ثقافة الشركات العملاقة

محمد زهران
محمد زهران

آخر تحديث: السبت 4 يونيو 2022 - 7:35 م بتوقيت القاهرة

فى عام 1993 كانت شركة أى بى إم تواجه واحدة من أكبر المشكلات فى تاريخها (بخلاف ما يحدث الآن) وكانت هذه المشكلة تهدد الشركة بالإفلاس واحتمال تقسيمها لعدة شركات صغيرة، وقد تم إنقاذها بطريقة غريبة، فى ذاك العام وفى محاولة لإنقاذ الشركة تم تعيين لويس جرتسنر كرئيس تنفيذى للشركة، ولويس هذا لم يكن يعلم شيئا عن أجهزة الكمبيوتر حين تم تعيينه باعترافه هو شخصيا، قبل عام 1993 كان لويس جرتسنر مديرا تنفيذيا لشركة نابيسكو وهى شركة للبسكويت، وقد أثار تعيين لويس سخرية بعض المديرين التنفيذيين فى شركات أخرى، لكن الغريب فى الأمر أن جرتسنر هو من أنقذ الشركة من الإفلاس وعندما ترك منصبه سنة 2001 كانت الحالة المالية للشركة أفضل كثيرا حتى أنه أصدر كتابا يحكى فيه تجربته بعنوان (Who Said Elephants Cannot Dance?) أو «من قال إن الأفيال لا تستطيع الرقص؟» إشارة إلى أن الشركة كانت ترهلت ولا تملك حرية الحركة برشاقة لكنه أنقذها.
القصة لا تنتهى هنا لأن الشركة قد تم إنقاذها ماليا وتدميرها ثقافيا حتى أن أحد العاملين فى الشركة لمدة ثلاثة عقود نشر كتابا ردا على كتاب لويس جرتسنر بعنوان «نظرة أدنى من الفيل الراقص» أو
(A View from Beneath the Dancing Elephant) يشرح فيه كيف أن الشركة قد فقدت ثقافتها التى تم بناؤها على مدى قرن من الزمان، مقالنا اليوم عن هذه النقطة تحديدا فى الشركات العملاقة: ما هى ثقافة الشركة وكيف تؤثر على أداء العاملين فيها وعلى أداء الشركة ككل؟
أى شركة كبيرة أو تطمح لأن تكون كبيرة لها رؤية ولها هدف، الإدارة هى فن تحقيق الرؤية والوصول للهدف، إحدى وسائل الإدارة بل وقد تكون أهمها هى بناء ثقافة (culture) للشركة وهى ببساطة أخلاقيات العمل فى تلك الشركة وتعاملها مع عملائها ومنافسيها وتعامل موظفيها مع بعضهم البعض. هذه الثقافة إما أن يضعها مؤسس الشركة وتبدأ مع الموظفين الأوائل وتنتشر كما حدث مع أى بى إم عندما وضع مؤسسها توماس واطسون الأب ثقافة تقوم على الاحترام والتفكير الإبداعى والولاء. ثقافة الشركة قد تُبنى أيضا مع الوقت وقد تتغير ثقافة الشركة مع الوقت والتحديات.
النقطة الأساسية فى مقالنا اليوم أن أغلب الشركات العملاقة أصبحت ثقافتها تعتمد على المكسب فقط حتى وإن تنكرت هذه الثقافة خلف شعار براق مثل «تغيير العالم إلى الأفضل». يجب أن نكون واقعيين ونسلم بأن أية شركة لن تصمد ما لم يكن المكسب أحد أهدافها لكن لو كان هو الهدف الوحيد الذى يهيمن على ثقافتها فهذه هى المشكلة.
شركة آبل فى عهد ستيف جوبز كانت تكسب واحتلت قلوب وملايين الناس بالايبود والايباد والايفون لكن كانت ثقافتها تدور حول التصميم الجذاب والاهتمام بالتفاصيل. بعد ستيف جوبز واعتلاء تيم كوك عرش الشركة كمدير تنفيذى تعدت قيمة شركة آبل التريليون دولار وبلغت أرباحها عنان السماء وذلك لأن تيم كوك غيّر فى ثقافة الشركة وجعل أهم عامل هو هامش الربح وهو ما جعل شخص مثل جونى ايف عبقرى التصميم الذى صمم أغلب منتجات الشركة فى العشرين سنة الأخيرة يترك الشركة سنة 2019 بعد أن أمضى بها أكثر من ثلاثين عاما وكان الرجل الثانى بعد ستيف جوبز، التحليل الدقيق لما حدث فى تغيير ثقافة شركة آبل نجده فى كتاب نُشر منذ أقل من شهر من تأليف المحرر التكنولوجى للنيويورك تايمز تريب ميكل بعنوان «ما بعد ستيف: كيف أصبحت آبل شركة قيمتها تريليون دولار وفقدت روحها» أو (After Steve: How Apple Became a TrillionــDollar Company and Lost Its Soul).
قد يقول قائل وما العيب فى ذلك طالما الشركة تكسب الكثير؟ العيب أن هذا المكسب قصير العمر لأن ثقافة الشركة هى وقود الإبداع وحائط الصد أما أية مشكلة قد تظهر، وبدون الإبداع سيقل بريق منتجات تلك الشركة مع الوقت وسيتركها أكثر من يعملون بها إبداعا لأن هناك القليلين من يمكنهم الاكتفاء بالمال عن الابداع، لاحظ أننا نتكلم عن الشركات العملاقة التى يعمل بها الكثير من الأثرياء وليس عمن يعملون من أجل فقط الحصول على قوت يومهم. عندما تسود ثقافة الربح فقط ستسقط الشركة أمام أول منافس له ثقافة أكثر ثراء مثلما رأينا ما حدث فى العقدين السابقين من التنافس بين أى بى إم وشركات جديدة ناشئة وقتها مثل فيسبوك وجوجل.
من أهم مقومات النجاح فى عصرنا الحالى إنشاء ثقافة ثرية فى الشركة لها مقومات عديدة أحدها فقط هو الربح.

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved