لن يأتوا أبدًا لا قبل الثورة ولا بعدها

أميمة كمال
أميمة كمال

آخر تحديث: الإثنين 4 يوليه 2011 - 9:03 ص بتوقيت القاهرة

الشاب أحمد الذى تنطق ملامحه بأنه جاء من الصعيد الجوانى.. مراكبى يقف على مشارف العشرين من العمر، قابلته فى إحدى المدن الساحلية التى يشكو أهلها من انقطاع الرزق بسبب نقص السياح «الأغنياء». قال لى وكأنه يحادث نفسه، وهو سارح فى ملكوت الله على فكرة الثورة بتاعتكم لم تنجح حتى الآن. لم أعلق على «بتاعتكم» وسألته ومتى تعلن أنت عن نجاحها؟. بمنتهى الثقة أجاب عندما أرى فى هذا المنتجع السياحى حلاقا، أو سواق تاكسى، أو نجارا مصريا مثلما رأيت كل هؤلاء وهم قادمون من أوروبا، وروسيا، وأمريكا. لما انخفضت أسعار الفنادق هنا بعد الأزمة أتت بمثل هؤلاء للسياحة فى مصر. وكم تمنيت وأنا أبحر معهم أن يأتى أمثالهم من المصريين إلى هنا. ولكنهم لن يأتوا أبدا، لا قبل الثورة ولا بعدها. قالها أحمد ونظر بوجهه بعيدا، إيذانا بأن الحوار بيننا قد انتهى، وواثقا من أنه انتصر علىَّ.

كان حديث أحمد صادما لى، فكيف استطاع وهو الذى لم يشارك فى الثورة أن يقفز بسقف أحلامه لهذا الحد الذى يطمح فيه أن يكون من حق المصريين من تلك العينة التى مازالت تترجى من الحكومة، بعد الله، أن تحفظ لها دعم رغيف العيش، وأنبوبة البوتاجاز، وزجاجة الزيت، وتذكرة الأتوبيس الأحمر، أن يقضوا أياما من عمرهم وسط منتجعات أولاد الناس التانية؟.

يحلم الشاب الصعيدى بذلك للمصريين من العينة إياها، بينما يتواضع حلمى أنا لحد أن كل ما أطمح فيه الآن أن يتراجع د. سمير رضوان وزير المالية عن قراره ببدء إجراءات التقشف فى الموازنة الجديدة من جيوب أصحاب المعاشات الخاوية. فعندما قرر المجلس العسكرى ألا يتم الاعتماد على الاقتراض من صندوق النقد والبنك الدوليين لسد العجز فى الموازنة حتى لا نخضع لشروط تمس السيادة، بدأت الحكومة تبحث عن سبل لتخفيض العجز فى الموازنة إلى 8.6%.

وربما سيأتى اليوم الذى نسأل فيه وزير المالية الحالى عن تصريحاته التى أقسم فيها على أن الاقتراض من صندوق النقد ليس له أية شروط لا اقتصادية ولا سياسية؟. وسنسأله أيضا لماذا قبل إذن ما أمر به المجلس العسكرى من رفض قرضى الصندوق والبنك؟. ولكن أوان الأسئلة لم يحن بعد.

الدكتور رضوان، ووافقته الحكومة على ذلك، بدأ يبحث فى الموازنة عن بنود للانفاق يستطيع الاقتطاع منها، بعد أن جرب من قبل الاقتراب من زيادة الإيرادات الضريبية عن طريق فرض ضريبة على الكوبوبات التى يتم توزيعها على المستثمرين فى البورصة، وتلقى درسا قاسيا من رجال الأعمال. مما جعله لم يجرؤ ولن، لا هو ولا غيره على الاقتراب من هؤلاء مرة أخرى. هذا ليس تخمينا ولكن جاء فى اعتراف رسمى كتب فى الموازنة. فقد غاب فى سياق الحديث عن «الإجراءات التى يتعين اتخاذها فى الأجل المتوسط» للوصول بنسبة العجز فى الموازنة إلى 4% أى حديث عن فرض ضرائب على الأرباح الرأسمالية أو أى أرباح أخرى تتعلق بالبورصة. بالرغم من أن كل المعارضين لهذه الضريبة كانوا يقولون إن توقيتها غير مناسب. وإنه يمكن الأخذ بها بعد تحسن أحوال البورصة. ولكن يبدو أن الخمس سنوات المقبلة (وهو الأجل المتوسط المقصود فى الموازنة) غير كاف لكى تشم البورصة فيها أنفاسها بما يسمح بفرض تلك الضريبة. ولكن السنوات الخمس ذاتها سوف تسمح بزيادة الضرائب مرة أخرى على السجاير لكى تصل إلى الأسعار العالمية لها حسب ما تبشرنا به الموازنة الجديدة.

ولكن مادام وزير المالية جرب الاقتراب من هؤلاء، المسنودة ظهورهم، فباءت محاولته بالفشل، فلماذا لا يجرب هؤلاء الذين لا ظهر لهم؟. وقد كان.. فقد تم تقليص 3.2 مليار جنيه كانت مخصصة لزيادة الحد الأدنى للمعاشات، ولرفع المعاشات المنخفضة. وهذا الرقم الذى سيحرم منه أصحاب الظهور المحنية بحكم السن، وبفعل القهر، هو ذاته نفس الرقم الذى كان مقررا للضريبة على أرباح البورصة فى الموازنة قبل تعديلها (3.2 مليار جنيه) إلا أنه تم إلغاء هذه الضريبة بفعل فاعل قاهر وظالم.

ولكن لكى نعرف كيف كان هذا الفاعل ظالما وقاهرا، لابد أن نعرف أن هذه المليارات، التى رفض هؤلاء الفاعلون دفعها، كانت كفيلة برفع الحد الأدنى للمعاش إلى 300 جنيه، ورفع معاش السادات إلى 200 جنيه، إلى جانب رفع جميع المعاشات التى تقل عن 800 جنيه. وبدون هذه المليارات سيظل الحد الأدنى للمعاشات عند 167 جنيها. وسيظل من يحصلون على أقل من 800 جنيه يرجون من الله جنيهات من هنا أو هناك عندما تلقى الحكومة لهم بعلاوة استثنائية.

ياه.. كم وددت أن أعود إلى أحمد ذلك الشاب الحالم المنتظر هناك على الشاطئ فى ذلك المنتجع البعيد، لعله يأتى يوم يبحر معه على مركبه الصغير حلاق، أو سواق تاكسى، أو نجار من المصريين حتى يتأكد أن الثورة قد نجحت. أيها الشاب الحالم.. صدقت. أبحر وحدك، فهم لن يأتوا لا اليوم ولا غدا.

 

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved