الحد الأدنى للأجور مشكلة بلا حل

صفوت قابل
صفوت قابل

آخر تحديث: الثلاثاء 4 يونيو 2013 - 8:00 ص بتوقيت القاهرة

من الموضوعات التى تشغل الرأى العام دائما موضوع الأجور وخاصة مع تزايد المطالبات بزيادتها بعد الثورة، ويلاحظ أن غالبية الإضرابات والاعتصامات هى بهدف زيادة الأجور، مما يجعل مشكلة الأجور هى نقطة الارتكاز فى مواجهة تردى الأوضاع الاقتصادية، فالأجور هى سبب الإضرابات مما يؤدى إلى نقص الإنتاج ولأن الغالبية لا ترضى عما تحصل عليه من أجر فينعكس ذلك على التهاون والاستهتار بالعمل، والحكومة تتحجج بعجز الميزانية وتتهرب من تحديد الحد الأدنى الذى ترضى عنه الأغلبية ولكنها تضطر إلى القبول بزيادات لبعض الفئات تحت تهديد الإضرابات مما يجعل فئات أخرى تهدد هى الأخرى بالإضراب لتحصل على جزء مما تريده من زيادات، وهكذا تتدهور الأحوال دون مواجهة حاسمة لهذه المشكلة.

 

ومع كل عام مالى يتجدد الحديث عن الأجور ومع ميزانية 2013 / 2014 بشرت الحكومة جموع العاملين بزيادات كبيرة فى الأجر وهى ضم علاوة 30% التى حصلوا عليها فى 2008 إلى أساسى المرتب مما ينعكس على زيادة الحوافز وكذلك علاوة اجتماعية أعلنت عنها الرئاسة 15% ووفقا لتصريحات بعض مسئولى المالية فلم تكن هذه العلاوة فى الحسبان بخلاف العلاوة الدورية، ولكن رغم ذلك لا تجد أحدا راضيا عما يحصل عليه، وذلك لأننا نتعامل فى ظل فوضى الأجور ولا نعرف المنطق فى تحديد الأجر هل على أساس العمل أم الأسعار أم أن ما نحصل عليه مجرد إعانة اجتماعية فى صورة أجر ولماذا تختلف الأجور من عمل لآخر دون أن يرتبط ذلك بالجهد المبذول.

 

ومما يزيد من فوضى الأجور ما أعلنه وزير المالية من البدء فى تطبيق قانون الحد الأدنى والأقصى للأجور بداية من أول مايو 2013 حيث ألزم من يحصلون على الحد الأقصى من موظفى الحكومة والذى يعادل 35 ضعف الحد الأدنى بتقديم إقرار بالراتب وشيك يعيد فيه ما زاد على هذا الحد الأقصى الذى وضعته الدولة، ورغم أن الحكومة تعلن ذلك فى إطار تحقيق مطلب من مطالب ثورة 25 يناير إلا أن هذا القرار يزيد من فوضى الأجور، فسيظل الاختلاف فى الحد الأقصى بين الجهات المختلفة نتيجة للاختلاف فى وضع جداول الأجور بين الجهات المختلفة وهو ما كان يتطلب وضع سقف للحد الأقصى، كما أن هناك العديد من صور الاستثناء مما سيجعل هذا القرار يزيد المشاكل.

 

•••

 

ولأننا سريعو النسيان فعلينا أن نسترجع ما حدث فى الأعوام السابقة لندرك أننا ندور فى حلقة مفرغة لا نعرف كيف نخرج منها، فلقد انشغل الرأى العام بقضية الحد الأدنى للأجر اعتمادا على حكم المحكمة الإدارية بضرورة أن تحدد الحكومة الحد الأدنى للأجور وهو ما فعلته حكومة النظام السابق بتحديده بحوالى 400 جنيه، ثم مع ثورة التطلعات التى نجمت عن ثورة 25 يناير تزايد الحديث والمظاهرات للمطالبة بزيادة الأجور وتثبيت العمالة المؤقتة بغية تحسين وضع الأجور، وهو ما فعله وزير المالية بإعلانه عن تحديد الحد الأدنى للأجر بمبلغ 700 جنيه ويتدرج فى الزيادة حتى يصل إلى 1200 جنيه بعد خمس سنوات.

 

وهناك مشكلة على من يطبق الحد الأدنى للأجر حيث اعترض أصحاب الأعمال وطالب رؤساء المجالس التصديرية بضرورة إعادة النظر فى الحد الأدنى للأجور الذى أعلنته وزارة المالية لمساعدة المصانع على الاستمرار فى العملية الإنتاجية وهناك من يرى أنه لا يمكن تطبيقه على قطاعات مثل الغزل والنسيج والتجزئة حيث يمثل ضغطا على أصحاب الأعمال.

 

وإذا لم يلتزم القطاع الخاص بالحد الأدنى للأجر فإن ذلك سيؤدى إلى المزيد من الفوضى فى سوق العمل ويدفع إلى المزيد من الإضرابات والمظاهرات وسيؤدى إلى المزيد من الضغط للتعيين فى وظيفة حكومية فى وقت تعانى الحكومة من تضخم جهازها الإدارى.

 

دائما وعند المطالبة بزيادة الأجور يكون المبرر ماذا يفعل هذا الأجر بالنسبة لمعيشة أسرة ومن أين يوفر احتياجاته فى ظل الارتفاع المستمر فى الأسعار، وبالطبع فلابد من الأخذ فى الاعتبار العلاقة بين الأجر والأسعار ولكننا نغفل عن الجانب الآخر وهو الأكثر أهمية وهو العلاقة بين الأجر والإنتاجية، أليس الأجر مقابل عمل فهل هناك تحديد واضح لمتطلبات الوظيفة وحجم العمل المطلوب والذى على أساسه يحصل العامل على الأجر، بدون هذا التحديد سيتحول الأجر إلى إعانة وليس مقابل عمل وستزداد البطالة المقنعة وتنهار قيم العمل.

 

•••

 

لا شك أن الأجور من أكثر المشاكل تعقيدا وتؤثر على نوعية وحجم الإنتاج مما يتطلب مواجهة سريعة وواضحة بدلا من إصدار قرارات تزيد المشكلة تعقيدا، فالمطلوب فى المرحلة الأولى محاولة القضاء على الفوارق الكبيرة فى الدخول بين المؤقتين والمثبتين وبين من هم فى أدنى السلم الوظيفى وأعلاه وذلك بتحديد حد أقصى للدخل ويكون واحدا فى كل القطاعات ومن الوفورات التى ستتحقق يمكن زيادة الدخل لأدنى الدرجات دون السماح بأية مخارج جانبية للحصول على عائد أكبر.

 

ثم تأتى المرحلة الثانية والتى يتم فيها إصلاح منظومة الأجور فى المجتمع بحيث يرتبط الأجر بالإنتاجية وهو ما يحتاج إلى إعادة النظر فى الهياكل الإدارية وكيفية تسيير العمل والقضاء على البطالة المقنعة التى تمتلئ بها كل جهات العمل وأن يطبق مبدأ نفس الأجر لنفس العمل، وبالتالى يكون هناك تقبل من العاملين انه لكى يزداد أجرك لابد وأن تعمل بجدية.

 

 

 

أستاذ الاقتصاد ـ جامعة المنوفية

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved