حوار مفتوح - من يقود الأمة نحو عمل عربى مشترك؟ .. ضرورة الاستفادة من سلبيات وإيجابيات تجارب سابقة

سيد ابو زيد عمر
سيد ابو زيد عمر

آخر تحديث: الجمعة 5 يونيو 2020 - 5:42 م بتوقيت القاهرة

كلمة "الشروق"

في مواجهة التحديات والعقبات التي تمنع انطلاق مرحلة إيجابية جديدة في العمل العربي المشترك، دعت "الشروق" عددا من الكتاب والمفكرين والمتخصصين العرب لإجراء حوار بشأن الشروط التي يجب توافرها في دولة أو ائتلاف عربي، يتولى مهام القيادة في النظام العربي ويتغلب على هذه التحديات. وكان أول من استجاب لدعوتنا المفكر العربي الكبير ووزير التربية والتعليم الأسبق في دولة البحرين الدكتور علي فخرو.
وبطبيعة الحال فإن الآراء المنشورة في سلسلة مقالات "حوار مفتوح - من يقود الأمة نحو عمل عربي مشترك؟" تعبر عن اصحابها فقط وليس عن وجهة نظر "الشروق".
 


أجد لزاما علىّ أن أبدأ بتحية الدكتور على فخرو لاسترعاء انتباهنا إلى محورية موضوع العمل العربى المشترك، وبأنه لا يجب أن يغيب عن أنظارنا مهما ادلهمت الخطوب، فالأمة قد وصلت إلى حالة من التردى، هو القاع والطريق إلى الفشل والضياع بكل المقاييس. وأحييه لالتزامه الحياد فى تحديد البلد المؤهلة والمرشحة لكى تتسلم زمام القيادة، وإن كان قد وضع الخطوط العريضة للتوجهات والمبادئ والسياسات الواجب لهذا البلد تبنيها وتوافرها فيها، وهى خطوط عريضة مبدئية سياسية واقتصادية وثقافية واجتماعية، حرية إن اجتمعت لأدت إلى عمل عربى مشترك رصين، ولكنها فى هذه المرحلة مفتوحة للحوار والنقاش للوصول إلى أسس ثابتة، على أن يكون معروفا أن ديدنها هو المصلحة العربية دون غيرها.
***
ودعنا فى البداية نتفق على أن هناك أسسا ثابتة تجمعنا ولا يمكن أن تقبل المساومة أو الإنكار أو التشكيك، كما يلى:
أولا ــ أننا أعضاء فى مجموعة عربية واضحة ومميزة، محددة المعالم، تربطها وشائج جغرافية وتاريخية وثقافية، وتجمعها منظومة عربية منذ عام 1945 تتمثل فى جامعة الدول العربية، بيت العرب الضرورة، والذى يواجه تحديات من داخله وخارجه لعرقلة مسيرته. فلولا وجود الجامعة فى وقتنا الحاضر لكنا نحاول أن نجلس سويا للعمل على إنشائها. لقد انبثقت الجامعة من خلال لجنة كانت تسمى «لجنة الوحدة العربية» ولكنها أنشئت وقد حملت بكل العراقيل والعقبات التى تثقل كاهلها، وتحاول حتى الآن التخلص منها. ولعل أول خطوات انطلاق العمل الصحيح هو دعم الجامعة العربية وإطلاقها من قيودها، وأن تشعر الدول الأعضاء بالانتماء الكامل إليها، وليس من المقبول بأى حال أن تقوم دولة عضو بإنفاق ما حباها الله من أموال لتدمير وتخريب دول عربية أعضاء بالتعاون مع الدول الخارجية.
ثانيا ــ التعاون بين المجموعة العربية بإخلاص سياسيا وعسكريا واقتصاديا وثقافيا، بتوحيد المواقف السياسية، والاعتماد على شبكة الأمان العربية، والتنسيق فى التسليح وصناعة السلاح التى قطعت فيها الدول العربية شوطا، والتكامل الاقتصادى، والتقارب الثقافى.
ثالثا ــ رفض القواعد العسكرية الأجنبية والأحلاف، فليس من المقبول أن يكون الوجود الأجنبى بكل هذه الكثافة، وأن يسمح له بالتحرك بكل هذا التبجح على الأرض العربية. علما أن هذا الوجود جاء أحيانا نتيجة لتدخل عربى فى الشئون الداخلية العربية، لم يكن يحدث اللجوء إلى الخارج فى بعض الأحوال إلا نتيجة لهذا التدخل أساسا.
رابعا ــ توحيد مواقفنا أمام أحلام وأطماع جيراننا فى الإقليم (إيران ــ تركيا ــ إسرائيل)، وما كانت تنتابها تلك الأطماع وتتدخل فى شئوننا بكل هذه الفظاظة والغلظة إلا لتفرقنا واختلافنا، وما كان لنا أن نفرق بين المذاهب، وكنا مثالا للدعة والتسامح، وما كان لنا أن نسمح بأن يعودوا بنا كل هذه القرون لنتخلف ونختلف، نحن الذى نوقر ونبجل الجميع. لقد تغولت وتنمرت تركيا توهما منها أنها تعيد الخلافة العثمانية وتتعاون مع كل الميليشيات الإرهابية والمرتزقة فى سبيل تحقيق هذا الهدف. وتجد إسرائيل الظروف الحالية دوليا ومحليا الفرصة المواتية للتوسع وتحقيق أحلامها، وليس أمامنا سوى أن نتخندق مصرين على رفض المشاريع الاستعمارية، وأن يكون واضحا بأن مشروع السلام العربى وحل الدولتين مطروح أمامها منذ عام 2002.
***
الحقبة الناصرية هى أقرب النماذج نحو محاولة تشكيل موقف عربى موحد حققت خلالها انتصارات مدوية جمعت حولها قلوب الملايين، وقامت بخطوات عملاقة فى مجال البناء والتنمية، واختطت سياسة خارجية تتميز بالاستقلالية وبخاصة من خلال حركة عدم الانحياز ومجموعة الـ 77، وقد وقعت فى بعض الأخطاء وتكتلت ضدها كل القوى الاستعمارية والرجعية بحيث استطاعت توجيه ضربة عسكرية كان الهدف منها الإطاحة بالزعامة المصرية المتفردة، ورغم ذلك تمسك الشعب العربى بها لكى تعيد بناء الجيش مقدمة لنصر أكتوبر، وقد وصف كاتب المقال ــ الدكتور على فخرو ــ هذه الفترة «بأنها كانت محاولة لها وعليها، ومن يريد أن يعاود الكرة عليه أن يدرس بتمعن وموضوعية والتزام قومى صادق تلك التجربة، أنها مليئة بالدروس والعبر. فى المرة القادمة يجب أن تقل الأخطاء وتعلو الإرادة إلى عنان السماء».
لقد أغنانى الكاتب بالإشارة إلى تجربة الخمسينيات والستينيات، فقد خشيت أن أتحدث عنها خشية من تهمة الشوفونية، فهى تجربة عربية زاخرة بالدروس تستحق أن تدرس بكل إمعان، لا لغرض نسخها، وإنما لاستقاء كل الدروس بما فيها الدروس السلبية لتجنبها. أو لإيجاد التفسير الصحيح لها، ولا يعنى هذا الاقتصار على دراسة هذه التجربة، إنما أن تشمل الدراسة كل ما مر بالأمة من تجارب، ذلك أن هدفنا فى الأساس يتمحور حول أن نستفيد من الماضى ودروسه وعبره.
وفى عصرنا الحالى فإن القيادة المصرية الحالية تستحق المتابعة، فى وطنيتها الدافقة وتركيزها على البناء، وما أشبه الليلة بالبارحة فى كثرة السهام الموجهة إلى مصر من كل الاتجاهات لإيقاف مسيرتها، الأمر الذى يستحق الدعم والمساندة من كل الوطنيين والشرفاء.
ونقول فى الختام أنه قد حان الوقت أن تنهض الأمة من عثرتها، وأن الحوار والدراسة خطوة إلى الأمام، وليس بالضرورة أن تتحرك الأمة فى قفزات، وإنما تدريجيا على الطريق الصحيح ونحو الأهداف الصائبة. وليس بالضرورة أيضا أن تكون القيادة متمثلة فى دولة واحدة أو اثنتين أو أكثر، فالقيادة فى نهاية الأمر تكليف ومسئولية وأعباء جسام. ولن تموت هذه الأمة أو تخمد أو تجمد طالما فيها من يؤمن بقدراتها ومستقبلها.

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved