الشعب الفلسطينى وإسرائيل وتعقيدات ما بعد وقف القتال

رخا أحمد حسن
رخا أحمد حسن

آخر تحديث: الجمعة 4 يونيو 2021 - 8:35 م بتوقيت القاهرة

احتفل الشعب الفلسطينى بالنصر بعد معركة بينه وإسرائيل على مدى 11 يوما قبل وقف القتال، واعتبر أنه حقق مكاسب عديدة مقابل خسائر كثيرة على الجانب الإسرائيلى. واعتبر نتنياهو، رئيس وزراء إسرائيل، أنهم حققوا أهدافهم من الهجمات الجوية وبالمدفعية المكثفة على قطاع غزة وأنهم نجحوا فى تدمير معظم الأنفاق التى تخبئ فيها حماس صواريخها وأسلحتها، وأنهم قتلوا نحو 61 من قيادات حماس. ويرى خبراء إسرائيل أنه لا يجب أن يحتفل أى من الطرفين، إسرائيل والشعب الفلسطينى، بالنصر، لأن هذه الحرب التى امتدت من 10 إلى 21 مايو2021 أدت إلى خسائر على الجانبين وزادت الموقف ديناميكية وتسريعا فى التطورات.

وتتهم إسرائيل حماس بأنها هى التى بدأت إطلاق الصواريخ على إسرائيل دون أن تضع فى اعتبارها رد إسرائيل العقابى الحاسم عليها. بينما يرى الشعب الفلسطينى ومعه كثير من المراقبين الدوليين أن ما قامت به إسرائيل فى القدس سواء فى حى «الشيخ جراح»، أو فى حى «بطن الهوى» ببلدة «سلوان» من ترحيل قسرى للشعب الفلسطينى من مساكنه بادعاء أن المكان ملكية قديمة لليهود الإسرائيليين، واستخدام العنف منذ أواخر شهر أبريل 2021 لتنفيذ الإجلاء القسرى الذى اعتبرته كثير من المنظمات الحقوقية أنه ينمّ عن تفرقة عنصرية وانتهاك صارخ لحقوق الشعب الفلسطينى، والممارسات القمعية القسرية من جانب سلطات الاحتلال الإسرائيلية وغيرها من الممارسات المماثلة فى الضفة الغربية واستمرار حصار غزة، وكذلك عدم رد إسرائيل على طلب السلطة الفلسطينية والاتحاد الأوروبى بشأن الموافقة على إجراء الانتخابات الفلسطينية فى القدس، وهو الأمر الذى أدى إلى تأجيل الانتخابات، كل ذلك استفز حماس ودفعها إلى التصدى لهذه العجرفة والتعنت الإسرائيلى بإطلاق صواريخ تجاه إسرائيل تحت مسمى «سيف القدس» للضغط عليها لوقف الترحيل القسرى للعائلات الفلسطينية فى حى الشيخ جراح، وسلوان.

وقد أكد قادة حماس أن إسرائيل برغم ما أحدثته من دمار فى الأحياء السكنية فى غزة وادعاءها بتدمير معظم أنفاق وأسلحة حماس، فإنها لم تصب أكثر من 5 بالمائة منها، وأن لدى حماس نحو 500 كيلو متر من الأنفاق، ولديها من الصواريخ ما يكفى لتكبيد إسرائيل خسائر فادحة إن هى كررت الاعتداء على القدس أو غزة.

ويلاحظ أن الحرب بين إسرائيل والفلسطينيين هذه المرة قد دفعت بالقضية الفلسطينية إلى مقدمة الأخبار والاهتمام الإقليمى والدولى بعد أن تراجعت بشدة على مدى السنوات الماضية. ومن العوامل التى شدت انتباه العالم أنه رغم عدم التكافؤ الشاسع للغاية بين قوات الاحتلال الإسرائيلى وما لديها من أحدث الأسلحة والتى تصنف بأنها واحدة من أقوى الجيوش فى المنطقة وفى العالم وبين حماس، لم تستطع إسرائيل بما لديها من قبة حديدية من الصواريخ. 

أن تتصدى كلية لرشقات الصواريخ البدائية التى أطلقتها المنظمات الفلسطينية على الأراضى الإسرائيلية والتى غطت عدة مدن إسرائيلية بما فيها تل أبيب وأدت إلى إغلاق مطار بن جوريون الدولى، ووقف معظم الشركات الأمريكية والعالمية طيرانها إلى إسرائيل، وإغلاق المحلات والشركات وتوقف العمل فى عدة مستوطنات إسرائيلية، ولجوء آلاف الإسرائيليين والإسرائيليات إلى المخابئ هربا من احتمالات إصابتهم بالصواريخ الفلسطينية. وللمرة الأولى ينتاب الشعب الإسرائيلى شعور قوى بعدم الأمان، ووجهوا عدة اتهامات بالتقصير للقوات المسلحة والمخابرات العسكرية والمخابرات العامة الإسرائيلية لعدم معرفتها بما لدى المنظمات الفلسطينية فى غزة، خاصة حماس، من أسلحة وصواريخ. ومن ناحية أخرى وجهت انتقادات شديدة إلى رئيس الوزراء نتنياهو واتهامه بأنه كان يعلم بما لدى حماس من صواريخ وأسلحة وأن المخابرات الإسرائيلية أطلعته على تقارير بذلك، ولكنه أراد استخدام هذه الحرب لصالحه، من أجل تمكينه من تشكيل الحكومة الإسرائيلية الجديدة. ولكن هذا الاتهام يحمل شبهة الدفاع عن الجيش والمخابرات الإسرائيلية. 

***

لعل من الأمور التى أثارت القلق لدى إسرائيل، بل وأيضا لدى مؤيدى إسرائيل، هو حالة الوحدة التى تجلت بين كل الشعب الفلسطينى؛ فى غزة، والضفة الغربية، وداخل الخط الأخضر فى إسرائيل ذاتها، وفى المهجر.. وحدوث اشتباكات عنيفة بين الفلسطينيين داخل إسرائيل والإسرائيليين على خلفية التضامن بين كل الشعب الفلسطينى من ناحية، وممارسة الاحتلال الإسرائيلى عدة أشكال من التمييز العنصرى ضده، وعدم حصول الفلسطينيات والفلسطينيين فى المناطق التى يمثلون فيها أغلبية على نفس الخدمات والرعاية الأمنية التى يتلقاها الشعب الإسرائيلى. وقد أقلق هذا الانقسام رئيس دولة إسرائيل الذى حذر من حدوث حرب أهلية داخل إسرائيل. ولعل ذلك ما قد يفسر ما ذهب إليه قادة أوروبا والرئيس الأمريكى بايدن بتأكيدهم أن من حق إسرائيل الدفاع عن نفسها، لدرجة أن مستشار النمسا رفع علم إسرائيل إلى جانب علم بلده على مبنى المستشارية النمساوية تضامنا مع إسرائيل، وهى دولة الاحتلال وفرض الحصار والعدوان على الشعب الفلسطينى.

وقد لقى الشعب الفلسطينى تعاطفا قويا تمثل فى قيام العديد من المظاهرات المؤيدة لهم والمنددة بإسرائيل، ليس فقط فى الدول الآسيوية واللاتينية، بل فى كل العواصم الأوروبية والولايات المتحدة الأمريكية التى انضم فيها جماعات «حياة السود مهمة» وجماعات «حماية حقوق الآسيويين» إلى مؤيدى ومؤيدات الشعب الفلسطينى ونظموا مظاهرات فى واشنطن وعدة ولايات أخرى. هذا إلى جانب الجناح الليبرالى فى الحزب الديمقراطى الأمريكى تحت زعامة بيرنى ساندرز وآخرين من قيادات الحزب الذين طالبوا الرئيس بايدن بالعمل على وقف الاعتداءات الإسرائيلية على الشعب الفلسطينى ووقف إطلاق النار، والعمل على إعطائه حقوقه عن طريق حل الدولتين. وكان من الرئيس بايدن أن أعلن أن من حق إسرائيل الدفاع عن نفسها، وأنه يتعين وقف إطلاق النار، وأنه لا حل إلا حل الدولتين. وأجرى سلسلة من الاتصالات برئيس وزراء إسرائيل نتنياهو، والرئيس السيسى وآخرين من أجل العمل على وقف إطلاق النار. وأوفد وزير الخارجية أنتونى بلينكن فى مهمة عاجلة وقصيرة إلى كل من إسرائيل وفلسطين ومصر والأردن، وكان بلينكن واضحا أن مهمته لها أهداف محددة وهى طمأنة إسرائيل بأن الولايات المتحدة تدعم أمنها وحقها فى الدفاع عن نفسها، وطمأنتها إزاء الملف النووى الإيرانى، وتثبيت وقف إطلاق النار بما يضمن عدم تكرار هذه الاشتباكات بين حماس وإسرائيل، وبحث إعادة إعمار غزة بما لا يخدم حماس أو يؤدى إلى تقويتها، وإعادة دعم العلاقات مع السلطة الفلسطينية.

وأعلن بلينكن عن إعادة فتح القنصلية الأمريكية فى القدس الشرقية الذى رحبت به السلطة الفلسطينية على أساس أنه تعبير عن أن القدس الشرقية أرض محتلة وليست كما كان يرى ترامب أنها جزء من عاصمة إسرائيل الموحدة. وقد اعترضت إسرائيل على هذا القرار، وهذا ما دعا بلينكن أن يوضح للملك عبدالله الثانى فى عمان أن افتتاح القنصلية يحتاج بعض الوقت. وأعلن بلينكن عن تقديم 75 مليون دولار أمريكى مساهمة فى إعادة إعمار غزة بعد موافقة الكونجرس الأمريكى، وكان الكونجرس قد أصدر قرارا بعدم تقديم مساعدات للسلطة الفلسطينية طالما أنها تصرف مساعدات لأسر الشهداء والأسرى لأنه يعتبرهم قتلة. وقدم بلينكن الشكر والتقدير لمصر على اضطلاعها بدور مهم بالتعاون مع الولايات المتحدة وآخرين من أجل وقف القتال، والعمل على تثبيت وقف إطلاق النار.

***

تواجه جهود التوصل إلى اتفاق لتثبت وقف إطلاق النار وعملية إعادة الإعمار بعض الصعوبات حتى الآن إزاء مطالب إسرائيل؛ بأن تكون عملية إعادة الإعمار وتحويل أية أموال أو مساعدات إلى غزة عن طريق السلطة الفلسطينية أو لجنة بحيث تضمن عدم ذهابها إلى حماس التى قد تستخدمها فى التسليح أو صناعة الأسلحة، وفرض رقابة مشددة على جميع المعابر إلى غزة، وتبادل الأسرى الإسرائيليين والمفقودين لدى حماس.. وهو ما لا تقبله حماس حتى الآن وترى أن إسرائيل تسعى لإحكام الحصار على غزة وليس تثبيت وقف إطلاق النار وإعادة الإعمار. واقترحت مصر عقد مباحثات غير مباشرة بين إسرائيل وحماس والسلطة الفلسطينية فى القاهرة ودعت وزير خارجية إسرائيل الذى جاء فى زيارة سريعة للقاهرة، كما دعت اسماعيل هنية رئيس المكتب السياسى لحماس والمقيم فى قطر، وقدم اللواء عباس كامل اقتراحا للرئيس محمود عباس بعقد اجتماع فى القاهرة لهؤلاء الفصائل الفلسطينية، وذلك لإنجاز اتفاق إسرائيلى فلسطينى لتثبيت وقف إطلاق النار، وترتيبات إعادة إعمار غزة.

ومن ناحية أخرى أصدر مجلس حقوق الإنسان للأمم المتحدة قرارا بتشكيل لجنة دولية مستقلة للتحقيق فى انتهاكات القانون الإنسانى والقانون الدولى فى الأراضى الفلسطينية خلال الصراع الأخير بين إسرائيل وحركة حماس، على أن يشمل التحقيق الجانبين. وقد رحب الجانب الفلسطينى بالقرار، بينما رفضته إسرائيل ونددت به وكأنها تدين نفسها مسبقا. وقد اعتبرت ميشيل باشيلية المفوضة السامية لحقوق الإنسان أن الضربات الإسرائيلية على غزة قد تشكل جرائم حرب. كما أعلنت المحكمة الجنائية الدولية أنها تابعت الموقف وما أحدثته إسرائيل من قتل ودمار فى غزة وتعمل على توثيقه. 

ومن ثم يتضح أن الأولوية لتثبيت وقف إطلاق النار والاتفاق على ترتيبات إعادة إعمار غزة وتبادل الأسرى والمفقودين وما يحيطها من شروط وتعقيدات. وأما ما حمله وزير الخارجية الأمريكى من وعود بشأن فتح القنصلية الأمريكية فى القدس الشرقية، والمساهمة فى إعادة الإعمار، وإعادة فتح مكتب منظمة التحرير الفلسطينية فى واشنطن، والعمل على إطلاق مسار عملية السلام لإنجاز حل الدولتين، فهى وعود مؤجلة بدرجات وتوقيتات متفاوتة خاصة إطلاق مسار عملية السلام وارتباطها بتشكيل حكومة إسرائيلية جديدة أو الذهاب إلى انتخابات خامسة فى مدى سنتين فقط، وتشكيل حكومة وحدة وطنية فلسطينية من كل الفصائل الفلسطينية أو استمرار الخلافات الفلسطينية إلى أن تجرى الانتخابات التى لا يعرف لها موعدا حتى الآن. إن الموقف لا يزال بالغ التعقيد ومليء بالألغامِ. 

 

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved