الربيع المفترى عليه

فهمي هويدي
فهمي هويدي

آخر تحديث: الأحد 4 يونيو 2017 - 9:00 م بتوقيت القاهرة

حين مالت فى الأسبوع الماضى بناية الإسكندرية ذات الأربعة عشر طابقا، ووسط الفزع الذى أصاب كثيرين جراء ذلك، كتب أحدهم «تغريدة» قال فيها: رخصة البناية صدرت فى عام ٢٠٠٢ بطابقين فقط فوق الأرضى، منهم لله الذين خرجوا فى يناير، خربوا البلد!
أغلب الظن أن التعليق لأحد الظرفاء، إذ أراد أن يوجه إشارة ذكية إلى الأجواء الراهنة التى أصبح اللوم فيها عن أى خطأ أو كارثة يوجه إلى ثورة يناير، التى تمت استباحتها وصار هجاؤها مجانيا وبمقدور أى أحد. فبناية الإسكندرية صدر ترخيصها فى عام ٢٠٠٢، وعلمنا مما نشرته الصحف أن مديرية الإسكان طلبت إزالتها فى عام ٢٠٠٤، بما يعنى أن المخالفة فيها مبكرة، ثم وقعت الواقعة فى عام ٢٠١٧ بعدما ارتفعت إلى ١٤ طابقا ثم مالت وهددت البنايات المجاورة. وصاحبنا الذى كتب التعليق وجه الاتهام إلى ثوار ٢٥ يناير الذين خرجوا عام ٢٠١١، ونسب إليهم ما حل بالبلد من فوضى وخراب، رغم أن البناية أقيمت قبل الثورة بتسع سنوات وطلبت البلدية إزالتها قبل سبع سنوات من الثورة.
سواء أراد الكاتب أن يفضح أو يسفه الذين يسارعون إلى سب ثورة يناير بمناسبة وبغير مناسبة، فالشاهد أن ملاحظته وإن بدت مزحة، تعبر عن ظاهرة سلبية حاصلة فى مصر. بل لها وجودها فى العالم العربى، الذى باتت الفوضى التى حلت به والصراعات والفتن التى شاعت فى أرجائه تلصق بالربيع العربى المفترى عليه، بل إن بعض المسئولين والمعلقين أصبحوا يشيرون إليه بمصطلح «الخراب» العربى، ولأن الموجة شديدة والحملة واسعة فإنها نجحت نسبيا فى تشويه حلم الأمة فى التغيير، بحيث ذاعت الفكرة السلبية وجرى تشويه الوعى، إلى أن استقرت صفة «الخراب» وأصبحت لصيقة بالربيع العربى، حتى بت أخشى أن يصبح الانتماء إليه سبة أو تهمة. إذا استمر الحال كما هو عليه. وثمة مؤشرات دالة على ذلك، منها مثلا ما ذكرته بعض المواقع المستقلة فى مصر عن إلقاء القبض على بعض الشباب خلال الأسابيع الأخيرة. واتهام نفر منهم بأنهم يحاولون «إحياء الروح الثورية» فى المجتمع.
لدى ملاحظتان على هذا الطرح أوجزهما فيما يلى:
<<<< إن مسئولية الربيع العربى عن الخراب الحاصل أكذوبة كبرى روجتها قوى الثورة المضادة التى مازالت تصر على اغتيال الحلم وإزالة آثاره. ذلك أنه من الثابت أن الثورات التى حدثت بدءا من تونس وانطلقت فى مصر وسوريا واليمن كانت كلها سلمية وبعضها ما كان يطمح لأكثر من تحقيق الإصلاح السياسى، لكن العنف انطلق حين تصدت لها الأنظمة وقمعتها بالشبيحة والسلاح، فكان الرد من جنس العمل. وتحولت المطالب السلمية إلى دعوات إلى إسقاط النظم المستبدة. خصوصا أن قوى الثورة المضادة الممثلة فى الأجهزة الأمنية وشبكات المصالح، هى التى تملك القوة المادية والمنابر الإعلامية والسلاح، فى حين أن المواطنين العزل لم يكونوا يملكون سوى حلم التغيير المستند إلى القوة الحقوقية والأخلاقية فقط. وما عاد سرا أن تجليات الربيع تعرضت فى ذات الوقت لحرب شرسة من تحالف الثورة المضادة فى العالم العربى الذى لا يزال حتى هذه اللحظة يسعى جاهدا لملاحقة دعاة التغيير والإصلاح. (الدور الإسرائيلى ليس واضحا بعد).
<<<< الملحوظة الثانية أن الادعاء بانفلات الأوضاع فى النظم الجمهورية واستقرارها فى ظل النظم الملكية، ثبت أنه غير صحيح. لأن الربيع العربى كان له صداه المعلن فى المملكة المغربية، الذى لايزال مستمرا حتى الآن وله شواهده فى منطقة الريف هذه الأيام. وكذلك له صداه غير المعلن والمحسوس فى مختلف أرجاء العالم العربى دون استثناء.
إن الذين يحاولون إقناعنا بأن حلم الناس بالحرية والكرامة والعيش الكريم مؤد إلى الفوضى والخراب وخطيئة ينبغى ألا تتكدر، لا يحاربون قوى التغيير فقط، ولكنهم يحاربون النواميس وسنن الكون الحاكمة للتقدم والرقى. لكن المشكلة أن الحلم الكبير باهظ التكلفة فى حين أن مجتمعاتنا أضعفت وأنهكت بحيث أصبح الثمن المطلوب يفوق طاقتها على الاحتمال.

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved