حصار.. وهجوم إسلامى الأيديولوجيا على العروبة

مواقع عربية
مواقع عربية

آخر تحديث: السبت 4 يوليه 2020 - 9:20 م بتوقيت القاهرة

نشر موقع 180 مقالا للكاتب الفضل شلق تناول فيه التهديدات التى تواجه الدول العربية بغرض إضعافها وتقسيمها... نعرض منه ما يلى:
دولنا العربية حازت الاستقلال منذ عقود طويلة. الجامعة العربية تأسست عام 1947. هى أول منظمة إقليمية فى العالم. ما زلنا لم نصدق أننا مستقلون، ولم نقرر أن الاستقلال نحميه بالاتكال على النفس وليس بتحليلات دبلوماسية، وتحليل القوى الدولية لدعم الاستنتاج المسبق أن المنطقة تديرها، بالأحرى تقرر مصيرها، القوى الدولية والإقليمية.
مع الاستقلال، اعتمدنا نظرية المؤامرة وألغينا أنفسنا وانتهجنا طريقا وحيدة، اعتبرناها تنجينا من المؤامرات الخارجية، وهى الاستبداد. وضعنا أنفسنا فى عهدة الاستبداد، ولم ندرك أن إلغاء الشعب هى فى الحقيقة إلغاء السياسة. أهم ما يفعله الاستبداد هو إلغاء السياسة. الشعب لا يعنيه شيئا. هو الحاكم وعلى الشعب أن يكون ممتنا له. عندما يهب المجتمع للقيام بثورة جابهه الاستبداد بالحروب الأهلية، وهى بالضبط الثورة المضادة.
***
اتهم المجتمع بالإرهاب والتكفير. الإرهاب لاسترضاء الدول الكبرى. التكفير لإرضاء أقليات افتعلت الخوف على مصيرها، فتحالفت ضد مجتمع اعتبرته تكفيريا بكليته. صار الدفاع عن الاستبداد باسم حماية الأقليات عملا إنسانيا تقدميا. لا هم إذا تحول المجتمع إلى نصف مهجر ونصف آخر كأنه فى مخيم نازحين. ليس ذلك فقط بل دعم كل القوى الدولية العظمى والقوى الإقليمية المنتفخة بمركب العظمة. صارت المنطقة العربية ساحة حرب كونية ضد الشعوب العربية. صارت مجتمعاتنا مهجرة فى أرضها وخارج أرضها. بلادنا مخيمات نازحين فى أرضهم، بالإضافة إلى الذين هاجروا فى الخارج. لم تعد المسألة مسألة فلسطين وحسب، بل مسألة العرب جميعا. هؤلاء ما عادوا أبناء الأرض. كأنها حرب إبادة ضدهم.
حروب المنطقة دينية. تعتمد الهوية الدينية أساسا. ملغاة فيها السياسة. لم ندرك، أو لم يدركوا، أن الحرب على التكفير والإرهاب يجب أن تكون أولا وقبل كل شىء ضد الاستبداد. شعوب تثور وتريد حريتها، لكنها تتهم وتستخدم التهم لإبادتها. لا أكثر ولا أقل. كان التهذيب يقضى أن لا نسمى الأشياء بأسمائها. نضطر ونحن نمر فى أزمة جراء حرب الإبادة ضد المجتمعات العربية. ضد أكثريتها التى لا يحق لها أن تقول ما فى أحشائها دون أن تتهم بارتكاب جرائم ارتكبتها داعش وأخواتها؛ وهى لا تعبر عن الشعوب العربية بأكثريتها. هذا مع العلم أن لكل طائفة، ولكل دين، ولكل مذهب، «داعشه». خصوم الأكثرية لهم «دواعشهم». من لا يرى الاستبداد وتعمد إفقار وتهميش الشعوب العربية، بما فى ذلك مصادرة قضية فلسطين، أو تحويلها للسياحة الدينية، من يفعل ذلك يخدم «داعشيته».
***
حروب المشرق تزحف إلى المغرب العربى الكبير عبر مصر. مصر محاصرة. إسرائيل من الشرق، ولها كامب دايفيد. تهديد النيل من الجنوب الحبشى. وتهديد الأمن القومى فى ليبيا. بعد قصف للقوات الدولية، الأوروبية والأمريكية، يأتى رجب طيب أردوغان بشعارات عثمانية. لم يناقشه أحد فى كيف يقفز من فوق الأتاتوركية إلى العثمانية. ما هى علاقة دولته بالعثمانيين. عندما انهارت الدولة العثمانية تفرقت ممتلكاتها إلى دول رسم الاستعمار حدودها. الأتراك دافعوا ببسالة بقيادة أتاتورك عن الأناضول والبر الأوروبى. المناطق الأخرى، خاصة العربية منها، نالت استقلالها، فى معظم الأحيان بطرق وأساليب مشينة. اتفاقية سايكس بيكو ووعد بلفور كانا ضد العرب وضد الأتراك. لكن الزمن مضى على هذين الاتفاقين والاتفاقات التى تلت الحرب العالمية الأولى. كان حظ المنطقة العربية هو «التجزئة»، حسب تعابير القوميين العرب لفترة طويلة. انهزمت القومية العربية التى كانت تهدف إلى تحقيق الوحدة العربية. بات العرب فى أقطارهم تجمعهم الجامعة العربية...
جاءت الثورة الخمينية لتصادر قضية فلسطين فى محاولة لجعل القضية غير عربية. ثم جاء أردوغان لإحياء النزعة العثمانية. له علاقات مع إسرائيل ويدعى برنامجا عثمانيا لوضع يده على أقطار عربية من فلسطين والعراق وسوريا إلى ليبيا. كأن الحصار الإسرائيلى ــ الإثيوبى على مصر لا يكفى. فجاء الحصار التركى ــ الإيرانى. هذا معاد للإمبريالية الأمريكية، وهذا عضو فى «الناتو». واحد كاد يستأثر بمياه دجلة والآخر كاد يستأثر بمياه الفرات. نحن العرب ذو الأراضى الوطيئة فى هذه البيئة الجغرافية، وجميعهم يتحكمون بمصادر المياه، فكأنهم يريدون تحويل أحواض الأنهار الكبرى فى بلادنا العربية إلى صحارى.
***
ارتبط الوجود العربى منذ القدم بالصحارى والبوادى. لكن الحضارة العربية، خاصة بعد الأمويين، ارتبطت بالأنهار. دجلة والفرات فى العراق، الفرات فى سوريا، النيل فى مصر. مع ازدياد السكان فى العصر الحديث، بنى الأتراك والإيرانيون والأثيوبيون العديد من السدود على أنهار النيل والفرات ودجلة. فهل للتضامن مع العرب والنضال من أجل فلسطين معنى دون مياه هذه الأنهار. يريدون قضية فلسطينية دون قضية عربية. فوق ذلك يلوحون بالأعلام الإسلامية والصهيونية (إثيوبيا) فوق مجارى الأنهار، وليذهب العرب إلى الجحيم كما ذهب الفلسطينيون إلى الجحيم.
إمكانية الحرب بين مصر وتركيا أصبحت ممكنة، وإن كانت مستبعدة. تتزامن هذه الإمكانية مع الإمعان فى تدمير الطبيعة فى البلدان العربية. لا شك أن بناء السدود بكثرة على هذه الأنهار سوف يغير الطبيعة إلى الأسوأ. يتزامن تدمير الإنسان على وجه الأرض وتدمير الأرض ذاتها بتغيير طبيعتها. حصار حول مصر. الدولة العربية الأم. الحصار متعدد الأبعاد: عسكرى ومائى، وما يتعلق بالوجود العربى. وهو ذو أبعاد اقتصادية واجتماعية ونفسية. شعور العرب بأنهم محاصرون سيجعلهم أقل قبولا بالسلام وأكثر قبولا بالحرب. القول أن وجودهم مهدد ليس فيه مبالغة. على الأقل سوف يشعر العرب أن الحصار حالة من حالات الاعتداء، وسيراودهم بأنهم يتعرضون لحرب إبادة، خاصة عندما يرون المخالفات الصريحة للقوانين الدولية التى تنظم تقاسم المياه بين البلدان التى تتجاور، وتجرى فيها الأنهار من منابعها إلى مصباتها فى البحار. الانتهاكات التى يرتكبها الجيران ليست أقل فداحة من الانتهاكات على أرض فلسطين. مشاركة الإسرائيليين فى بناء سد النهضة الإثيوبى أمر يبعث على الريبة والظنون... هناك تشجيع على الولوج فى حروب لا تعرف نتائجها، أو هى أكيدة بالنسبة للقوى العظمى التى تدير هذا العالم. من ينتصر فى حروب من هذا النوع يعتمد على مستورداته من السلاح ونوعيته إلى جانب التدريبات على استخدامه. تركيا عضو فى حلف الأطلسى وأعضاء «الناتو» مجبرون على مساعدة تركيا. الأهم من كل ذلك أن مصر وسوريا والعراق صارت مستوردة للقمح والمواد الغذائية الأخرى الأساسية بعد أن كانت مصدرة للقمح عبر التاريخ. الأمن الوجودى العربى مهدد بجميع وجوهه.
***
لا يستطيع المرء إلا أن يتضامن مع كل بلد عربى يحاول الحفاظ على وجوده. يعلم الأتراك والإيرانيون أن الود لهما مفقود عند العرب، سوى عند أقلية أو أقليات. يعلم العرب أن هناك شعوبا فى آسيا الوسطى، تتكلم اللغة الفارسية أو التركية ولو بصيغة مختلفة؛ وأن هناك، ربما، روابط إثنية من نوع ما، وأن المدى الحيوى فى أواسط أسيا له ما يبرره. لكن كلا الدولتين (تركيا وإيران) لا تجرؤان على الإقدام فى آسيا الوسطى، ربما لاعتبار أن هذه المنطقة مدى حيويا لروسيا، وهى حليفتهما، ولو نسبيا، وتخيفهما بالمطلق. الضعف العربى هو ما يجعل هذه المنطقة مستباحة لهما. هذه الاستباحة عامل أساسى فى الحروب الأهلية العربية. يبدو أنهما والدول العظمى دوليا، خاصة الولايات المتحدة وروسيا، متواطئون على الضعف العربى. أما إسرائيل فهى مستفيدة استفادة كبرى من هذا التواطؤ.
فلسطين، من البداية إلى النهاية، قضية عربية. منذ قيام دولة إسرائيل وقبل ذلك النضال ضد إسرائيل عربى. الحروب التى خاضتها إسرائيل كانت ضد العرب لا ضد إيران وتركيا. على العكس من ذلك، كانت علاقات إيران وتركيا مع إسرائيل فى مراحل مختلفة إيجابية، علاقة صداقة. حتى فى الزمن الراهن، ليس ما يؤكد لدى العرب أن علاقتهما مع إسرائيل ليس لها جوانب أخرى فى الإيجابية من إسرائيل والسلبية تجاه العرب، وذلك برغم كل التفاصيل. تقصف إسرائيل فى البلدان العربية دون رد من القوى الإقليمية (إيران وتركيا) ومن القوى الدولية (روسيا والولايات المتحدة) برغم وجود جيوش لكل من هؤلاء فى المناطق التى تقصف. كأن كلا من هذه الدول تستدعى الهجومات الإسرائيلية، بعلم منها أو من دونه.
***
يطبق الحصار على العرب. لا يلام أحد على الضعف العربى إلا العرب أنفسهم. قضية فلسطين قضية عربية. ليست قضية فلسطين جوهر القضية العربية إلا بمقدار ما يجعل العرب قضيتهم الخروج من الشرذمة وبناء مجتمعات عربية متماسكة وقائمة على الإنتاج، لا على الاستهلاك وحده. قضى على الزراعة وقبلها على الصناعة. أصبحنا مجتمعات تستهلك ولا تنتج. الأمر الفاضح هو أن البلدان العربية فى معظمها تعتمد إجمالا أو جزئيا على استيراد القمح وغيره من المواد الغذائية من أجل القدرة على الاستمرار دون مجاعة.
ما يفعله جيران البلدان العربية هو فرض حالة من الحصار على العرب. حالة من الحصار التى تهدد الوجود العربى. سيكون ذلك سببا فى ظهور مزيد من التطرف. فهل يخدم ذلك هؤلاء الجيران، أم أنهم مصرون على أن يبدو الأمر وكأن هناك هجوما إسلامى الأيديولوجيا على العروبة؟ هجوما يمعن فى تشتيت العرب وإضعافهم وغرقهم فى دياجير الهزيمة.. وهل فى ذلك إلا رعونة تركيةــ إيرانية، برعاية الدول الكبرى عالميا؟
النص الأصلى هنا

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved