية فبعد هزيمة 1967 قامت مجموعة فلسطينية بخطف طائرة العال الإسرائيلية المدنية إلى مطار عنتيبى بأوغندا وكنت فى ذلك الوقت شابا صغيرا وتحمست جدا لهؤلاء الأبطال الذين ملأت صورهم الصحف وقد دعاهم الإعلام العربى والإسلامى بالفدائيين ودبجت مقالات تمجدهم من الأدباء والسياسيين وأشاد بهم الزعيم عبدالناصر ومعظم الرؤساء والملوك العرب حينئذ، ولكن فوجئنا بأن فريق خاص من الموساد هاجم المطار وأنقذ المخطوفين المدنيين وقتل هؤلاء الفدائيين ونعتهم العالم الحر بالإرهابيين، وهكذا توالت الأحداث المشابهة ثم ظهرت عمليات التفجير الذاتى واستمر البعض يتحدث عن هؤلاء بأنهم فدائيون والبعض الآخر بأنهم إرهابيون لقد امتدت حلقات الإرهاب منذ أن قتل هابيل أخاه قابيل حتى قتل الطفل الأمريكى فى بوسطن بواسطة أخويه الشيشانيين مرورا باغتيال يوسف السباعى وزير ثقافة أنور السادات بسبب ذهابه معه إلى القدس واغتيال فرج فودة بسبب فتوى تكفيرية من أحد الأئمة الثقاة عقب مناظرة بينهما فى المعرض الدولى للكتاب وتم قتل شباب مصر الرائع فى المظاهرات السلمية من 25 يناير 2011 وحتى اليوم، لا شك أن الإرهاب ثقافة إنسانية متجذرة فى التاريخ الإنسانى.

 

●●●

 

ثانيا: إن الإرهاب إحدى الفضائل الأخلاقية والدينية طبقا لتفسير بعينه:

 

فى كل جيوش العالم هناك ما يدعى «التوجيه المعنوى» والذى يهتم بإثارة الحماسة فى الجنود والضباط لكى يستشهدوا فى سبيل الله والوطن وعادة يأتى رجال دين بارزون يتحدثون إلى الجيوش، قائلين إن مهمتكم مقدسة والله يرضى عنها وأن الجيش المضاد ليس فقط يعتدى على الوطن والبشر لكنه يعتدى على حق الله وقداسة الأوطان، والنظرية هنا كما يقول أصحابها إنه لابد من تشويه العدو دينيا وأخلاقيا وسياسيا لكى يحق عليه القتل لذلك، فالعدو مهما كان هو كافر ظالم طماع متوحش وهنا تتحول المعارك إلى قتال وحشى لأن كل طرف يعتبر الآخر لا يستحق الحياة ولقد تم ذلك التوجيه مع الجنود الأمريكان أثناء غزوهم للعراق ومع المقاتلين العرب عند ذهابهم إلى أفغانستان لمحاربة السوفيت الملحدين وأيضا مع الشباب الذين يعدونهم للعمليات الانتحارية سواء فى المطارات أو المقاهى أو محطات المترو أو السفارات أو دور العبادة وغير ذلك، وقد ضحى كل هؤلاء بحياتهم بمنتهى القسوة باقتناع كامل أنهم يرضون الله وأنهم فدائيون يدافعون عن الدين والوطن، بينما هم فى عيون معظم الآخر قتلة وإرهابيون وأنهم بقتلهم لبشر آمنين فهم يعتبرون ضد الله والدين والإنسانية وهنا نرى التناقض الرهيب فى مثل هذه الفلسفة حيث يتحول القتل إلى فضيلة أخلاقية ووصية إلهية ومكافأة أبدية.

 

●●●

 

الحل هو فى تغيير المفاهيم كالتالى:

 

المفهوم الأول: مفهوم القوة والضعف: يظن القاتل أنه الأقوى فالذى قتل فرج فوده كان سماكا جاهلا وكانت قوته فى عضلاته وقدرته على اغتيال البشر لكن التاريخ أسقط هذا السماك من حساباته وتحدث عن شجاعة وأمانة ووطنية فرج فودة، وأصبحت فتوى الفقيه باستحلال دم فرج فودة هى نقطة الضعف الوحيدة فى فكر وحياة واجتهاد شيخ جليل علم الأجيال.

 

إن أحدا لا يذكر اسم من قتل غاندى لكن تظل كلمات غاندى تدوى عبر التاريخ ومنها ما يوجه إلى هؤلاء الإرهابيين مثل «إن إثبات الحق لا يستدعى إيلام الآخرين المختلفين معنا» إن بروتس الذى خان يوليوس قيصر لا يتردد اسمه إلا فى كلمات يوليوس «حتى أنت يا بروتس» فما معنى القوة والضعف هنا ومن هو الأقوى ومن هو الأضعف؟!

 

المفهوم الثانى: مفهوم الإنسان والدين: يعتبر كثيرون أن الدين أهم من الإنسان وأنه إذا اصطدم إنسان بالدين وأنكره فعلى الآخرين قتله لأنه أنكر الصحيح والثابت من الدين لكن كل الكتب المقدسة تعلن أن الأديان نزلت لإسعاد الإنسان لا لشقائه، فالدين لأجل الإنسان وليس الإنسان لأجل الدين وأن الإنسان الذى يدين أخاه لا يدرك قصد الله من الدين، فالدين يسر لاعسر ولا يستطيع أحد أن يرغم الإنسان على الإيمان «من شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر».

 

عندما نضع الأديان فى خدمة الإنسان يلتقى أتباع الأديان جميعا على أرضية الإنسانية متساوين أمام الله متحابين لأجل بناء أنفسهم والوطن والأجيال القادمة فإن كان الإرهاب فلسفة وحياة فلنجعل حب الحياة والإنسان فلسفة أعمق وحياة أروع وأجمل، إن ما يجعلنا نتفاءل هو أن الإرهاب بدأ مع بداية الإنسان على الأرض وكان الحب والسلام والحرية أضواء على الطريق تزداد لمعانا مع مرور الزمن وتقدم وتحضر الإنسان، وسيأتى يوم تذكر فيه الإنسانية أن الإرهاب سواء من الدولة أو الجماعات أو الأفراد كانت تاريخا رديئا يلوث رداء الإنسانية وقد تخلصت منها، وهذا اليوم آتٍ لا ريب فيه.

 

 

 

أستاذ مقارنة الأديان

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved