من الجمود إلى الحركة

سلامة أحمد سلامة
سلامة أحمد سلامة

آخر تحديث: الأربعاء 4 يوليه 2012 - 8:20 ص بتوقيت القاهرة

انتهت الفترة الانتقالية التى وضعت البلاد تحت الحكم العسكرى قرابة 18 شهرا بدعوى حماية أهداف الثورة. وشهد الشعب المصرى على مدى 24 ساعة عملية نقل السلطة من المجلس العسكرى إلى رئيس منتخب انتخابا حرا باسم الشعب.. جرى خلالها حلف اليمين الدستورية ثلاث مرات على ثلاثة مستويات: مرة أمام جموع الشعب فى ميدان التحرير. ومرة أمام المحكمة الدستورية العليا طبقا للقانون وأحكام الدستور. ومرة ثالثة أمام حضور رسمى وشعبى فى جامعة القاهرة. وكلها كانت تأكيدا على الانتقال من ولاية الحكم العسكرى إلى ولاية الحكم المدنى الدستورى.

 

وهكذا بدا الرئيس الجديد على استعداد لإرضاء جميع الأطراف. والبحث عن حلول عملية للتغلب على حالة الاستعصاء التى نشأت عن قرار المحكمة الدستورية العليا بإبطال انتخابات مجلس الشعب. وهو ما كان حزب الحرية والعدالة وحلفاؤه من حزب النور يرفضون الاعتراف به ويطالبون بالرجوع عنه.. ومازالوا حتى هذه اللحظة. مما قد يضع الرئيس المنتخب فى مواجهة مع القانون ويفجر صراعا بين الجيش والرئيس حول صلاحياته.

 

وكان واضحا أنه إذا أريد للرئيس المنتخب أن يمضى فى طريقه ويمارس سلطاته، ويشجع الجيش على العودة إلى ثكناته، أن يتجاوز عن بعض الشروط ويلجأ إلى قدر من الملاءمة والمواءمة. كما حدث عندما اضطر إلى النزول على شروط قضاة الدستورية العليا بأداء اليمين مذاعا على الهواء، وهو ما كان الرئيس يعارضه على أساس أن أداء اليمين فى المحكمة إجراء شكلى بعد أدائه فى ميدان التحرير.

 

ولكن يمكن القول مع ذلك بأن الرئيس مرسى تجاوز هذه الخلافات وقدم نفسه إلى الشعب المصرى بكل طبقاته. بمؤيديه ومعارضيه، بقدر كبير من الكبرياء والإيمان بقدرته على أن يقود مصر إلى مستقبل أفضل لا عودة فيه إلى الوراء. وحاول أن يصل بكلماته إلى جميع الفئات من المسلمين والمسيحيين، وإلى جميع الطبقات التى تعانى مختلف أشكال المعاناة. وعمل على إسقاط الحواجز التى أقامها النظام القديم بين الرياسة والشعب.. حين فتح سترته ليقول للناس إنه لا يحمل سترة واقية ضد الرصاص.. فضلا عن دعوته لإقامة نظام أمن قومى حديث لمصر، وإصلاح العلاقات مع الإخوة العرب دون تدخل فى شئونهم أو تدخل فى شئون مصر.

 

نحن الآن نشهد مرحلة تحول تدريجى لأداء التيار الإسلامى، وهو ينتقل من التشبث بالآراء والأفكار العقائدية التى وسمت مواقف الإخوان المسلمين طوال أكثر من نصف قرن إلى مواقف أكثر براجماتية واقترابا من الواقع. ويبدو أن الدور الذى يلعبه الرئيس مرسى فى تحقيق الحد الوسط بين الإفراط فى التمسك بالأيديولوجيات والتفريط فيما تقتضيه السياسات الواقعية دور بالغ الأهمية شديد التأثير على مستقبل الحياة السياسية ومستقبل الإسلام السياسى. وقد أثبتت التجارب أن المبادئ البراجماتية لا تطرح وحدها حلولا واقعية يمكن تطبيقها. ولذلك يجد الرئيس مرسى نفسه مخيرا بين المضى فى عدد من الثوابت والمبادئ التى سار عليها الإخوان المسلمون وبين التلاؤم مع مقتضيات التغيير دون جمود على الموجود.

 

ومن هنا بدأت القوى السلفية المؤيدة لحزب الحرية والعدالة تطرح من جديد فكرة تغيير مادة الدستور المتعلقة بالشريعة الإسلامية لكى تكون هى المصدر الرئيسى للتشريع، وليست مبادئ الشريعة كما جرى الاتفاق على ذلك بين القوى الوطنية، ونصت عليه وثيقة الأزهر. وأقر به حزب الحرية والعدالة.

 

ولا يقف تأثير السلفيين على محاولة فرض تأويلاتهم على الرئيس الجديد بل يضعون شروطا ويطرحون أسماء بعينها للمشاركة فى الحكم ويستبعدون شخصيات مثل البرادعى من التمثيل فى الحكومة الائتلافية لأنه ـ فى رأيهم ـ ليس برجل المرحلة. وطرح مثل هذه الخلافات لابد أن يقود إلى تفجير الأرضية التى حملت مرسى إلى مقعد الرياسة، وأوجدت حوله إجماعا غير مسبوق من أحزاب وقوى ليبرالية ووطنية متعددة.

 

والسؤال الآن هو: إلى أى مدى يتدخل حزب الحرية والعدالة فى تشكيل الحكومة الائتلافية واختيار الوزراء حيث توصى بعض الجبهات القريبة من الحرية والعدالة بإبعاد فايزة أبوالنجا والإبقاء على وزير الداخلية؟

 

وهناك قوى من داخل صفوف الحرية والعدالة تتعجل التغيير فى مجالات لا داعى للتعجيل بالعبث فيها مثل الإعلام والصحافة، وذلك بالدعوة إلى اختيار رؤساء تحرير جدد للصحف القومية. مع أن إصلاح الصحف القومية ليس هو الخطوة الأولى فى بناء الدولة الحديثة. ولا يكفى أن توصف الصحافة القومية والعاملين فيها بأنهم من كهنة فرعون، ليهرع مجلس الشورى إلى اتخاد إجراءات سريعة تقلب الأمور رأسا على عقب فى مؤسسات صحفية مثقلة بالمشاكل المالية ومتخمة بأعداد هائلة من العاملين فيها، ويكون كل ما تتفتق عنه أذهان المسئولين الجدد هو تغيير رؤساء التحرير، دون اعتبار للهياكل المالية والإدارية فيها. وهو ما قد يضع الرئيس الجديد الذى لم يكد يحلف اليمين الدستورية أمام جبل من المشكلات لا قبل له بها.

 

لابد للرئيس الجديد أن يتروى فى اتخاذ قراراته بعيدا عن الحلول الجزافية أو العودة إلى مربع الأفكار القديمة والمأثورات السلفية. وهى بغير شك مهمة عسيرة حافلة بالتحديات.

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved