مصر المريضة.. مَنْ يعالجها؟

عماد الدين حسين
عماد الدين حسين

آخر تحديث: السبت 4 يونيو 2016 - 10:50 م بتوقيت القاهرة

قبل اسبوعين قرأت على صفحة انور الهوارى زميلى وابن دفعتى «اعلام صحافة 86» «البوست» التالى:


«فى انتظار الدور، حسب نوع الأشعة المطلوبة منك، الأشعة انواع كتيرة، ومحتاجة فلوس ليست فى طاقة احد، الطرقات كلها متكدسة بالمرضى. تعودنا على الانتظار، اكتشفنا نعمة الاستسلام والتسليم، فلا نضجر، ولا نعترض، كل واحد يكتم ألمه، ويخفى وجعه، نخفيه عمن يرافقنا، أنا شخصيا أذهب وحيدا مفردا، أضن بمن أحب على ان أرهقهم فى هذه المشاوير المملة العابسة. ونخفيه عمن يجاورنا على المقاعد فكل واحد فيه ما يكفيه، بل ونخفيه عن الطبيب نفسه، فهو مشغول بأكل عيشه، يقدم خدمة، ويتقاضى مالا، ليس عليه ان يقدم عاطفة عاجلة، ولا ضمانا بالشفاء اجلا. نحن ــ الآن ــ منا الصامت، ومنا الشارد، ومنا الناعس، ومنا الشاحب، ومنا الساهم الواجم، هذه هى خلاصة صورتنا على الإجمال. ولله الحمد والشكر، حمدا كثيرا، وشكرا يصعد اليه على جناح الرجاء والأمل».


انتهى كلام انور الهوارى الذى اتمنى ان يعجل الله بشفائه ويخفف آلامه وآلام كل مريض.


لا اعرف هل هى صدفة ام حقيقة كاشفة لكن وبعد دقائق قليلة من قراءة ما كتبه انور الهوارى، وقد استأذنته فى نشر ما كتبه على صفحته الخاصة على الفيسبوك، فقد قرأت لزميل صحفى اخر ــ لم أتمكن من الاتصال به للأسف ــ ما يلى:


«عشتُ ما يقربُ من يومين، فى مستشفى جامعة قناة السويس بالإسماعيلية، مع شقيقتى المريضة بالسرطان.. بين الطب والمعالجين، والإدارة والحسابات.. ما رأيتُه تلخيص مُحزن وكارثى للفوضى الضاربة بجذورها فى مصر المريضة بالسرطان، ونموذج فاضح لنهج الإدارة الجديدة فى الاستقواء على مواطنيها، واستغلاله، ونهبه، حتى بتمزيق جيوبه، نموذج للجهل والعشوائية والعنطزة الكذّابة.. رغم أنف الكاتب والطبيب سابقا«خ م» وادّعاءاته الكاذبة عن إعلاء «الإنسانيات» فى طب قناة السويس.. الغرَض مرَض!!». وهذه الحالة الثانية توفاها الله قبل ايام قليلة.


ويوم امس الأول انتشرت على صفحات الفيسبوك القصة التالية التى احاول جاهدا التأكد من دقتها:
«عبدالستار طفل مصرى يتيم الأب، فى الصف الأول الإعدادى، ومؤمن عليه صحيا وفقا للدستور، تعرض لحادث أليم هو واخوه فى الإسكندرية. ذهب إلى جميع المستشفيات الحكومية، لكن دون جدوى، فذهبت به والدته إلى مستشفى «ط.م» ظنا منها انها خيرية. مدير المستشفى استنزف الأم ماليا وحصل منها على حوالى 80 الف جنيه، مما اضطرها إلى بيع منزلها، ثم طلب منها المزيد. فاض الكيل بالأم التى لم تعد تملك شيئا، وطالبت المدير برد اموال مقابل عمليات لم تتم. وكانت المفاجأة ان المدير امر بإخراج الطفل، حيث قام امن المستشفى برميه عاريا بكسوره وعملياته وبقايا دماء. استنجدت الأم بالجميع فلم يسعفها احد.


مرة اخرى لا استطيع ان اجزم بصحة كلام الأم، لأننى لا أتخيل طبيبا او مديرا او أى مواطن سوى يأمر بإلقاء طفل مريض بهذه القسوة ولابد ان نستمع إلى رواية ووجهة نظر مدير المستشفى، لكن الصورة المنتشرة على صفحات التواصل الاجتماعى «تقطع القلب».
ما الذى يربط بين القصص الثلاث التى وقعت عيناى عليها بمحض الصدفة، ومن دون سابق تخطيط؟


الرابط ان قطاع الصحة فى مصر يعيش فى كارثة بكل ما تعنيه الكلمة من معنى، ولا امل فى أى تقدم من دون نهضة الصحة والتعليم، مهما كان حجم المشروعات الكبرى.


رأيت بعينى عشرات المشاهد فى مستشفيات حكومية وجامعية وخاصة، وكلها تكشف عن ان المرض شامل وخبيث للأسف الشديد.


لا استطيع ان ألوم الحكومة وحدها، فهناك تراث طويل وتراكمات عمرها عشرات السنين، واذا كان من الطبيعى ان نلوم الحكومة على تقصيرها فى المستشفيات الحكومية، فكيف نلتمس العذر للمستشفيات الخاصة التى تتقاضى مبالغ مالية ضخمة؟!.
اعرف ان الأمور لن تحل بين يوم وليلة، واعرف ان التركة ثقيلة و«العين بصيرة والإيد قصيرة»، واعرف ايضا ان الحكومة لن تستطيع الوفاء بما تعهدت به فى الدستور من رفع مخصصات الصحة والتعليم. لكن على الأقل تستطيع تطبيق القانون، وإلزام المستشفيات باحترام المرضى ونظافة المكان.. فهل هذا يحتاج مالا ام إرادة؟.

 

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved