تسريبات ظريف.. نووية أم رئاسية؟

مواقع عربية
مواقع عربية

آخر تحديث: الثلاثاء 4 مايو 2021 - 7:55 م بتوقيت القاهرة

نشر موقع 180 مقالا للكاتب سميح صعب تناول فيها تسريبات مقابلة أجراها الاقتصادى الإيرانى سعيد ليلاز مع وزير الخارجية الإيرانى جواد ظريف، وانتقاد الأخير لتدخل العسكريين فى الدبلوماسية. إلى جانب محاولات لفهم أسباب نشر هذه التسريبات فى هذا الوقت مع المفاوضات النووية واقتراب الانتخابات الرئاسية فى إيران... نعرض منها ما يلى:

انشغلت إيران فى الأيام الأخيرة بالتسريب الصوتى لوزير الخارجية الإيرانى محمد جواد ظريف الذى انتقد فيه القائد السابق لـ«فيلق القدس» فى الحرس الثورى الجنرال قاسم سليمانى لأنه كان يقدِم «الميدان» على «الديبلوماسية». ومع أن المضمون لا يكشف سوى ما هو معروف عن العلاقة الحذرة بين الرجلين، فإن التوقيت كان العنصر الأبرز فى هذا التسريب.
بينما كان ظريف يتلو سورة الفاتحة فى المكان الذى اغتيل فيه قاسم سليمانى بطائرة أمريكية مسيرة بأمر من الرئيس الأمريكى السابق دونالد ترامب قرب مطار بغداد فى 3 يناير 2020، كان موقع «إيران إنترناشيونال» المعارض الذى يتخذ لندن مقرا له وصحيفة «نيويورك تايمز» الأمريكية ينشران مقاطع من مقابلة أجراها الاقتصادى الإيرانى سعيد ليلاز مع ظريف فى فبراير الماضى، على أساس أن تُحفظ فى الأرشيف الحكومى ولا تُنشر إلا بعد انتهاء ولاية حكومة الرئيس حسن روحانى فى 18 يونيو المقبل.
فى التسريب الصوتى الذى مدته 3 ساعات يتحدث ظريف عن سليمانى ويقول عنه إنه «ضحى بالدبلوماسية من أجل العمليات الميدانية للحرس الثورى». ويضيف أن سليمانى ذهب إلى موسكو عام 2015 من أجل إقناعها بعدم التوقيع على الاتفاق النووى بين إيران ومجموعة دول 5+1. وذهب ظريف أبعد ليقول إن روسيا أيضا كانت ضد الاتفاق لأنها كانت تخشى أن يقود الانفتاح الاقتصادى إلى ذهاب إيران إلى حضن الولايات المتحدة. وطاولت شظايا التسريبات، وزير الخارجية الأمريكى جون كيرى شريك ظريف فى المفاوضات النووية، حيث قال إن الأخير هو الذى أبلغه بشن إسرائيل 200 غارة على مواقع إيرانية فى سوريا.
طبعا، كيرى سارع إلى نفى ما يعتبر إفشاء للأسرار الأمريكية عن نشاط إسرائيل ضد إيران فى سوريا. التسريبات أربكت حكومة الرئيس الإيرانى حسن روحانى فى وقت يخوض نائب وزير الخارجية الإيرانى عباس عراقجى مفاوضات صعبة فى فيينا مع القوى الدولية الأخرى الموقعة على الإتفاق النووى، فى محاولة لإحيائه بعدما ترنح تحت عبء حملة «الضغط الأقصى» الأمريكى التى أطلقها دونالد ترامب عام 2018، والتحرر التدريجى لإيران من الاتفاق وصولا إلى تخصيب اليورانيوم بنسبة 60 فى المائة بعد تفجير نطنز فى أبريل الماضى، أى أقل بـ30 فى المئة فقط من عتبة «التفجير النووى».
ورأى روحانى فى التسريب «مؤامرة» لإجهاض المفاوضات النووية فى فيينا. ودافعت وزارة الخارجية عن «صداقة طويلة الأمد» بين ظريف وسليمانى، وأكدت أن التسريب مجتزأ من أصل سبع ساعات هى مدة المقابلة الأصلية والتى كان الهدف منها «حفظها فى الذاكرة التنظيمية للحكومة ولم يكن من المقرر نشرها». أما ظريف نفسه فقال «دعونا لا نعمل من أجل التاريخ.. دعونا نخشى من الله والناس».
وانتهزت وسائل الإعلام التابعة للتيار المتشدد فى إيران التسريب لشن حملة عنيفة على ظريف وعلى سجله وصولا إلى التذكير بأنه نال شهادة الدكتوراه فى الولايات المتحدة، فى معرض التشكيك بسياساته منذ تسلمه وزارة الخارجية عام 2013، بينما يركز مسلسل تلفزيونى إيرانى يموله المتشددون بعنوان «غاندو» على شخصية جاسوسية فيها الكثير من الإسقاطات على ظريف.
لم يكن الهدف من التسريب فقط التصويب على مفاوضات فيينا التى يعارضها المتشددون وفق ما قال روحانى، وإنما أيضا القضاء على أى احتمال لظريف بالترشح للانتخابات الرئاسية، علما أن الأخير طالما نفى بشدة عزمه على الترشح للانتخابات. ويشى المناخ السائد فى إيران، وقياسا على انتخابات مجلس الشورى فى العام الماضى، أن المتشددين هم فى طريقهم إلى الرئاسة أيضا هذا العام، مستفيدين من جو التعبئة الذى أحدثته العقوبات الأمريكية ضد إيران.
لكن ماذا لو حصل اختراق فى مفاوضات فيينا، وتم التوصل إلى اتفاق على رفع العقوبات الأمريكية مقابل العودة إلى امتثال إيران ببنود الاتفاق؟ ألا ينعش ذلك آمال الإصلاحيين بإمكان وصول شخصية منهم أو على الأقل شخصية من خارج التيار المتشدد إلى الرئاسة؟
تشير التحليلات إلى أنه فى حال التوصل إلى اتفاق فى فيينا، فإن ظريف الديبلوماسى المحترف، قد يغامر بخوض الانتخابات الرئاسية مراهنا على حاصل كبير من الإيرانيين المنهكين من العقوبات.
وهنا يكون التسريب الذى يُظهر ظريف منتقدا لسياسات الحرس الثورى، بمثابة رسالة إلى الإصلاحيين لمساندته فى معركته مع تيار التشدد، برغم أنها لعبة محفوفة بالمخاطر، وفق الصحافى من أصل إيرانى جيسون رضائيان فى صحيفة «الواشنطن بوست»، معتبرا أن الهدف هو «تعزيز صورة ظريف المتردية من خلال إبعاد نفسه عن النظام، مقدمة لترشح محتمل للانتخابات الرئاسية، أو على الأقل، النأى بنفسه عن المحاسبة فى الداخل والخارج».
ويتفق مع هذا الرأى الباحث فى المجلس الأميركيــ الإيرانى سينا طوسى فى مقال نشره فى موقع مجلة «فورين بوليسى» وجاء فيه: «إذا عادت الولايات المتحدة إلى الاتفاق النووى ورفعت العقوبات عن إيران، فإن إرث روحانى الذى تعرض للتدمير قد تتم استعادته بنسبة مقبولة. وأولئك الذين يعتبرون شركاء لروحانى فى الاتفاق، وبينهم ظريف، سيكون لديهم رأسمالا سياسيا أكبر قد يصل إلى درجة الترشح للانتخابات فى حال إحياء الاتفاق».
وبما أن المشهد الانتخابى الإيرانى لم يعد بعيدا، وفى الوقت الذى تلوح بوادر انفراج من فيينا (باكورتها إعلان طهران السبت التفاهم على رفع العقوبات عن عدة قطاعات إيرانية)، فإن كل الاحتمالات تبقى واردة. ويبدأ تسجيل المرشحين للانتخابات فى 11 مايو الجارى، وبعد خمسة أيام يدقق مجلس صيانة الدستور فى الأسماء فى عملية تستغرق حتى 26 مايو، لتبدأ بعدها الحملات الانتخابية. ومن الطبيعى أن تكون فيينا بنتائجها، سلبا أم إيجابا، فى صلب هذه الحملات، استعدادا للانتخابات المقررة.

النص الأصلى

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved