الإقصاء المتبادل.. هل من نهاية؟

ناجح إبراهيم
ناجح إبراهيم

آخر تحديث: الجمعة 4 مايو 2018 - 9:45 م بتوقيت القاهرة

مرت ذكرى نصر أكتوبر بعد عزل مبارك دون أن يذكر اسمه فى أى وسيلة إعلام مصرية رغم أنه كان قائدا من القواد الرئيسيين فى الحرب.

 والمذيع الوحيد الذى وجه له التحية فى ذكراها العام الماضى أ/جورج رشاد عوقب على ذلك لأنه خرج على النص والسياق.

 مرت الذكرى الكريمة مرات دون أن يذكر بكلمة أو إشارة، ثم مرت ذكرى تحرير سيناء منذ أيام دون أن يذكر بكلمة مع أنه شارك بقسط وافر فى معارك الحرب والسلام لتحرير سيناء مع السادات تارة وهو قائد للقوات الجوية أثناء حرب أكتوبر وأخرى حينما كان نائبا للرئيس.

 بل إنه خاض مع نظامه بعد وفاة السادات معركة السلام التى تمت لاستكمال الانسحاب الإسرائيلى من كامل سيناء ومعركة أخرى لاسترداد طابا أثبت فيها مهارة سياسية.

 استرداد سيناء حربا وسلاما كان من أعظم حسنات نظامى السادات ومبارك، ولكن تمر هذه الذكريات فلا يذكر أحد من أبطالها، حتى أن السفير /أحمد أبو الغيط ــ الذى كان مبارك يعتز به ويصر على استبقائه حتى بعد ثورة 25 يناير كما جاء فى أحاديث الفريق شفيق، وهو الذى عينه وزيرا للخارجية ــ لم يذكر مبارك بكلمة واحدة فى كلمته، وكأنه لا علاقة له بتحرير سيناء حربا وسلاما، ولا مشاركا فى معركة من معاركها الكبرى.

 وهكذا تم إقصاء مبارك من أهم موقعين فى حياته كلها، كل ذلك هو نتاج عقلية عربية مصرية موغلة فى الإقصاء، ولا تستطيع العيش بدونه.

 التاريخ هو التاريخ، سواءً أحببنا أشخاصه أم كرهناهم، أحسنوا إلينا أم أساءوا، اقتربنا منهم أم ابتعدنا عنهم.

 لابد من التفريق بين مبارك قائد الطيران الذى أبلى بلاءً حسنا فى كل حياته العسكرية، وكان مثالا للانضباط والجدية، وبين مبارك السياسى الذى أهمل مصر فى أخريات حكمه وأصر على البقاء حتى بعد فقدانه للياقة الحكم.

 عقلية الإقصاء المصرية لا تطيق أن تذكر له حسنات تحرير سيناء وهى حسنات كبيرة قد تغفر عشرات الهنات الأخرى، فقوانين الشريعة تقول «إذا بلغ الماء قلتين لم يحمل الخبث» كما ورد فى الحديث النبوى الشريف، وأن الحسنة الكبيرة تدرأ السيئة الكبيرة، وسواءً حدث ذلك أم لا فمن حق الأجيال كلها أن تعرف التاريخ مجردا دون إقصاء لأحد.

 الإقصاء فى العقلية المصرية مرض عضال لم ينجح عباقرة التربية فى حل ألغازه ولا علاجه حتى اليوم.

 والغريب فى الأمر أن مبارك نفسه فعل مثل هذا الإقصاء بشكل بشع حينما اختصر نصر أكتوبر فى الضربة الجوية واختصر الأخيرة فى شخصه، مع أن سلاح الطيران معروف عسكريا أنه سلاح إسناد، وخاصة فى البلاد التى لا تملك تفوقا جويا كاسحا.

 بلغ الإقصاء فى عهد مبارك درجة غير مسبوقة حينما حذف صورة الفريق الشاذلى من صورة أكتوبر التذكارية قبيل بداية الحرب، وألغى دور الشاذلى تماما وكأنه يحذف جنديا بسيطا يسهل إلغاء دوره فى المعركة، مع أنه أشهر رئيس أركان حرب فى تاريخ مصر كله، أما الآخرون مثل القادة عبدالمنعم واصل، عبدالمنعم خليل، أحمد إسماعيل وغيرهم فقد تم إقصاؤهم بدرجات أقل من الشاذلى.
وهكذا تدور دورة الإقصاء.

 لو حدث ذلك من غير السفير /أبو الغيط الرجل المهذب لقلنا هذا رجل كان يكره مبارك ولم ينل من خيره أو أضير منه، وإذا كان هذا شأن رجل من رجالات مبارك ومحبيه فى الإقصاء فكيف بغيره.

 أمتنا كلها تقريبا لا تصلح أن تكتب تاريخها لأنها منحازة بدرجة كبيرة وإقصائية بالدرجة القصوى.

 فى جامعة أسيوط اكتشف الموظفون حجرا كبيرا منقوشا عليه كلمات معناها افتتاح الملك فاروق للجامعة مع ثلة من الأعيان ورجال الدولة عام 1951، وضع الحجر بعد ثورة يناير فى مقدمة مبنى إدارة الجامعة، هذا الحجر اختفى منذ الخمسينيات وحتى 2015 أى اختفى 65 عاما.

 كان الموظفون طبعا أو بعضهم يعلم حقيقته التى تناهض أكذوبة روجت أكثر من 65 عاما أن عبدالناصر هو الذى أنشأ الجامعة.

 كل حسنات الملك فاروق من الرواج الاقتصادى والحريات السياسية وتداول السلطة وحرية الصحافة طمست وحلت محلها سيئات، هل نحن بلا عقل أو هل هناك حاكم ليست له حسنة على الإطلاق حتى صور الملك فاروق حذفت من الأفلام القديمة.

 لا نفرق دوما بين الفريق الشاذلى كأعظم القادة العسكريين المصريين وبين الشاذلى السياسى الذى وقع فى أخطاء كارثية، لا نفرق بين حسنات الملك فاروق وسلبياته.

 السادات جاء فأقصى الفريق فوزى الذى كانت له حسنة كبرى فى إعادة تأهيل الجيش المصرى، لم يفرق عهده بين عبقرية وانضباط الفريق فوزى العسكرية وبين محمد فوزى السياسى الذى أدخل نفسه فى منظومة سياسية فاشلة للإطاحة بالسادات.

 الإقصاء مرض فرعونى قديم، الإخوان وأكثر الإسلاميين لا يرون لعبدالناصر حسنة مع أن حسناته أكثر من أن تعد وإن استطاعوا أن يخلعوه من التاريخ لخلعوه، أمتنا أمة الإقصاء فى الماضى والحاضر بل والمستقبل إن استطاعت.

 وعبدالناصر ألغى تماما محمد نجيب رغم مناقبه الكثيرة وشطب قادة الوطنية من قبله مثل سعد زغلول والنحاس وغيرهما.

 الكل يريد أن يبدأ تاريخ مصر والوطنية الحقة من عهده، وكأن مصر كانت بلا رجال قبله، ولن يكون فيها رجال بعده.

 فى أمريكا قد ترى ستة رءوساء على قيد الحياة يفتتحون مكتبة أو يحضرون حفلا، يعيشون قبل الحكم وبعده حياة عادية لا يستترون من الناس ولا يخافونهم لأنهم لم يقصوا أحدا.

 الآن تأتى ذكرى تحرير سيناء فلا يذكر أى أحد من أبطالها فى الحرب ولا فى السلام، مع أن معظمهم على قيد الحياة.

 الاقصاء لا يفيد، ولو أفاد لاستفاد منه مبارك، أقصى الآخرين فأقصى من أخلص خلصائه، وتنكر له أقرب الناس إليه.

 وفى الختام أذكر المعلقين الذين يشحذون الآن لسبى وشتمى أن يتوقفوا لحظة ليتذكروا أننى سجنت فى عهد مبارك، ورغم ذلك لا يحملنى ذلك على طمس حسناته، أو الشماتة فيه لما أصابه، وإننى لا أذكر ذلك إلا إنصافا للحقيقة ورحمة بأنفسنا عن الإقصاء المتبادل.

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved