رؤية الصين لدورها العالمى

من الفضاء الإلكتروني «مدونات»
من الفضاء الإلكتروني «مدونات»

آخر تحديث: الأحد 4 يوليه 2021 - 8:45 م بتوقيت القاهرة

نشرت مجلة المستقبل العربى التابعة لمركز دراسات الوحدة العربية مقالا للكاتب على الجبراوى يوضح فيه وجهة النظر الصينية لدورها العالمى ومكانتها فى النظام الدولى، ويوضح الأهداف التى تسعى إليها وسبل تحقيقها.. نعرض منه ما يلى.
يؤكد الكاتب على ما أثبتته الصين من أنها قوة صاعدة على الصعيد الدولى وربما تكون القوة العظمى القادمة فى المستقبل. إلا أن هناك الكثير من الأسئلة تدور حول مستقبلها؛ فهل تتمكن من تحقيق غايتها؟ وكيف ستدير صراعها على المكانة العالمية؟ وما هدفها من الوصول للقمة؟
الغرب قدم وجهتى نظر بخصوص اللغز الصينى؛ فالبعض يرى أن الصين مراوغة تخبئ ما تسعى إليه من الهيمنة على النظام الدولى، وبالتالى يجب مواجهتها قبل فوات الأوان. والبعض الآخر يرى أن ما تقوم به يهدف فقط إلى تعظيم استفادتها الاقتصادية وليس الانقلاب على النظام الدولى، وبالتالى يكون من الأفضل التعاون معها.
يقدم الكاتب فى مقاله دراسة استقصائية تهدف إلى فهم وجهة النظر الصينية عن دورها العالمى ومكانتها فى النظام الدولى. وكدولة ذى شأن عظيم، لا يجب إهمال رواية الصين لرؤيتها.
•••
مرت الصين الحديثة بثلاث مراحل، أحدثت كل واحدة نقلة نوعية فى رؤية الصين لنفسها، ولدورها وطبيعة علاقاتها الخارجية. المرحلة الأولى أطلق عليها الكاتب مرحلة التثبيت والمواجهة، وهى مرحلة ماو تسى تونغ التى بدأت بإقامة جمهورية الصين الشعبية عام 1949. هذه المرحلة سيطرت الأيديولوجيا عليها وكان الحكم شديد المركزية، وسار الاقتصاد على التخطيط المركزى. المرحلة الثانية، مرحلة الإصلاح والانفتاح، وارتبطت المرحلة بفكر دينج شياو بينج (1978ــ 2013). عدل دينج من توجه البلاد دون إدانة للمرحلة التى سبقته. تمحورت رؤية دينج حول الحاجة إلى تنشيط الوضع الاقتصادى وتحسين الإنتاج ورفع مستوى المعيشة، ولكنه أراد استمرارية النظام السياسى القائم على محورية القيادة المركزية للحزب الشيوعى. فعمل على تحرير الاقتصاد عن طريق ضخ نفخة من الليبرالية ــ الرأسمالية المنتجة للربح الفردى، ولكن ضمن ضوابط تخطيط استراتيجى مركزى تحافظ على استمرار سيطرة الحزب. وهذا شكل رؤية براجمادولوجية (تجمع بين البراغماتية والأيديولوجيا)، وقد أطلق عليها «الاشتراكية ذات الخصائص الصينية» لتجمع بين اتجاهين ظن أنهما متناقضان.
فى خضم ذلك، طرأ على العالم تغيرات أثرت على النظام الدولى وتعلمت أو استفادت منهم الصين؛ أولا العولمة التى سمحت للصين بالانفتاح على العالم والتعلم مما وصل إليه الآخرون لينمو اقتصادها بسرعة. ثانيا سقوط الاتحاد السوفيتى نبه القيادة الصينية إلى أن عدم أخذ الحيطة فى مسيرة الإصلاح يمكن أن يؤدى إلى انهيار. ثالثا، الصعود المفاجئ للولايات المتحدة على سدة حكم العالم نبه الصين إلى أن التوسع المفرط فى استخدام القوة يؤدى إلى وهن القوة العظمى ويضعف قدرتها على الاستمرار. ولذلك اتبع دينج سياسية الحذر وهو يقود عملية تحديث الصين، وآمن أن تقدم الصين لا يتحقق بمواجهة النظام السائد، وإنما بالانخراط فيه.
المرحلة الثالثة، مرحلة الرسوخ والانطلاق، وهى مرحلة تشى جينبينج منذ انتخابه رئيسا للصين عام 2013. أعلنت الصين خلال هذه المرحلة بأنها تريد إنجاز «الحلم الصينى» وتحقيق «النهضة العظيمة للقوة الصينية». هذا الوضوح فى السياسة الصينية لا يعد عدائيا، فالصين تنأى بنفسها عن المواجهة وتدفع فى اتجاه المشاركة. وعدت أهداف الصين الحيوية هى الحفاظ على طبيعة النظام الحاكم، وتأمين وحدة الأراضى الصينية وفق مبدأ الصين الواحدة، وتعظيم نموها الاقتصادى وقوتها العسكرية والبحرية. ينقسم المخطط لهذه الحقبة إلى ثلاث مراحل: المرحلة الأولى انتهت عام 2020 بالقضاء على الفقر، المرحلة الثانية تنتهى عام 2035 بإتمام بناء النظام وتحقيق طفرة اقتصادية وعلمية وتكنولوجية. المرحلة الثالثة من المقرر أن تنتهى عام 2050 تصبح فيها الصين دولة اشتراكية حديثة قوية ومزدهرة وديمقراطية ومتحضرة ومتناغمة وجميلة. وكما أعلن شى جينبنج ستصبح الصين «شامخة وسط أمم العالم بمعنوياتها العالية».
•••
يشير الكاتب أن رؤية الصين الاستراتيجية تنبع من ثلاثة مصادر؛ أولا، الصورة التى كونتها عن نفسها. فالصين فى نظرتها إلى نفسها ترى أنها تمثل «المملكة الوسطى» أو «حضارة كل ما تحت السماء» التى أنتجت «العالم المتحضر» المتفوق على غيره، ولكن من دون نزعة عدوانية أو توسعية، فهى لا تؤمن بالحرب ولا تروج لها. هذه الثقافة جعلت الصين تشعر بواجبها بتحسين العالم، وقيادة مشروع سلمى تشاركى تتلاقى فيه الثقافات والحضارات.
ثانيا، تقييمها لما تملكه من قدرات. انتقلت الصين من دولة فقيرة ومعزولة من نصف قرن مضى إلى دولة فى مصاف أكثر الدول تقدما. هذا أعطى ثقة للصين ودفعها إلى تأدية دور أكثر فاعلية فى النظام الدولى. تمتلك الصين المساحة والسكان والموارد الطبيعية والموقع الاستراتيجى الذى يؤهلها للعب دور محورى. وهى الآن ثانى أكبر قوة اقتصادية بعد أمريكا وأكبر قوة تجارية ومصدر للسلع. ولحماية قوتها الاقتصادية، احتاجت الصين إلى دعم قوتها العسكرية لتناسب صعود مكانتها العالمية.
ثالثا، نظرتها إلى العالم والنظام الدولى السائد. ترى الصين أن النظام الدولى القائم يرتكز على هيمنة القوة، وتحركه الصراعات، وتتحكم فيه عقلية الحرب الباردة، حتى بعد أن أصبح أحادى القطبية. وترى الصين أن مع تفرد الولايات المتحدة، أصبح العالم أقل توازنا وأكثر اضطرابا ويفتقر إلى بوصلة موجهة تحقق الاستقرار.
لا تسعى الصين إلى تعكير الأجواء الدولية التى ساعدتها على النهوض، فعلى سبيل المثال هى تريد استمرار خطوط التجارة الحرة. لذلك، الصين ليست صدامية فى سياساتها الخارجية، بل تنأى عما يسبب لها المصاعب وتحاول عدم استثارة الولايات المتحدة. لا تورط الصين نفسها وتبدأ بالهجوم، ولكنها لا تنأى بنفسها عن الرد إذا فرض عليها الهجوم؛ فتشدد على أنها منافسة وليست مهاجمة. وهذا ما حدث فى الحرب التجارية التى فرضت عليها من الولايات المتحدة، والتى لم تكن تريدها على الإطلاق. والغريب أن الدولة الاشتراكية الأكبر فى العالم أصبحت الداعم الرئيسى للتجارة الحرة أمام حمائية الدولة الرأسمالية الأكبر فى العالم.
•••
يقول الكاتب إن الصين لا ترضى عن شكل النظام الدولى الأحادى الحالى، وبالتالى هى تعلن بأنها تسعى لتغيير بنيته السياسية إلى التعددية القطبية، مع تعزيز أسسه الاقتصادية القائمة على انفتاح الأسواق وحرية التجارة.. باختصار الصين تدعو إلى تغيير يعدل علاقات القوة داخل النظام الدولى. من أجل تحقيق ذلك، تركز الصين فى سياساتها الخارجية على التالى:
إعادة تشكيل الخطاب المتعلق بالنظام الدولى. فتعمل على طرح خطاب يصيغ رؤيتها لما يجب أن يكون عليه النظام الدولى، وطرق معالجة القضايا الدولية. يتميز هذا الخطاب بالهدوء ويعرض شكل منظومة دولية تتساوى فيها الدول بغض النظر عما تملكه من قوة. ويركز الخطاب الصينى على تعميق فكرة العيش المشترك القائم على التناغم والانسجام.
طرح نموذج مختلف للدولة العظمى. فتطرح الصين باستمرار تصورها حول النموذج الجيد للدولة العظمى، وهى ترغب بإعطاء الانطباع بأنها دولة مسالمة أهل للثقة تمتلك ثقافة تتحلى بالصبر ورباطة الجأش وبُعد النظر فى تحقيق المكاسب. تؤكد دائما أنها لن توظف قوتها العسكرية لتهديد الغير كونها لا تمتلك نزعة توسعية ولا تؤمن بالتحالفات العسكرية، بل تريد القيادة بالحكمة وأن تكون مثالا يحتذى به. فهى لا تريد أن تكون «شرطى العالم» بل «الأخ الأكبر». وهى لا تريد فرض نموذجها، لأنها تؤمن بأن ما هو جيد لها قد لا يكون كذلك للغير، فلكل مجتمع خصوصيته.
الاهتمام بتطوير العلاقات الثنائية مع دول العالم. تسعى الصين إلى تطوير علاقاتها الثنائية مع أكبر عدد من الدول، بغض النظر عن حجمهم أو وضعهم أو معتقدهم الأيديولوجى. وترى أن أفضل وسيلة لتعزيز مكانتها الدولية هى عن طريق تربيط مصالح أكبر عدد من الدول وتقوية أسس الاعتمادية الاقتصادية. وتشدد على أن تحقق العلاقات استفادات متبادلة وليست مصالحها الذاتية فقط. وفى سبيل ذلك تقوم الصين بمشاريع بنى تحتية فى دول متعددة، وإنشاء شبكات الطرق وسكك الحديد، وبناء محطات الكهرباء والمياه. لذلك هى أصبحت أكبر شريك تجارى للكثير من الدول الآسيوية والأفريقية.
خلق وتعزيز الروابط الإقليمية والدولية. تفضل الصين تمتين علاقاتها مع الدول ضمن أطر جماعية، يختص كل منها بإقليم محدد مثل الآسيان ومنظمة شنغهاى للتعاون. وتعمل على إيجاد أطر موازية لتلك التى يقوم عليها النظام الدولى الحالى. وتحاول أن يكون لها فيها دور قيادى مركزى تتكئ عليه فى مد نفوذها عالميا.
تنامى الانخراط فى القضايا الدولية متعددة الأطراف. الصين وجدت أن من مصلحتها اقتحام هذا المجال من أجل تعزيز مكانتها الدولية، فساهمت فى التوصل إلى اتفاقية المناخ، وزادت جهودها فى مواجهة قضايا دولية متعددة مثل مواجهة الفقر وانتشار الأوبئة، وأصبحت تقود الجهود الدولية فى مجال حفظ السلام تحت راية الأمم المتحدة.
تعزيز الاعتبار للأمم المتحدة. وجود الأمم المتحدة يساعد الصين فى مسعاها لتحويل النظام العالمى إلى التعددية القطبية. ووجود مؤسسات دولية تقلل من ازدواجية المعايير فى السياسة الخارجية للدول الغربية. وتعتبر الصين الأمم المتحدة منبرا تحشد من خلالها التأييد للمواقف والسياسات الصينية.
•••
يقول الكاتب إنه على الرغم من كل النجاحات التى حققتها الصين، إلا أن استمرار رحلة صعودها لن تكون مضمونة أو سهلة، فهناك تحديات تواجهها مثل؛ أهمية الحفاظ على استمرار الاستقرار الداخلى واستمرار اقتناع الشعب الصينى بجودة نظامها السياسى القائم على الاشتراكية ذات الخصائص الصينية، ومنع حدوث تباطؤ اقتصادى حتى لا تعوق خططها الطموح. وعلى النقيض أيضا فإن استمرار النمو الاقتصادى سيؤدى إلى توسع قاعدة الطبقة الوسطة وزيادة توقعاتها التى قد تطالب بتحسينات فى المجال السياسى. قد يشكل تعثر الانفتاح العالمى عقبة للصين التى اعتمدت على انفتاح العالم لنهوضها. فالصين بحاجة إلى استمرار العالم مفتوحا للحصول على الموارد وفتح أسواق لتصريف منتجاتها. أما التحدى الأهم هو حملة الاستهداف الأمريكية الغربية التى تستهدف تقدمها وتحذر من الانخداع بالرواية الصينية.
ينهى الكاتب حديثه قائلا إن وضع الصين قد يكون تأثر سلبا بسبب المحنة العالمية، ولكن الصين ليست على عجلة من أمرها لأن تحول نفسها إلى قوة عظمى، وإنما أعلنت أن أمامها ثلاثة عقود كى تصل، والمستقبل مفتوحا أمامها لتحقيق هذا الاحتمال.

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved