تحرير النيل

خالد سيد أحمد
خالد سيد أحمد

آخر تحديث: الجمعة 4 يونيو 2021 - 8:40 م بتوقيت القاهرة

الحديث المتداول عن فشل إثيوبيا فى إتمام عملية التعلية المطلوبة للملء الثانى لسد النهضة، لا ينبغى أن يصرف اهتمامنا عن الجاهزية المطلوبة دائما، لكى «يهرع كل جنود الفرعون لتحرير النيل مما يقيد جريانه».

العبارة الأخيرة المنقوشة منذ القدم على جدران المعابد الفرعونية، يجب أن تظل حاضرة وبقوة على الطاولة، وفى ذهن وعقل وقلب صانع القرار فى مصر، وألا تغيب عن المشهد أبدا عند البحث الجاد عن سيناريوهات التعامل مع أديس أبابا، التى تحاول فى كل يوم تغيير الحقائق على الأرض، والافتئات على الحقوق التاريخية لمصر فى نهر النيل.

نعلم تمام العلم أن الدولة المصرية ليست من هواة إشعال الحرائق أو الدخول فى مواجهات ومغامرات عسكرية هنا وهناك، فالحرب من وجهة نظرها ليست نزهة على الإطلاق، وتكلفتها المادية باهظة جدا، والتداعيات الناجمة عنها خطيرة للغاية، وقد تمتد تأثيراتها السياسية والاقتصادية إلى عشرات السنين، لكنها فى الوقت ذاته، تؤمن إيمانا لا يتزعزع بأنها «خيار الضرورة» الوحيد، حال أصر أى طرف على تجاوز الخطوط الحمراء، والاعتداء على حدودنا أو تهديد وجودنا وأمننا القومى، أو المس بحقوقنا المشروعة أو تغيير الاتفاقات التاريخية التى تحفظ حصتنا فى مياه النيل.

يجب أن يظل هذا الخيار على الطاولة، خصوصا وأن السلوك الإثيوبى يتسم بقدر هائل من الاستفزاز والتحدى للدولة المصرية، وهو ما لاحظناه خلال سنوات التفاوض العشر الأخيرة، وكذلك ما شاهدناه بكل وضوح الأسبوع الماضى، حينما قال رئيس الوزراء الإثيوبى إن «بلاده سوف تبنى 100 سد صغير ومتوسط الحجم فى مناطق متفرقة خلال السنة المالية المقبلة». وأضاف أن «بناء هذه السدود هو السبيل الوحيد لمقاومة أى قوى معارضة لإثيوبيا»، وفقا لوكالة الأنباء الرسمية الإثيوبية. وأشار إلى أن هذه المشروعات المائية سوف «تنعكس إيجابا على الإنتاج الزراعى» فى البلاد.

الخطير فى هذه التصريحات المستفزة والعدائية، أنها تكشف عن نية إثيوبيا الحقيقية فى التعامل مع مياه نهر النيل، والاتجاه إلى استخدامها فى قطاع الزراعة، وبالتالى فإن هذا التوجه سوف يؤثر بالطبع على حقوق دولتى المصب فى مياه النيل، بعكس إنتاج الطاقة الكهربائية التى لن يكون لها نفس التأثير على الحصص المائية لمصر والسودان.

الخارجية المصرية ردت سريعا على هذا الكلام، وأكدت على لسان المتحدث باسمها السفير أحمد حافظ، أن هذه التصريحات «تكشف مجددا عن سوء نية إثيوبيا وتعاملها مع نهر النيل وغيره من الأنهار الدولية التى تتشاركها مع دول الجوار وكأنها أنهار داخلية تخضع لسيادتها ومُسَخرة لخدمة مصالحها»، مشيرا إلى أن تصريحات رئيس الوزراء الإثيوبى ما هى إلا استمرار للنهج الإثيوبى «المؤسف الذى يضرب عرض الحائط بقواعد القانون الدولى واجبة التطبيق والتى تنظم الانتفاع من الأنهار الدولية والتى تفرض على إثيوبيا احترام حقوق الدول الأخرى».

هذا الرد الدبلوماسى الهادئ والمتزن، لا يبدو أنه أصبح صالحا للتعامل مع إثيوبيا، التى استغلت إقرار مصر بحقها فى إقامة مشروعات مائية واستغلال موارد نهر النيل من أجل تحقيق التنمية لشعبها أسوأ استغلال، وتخيلت أنه «شيك على بياض» لها لتفعل ما تشاء، وتحول هذا النهر الدولى العظيم إلى بحيرة داخلية، والتعبير بصراحة وعلنا عن رغبتها فى بيع المياه للآخرين، رغم أن جوهر الإقرار المصرى، هو أن تقام هذه المشروعات والمنشآت المائية بعد التنسيق والتشاور والاتفاق مع الدول التى قد تتأثر بها خصوصا دولتى المصب.

مرة أخرى يجب أن يكون خيار القوة حاضرا وبقوة على الطاولة، وأن يكون «كل جنود الفرعون جاهزون لتحرير النيل مما يقيد جريانه»، وهذا الأمر ليس تهديدا لإثيوبيا، وإنما حماية لحقوق مصر التاريخية فى النهر تكفله قواعد القانون الدولى، ووسيلة لمنع أى دولة من الجور عليها لأنها تتعلق بوجود الشعب المصرى.

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved