بايدن يغرق فى أوروبا.. ويضل طريقه إلى آسيا!

مواقع عربية
مواقع عربية

آخر تحديث: الإثنين 4 يوليه 2022 - 7:45 م بتوقيت القاهرة

نشر موقع 180 مقالا للكاتب سميح صعب بتاريخ 3 يوليو، تحدث فيه عن نتائج قمتى مجموعة السبع وحلف الناتو، وأنه فى الوقت الذى حشد فيه بايدن قادة أوروبا لمواجهة بوتين، واصلت الصين صعودها محتفلة بذكرى استعادة هونج كونج من بريطانيا، وكذلك تدشين حاملة طائرات صينية لا تباريها سوى حاملة الطائرات الأمريكية «جيرالد فورد». فهل ضل بايدن الطريق إلى آسيا وغرق فى أوروبا؟... نعرض من المقال ما يلى.
لا هدنة مع روسيا. هكذا يمكن تلخيص قمتى مجموعة الدول الصناعية السبع الكبرى فى لحف جبال الألب الألمانية وحلف شمال الأطلسى فى مدريد. هذا يفترض أن الحرب فى أوكرانيا طويلة، وأن على الغرب بناء حساباته على هذا الأساس وأن يستعد لأسوأ السيناريوهات، كى لا تخرج روسيا منتصرة.
نصت العقيدة العسكرية الجديدة لحلف شمال الأطلسى التى صاغتها قمة مدريد على أن روسيا هى التهديد الأكبر للحلف، بينما اكتفى بالإشارة إلى أن الصين تمثل «تحديا ممنهجا»، من دون إغفال الرمزية التى مثلها حضور رؤساء وزراء اليابان وأستراليا ونيوزلندا للقمة الأطلسية. ومع ذلك، يبدو الغرب مترددا فى خوض حربٍ على جبهتين.
بدا الرئيس الفرنسى إيمانويل ماكرون وكأنه الخروف الأسود فى القمتين. وكانت الكلمات غنية بالتلميحات إلى ما قاله قبل أسبوع من قمة السبع، من أن على أوروبا أن تدرك بأن «الجغرافيا عنيدة وأن روسيا فى نهاية الأمر ستبقى هناك (فى أوروبا)». الرئيس الأوكرانى فولوديمير زيلينسكى عاجله بالقول، طبعا وبتنسيق مع واشنطن، أمام قمة ألمانيا، بأن «الوقت ليس مناسبا»
للدبلوماسية، وبأن كل ما تريده كييف من الغرب هو تزويدها بالأسلحة ولا شىء غير الأسلحة، كى تتمكن من قلب المعادلة فى الميدان، لأن الرئيس الروسى فلاديمير بوتين لا يريد إخضاع أوكرانيا فحسب وإنما أوروبا بكاملها.
بطبيعة الحال، ساند رئيس الوزراء البريطانى بوريس جونسون كلام زيلينسكى بتحذير مبطن إلى ماكرون بقوله إن أى «حل تفاوضى الآن» مع روسيا سيؤدى إلى إطالة حالة «عدم الاستقرار العالمى». وفى إشارة استرضاء إلى ماكرون، قال جونسون إنه يؤيد فكرة الرئيس الفرنسى إنشاء «مجموعة سياسية أوروبية» تضم بريطانيا، التى خرجت من الاتحاد الأوروبى.
• • •
بما أن الأجواء «حربية»، استتبع ذلك من الرئيس الأمريكى جو بايدن الإعلان عن تعزيز الوجود العسكرى للولايات المتحدة فى أوروبا، كمًا ونوعًا، وإنشاء قاعدة عسكرية أمريكية دائمة فى بولندا للمرة الأولى منذ انضمام هذه الدولة إلى حلف شمال الأطلسى عام 1997.
ومن المتوقع أن تزيد الولايات المتحدة عدد جنودها فى أوروبا إلى مائة ألف فى المرحلة المقبلة، مقارنة مع 40 ألفا قبل الدخول الروسى إلى أوكرانيا فى 24 فبراير الماضى. وهذا ما يتيح للحلف الأطلسى وضع 300 ألف جندى فى حال تأهب قصوى.
بايدن، الذى التزم قراءة نصوص مكتوبة فى كلماته، حتى لا تجرفه الحماسة بعيدا للتفوه بعبارات خارجة عن المألوف على غرار ما حصل فى جولة أوروبية سابقة، كثف جهوده الدبلوماسية خلف الكواليس لإقناع الرئيس التركى رجب طيب أردوغان، بإزالة اعتراضه على ضم فنلندا والسويد إلى الحلف الأطلسى. وبحسب المعلن، فإن أردوغان حصل على ما يريد من فنلندا والسويد بالنسبة إلى ملاحقة ناشطى «حزب العمال الكردستانى» وأتباع الداعية فتح الله جولن. إنما المقايضة ربما تتعدى ذلك، إلى إعطاء ضوء أخضر أمريكى لعملية عسكرية تركية جديدة فى تل رفعت ومنبج فى الشمال السورى، فضلا عن تكثيف إدارة بايدن
ضغوطها لإقناع الكونجرس بالمصادقة على صفقة مقاتلات «إف ــ 16» لتركيا. بعد لقاء بايدن قال أردوغان إن بلاده تعمل على بناء جيش «من أقوى جيوش العالم».
وبالنسبة إلى بايدن فى اللحظة الحالية، فإن ضم فنلندا والسويد إلى الأطلسى، يُعتبر نصرا استراتيجيا فى مواجهة روسيا، تصغر عنده مسألة تسليم السويد 33 مطلوبا من كوادر «حزب العمال الكردستانى» لتركيا، أو ربما توسيع النفوذ التركى فى شمال سوريا على حساب «حلفائه» فى قوات سوريا الديموقراطية (قسد)، أو حتى نسيان وصفه لأردوغان بأنه «مستبد». فى سبيل كسب الصراع الاستراتيجى ضد روسيا، تنحى المبادئ جانبا. وأصلا هذا ليس بالأمر الجديد على أى رئيس أمريكى، وليس حكرا على بايدن.
• • •
كان الأسبوع الأوروبى عاصفا إلى درجة أنه لولا حضور قادة اليابان وأستراليا ونيوزلندا للقمة الأطلسية، لكان فى الإمكان الاستنتاج، بأن بايدن قد نسى «منافسته الشرسة» مع الصين، وأنه تفرغ بالكامل لأوروبا، وهذا فى جانب منه صحيح. على الأقل، يسعى بايدن، فى ذروة المواجهة مع روسيا، إلى عدم التصعيد أو مهادنة بكين. وعلى سبيل المثال، فإن الصين هى من الدول التى سيتصل بها الرئيس الأمريكى فى إطار مساعيه لوضع سقف لأسعار الطاقة الروسية، كوسيلة للحد من الموارد المالية للكرملين.
فهل وصلت الإدارة الأمريكية إلى اقتناع بأن هزيمة روسيا ستكون مستحيلة من دون تحييد الصين؟
يتذكر صناع القرار فى الولايات المتحدة جيدا أنه لولا الانفتاح الأمريكى على الصين فى سبعينيات القرن المنصرم، لما أمكن كسب الحرب الباردة ضد الاتحاد السوفييتى فى أواخر الثمانينيات. أما الكلام عن «الورطة الأفغانية» بوصفها أحد أبرز أسباب تدمير الاتحاد السوفييتى، فلا يُبدل من حقيقة أنها كانت تفصيلًا أمام خطوة إستراتيجية تمثلت فى التطبيع الأمريكى ــ الصينى، وهنرى كيسنجر لا يزال حيًا يرزق!
وبينما كان بايدن يحشد قادة أوروبا ويفاخر بوحدة غير مسبوقة عبر الأطلسى فى مواجهة روسيا ودعما لكييف، كان الرئيس الصينى شى جين بينج يحتفل فى هونج كونج نفسها بذكرى مرور ربع قرن على استعادة «التنين» الصينى الجزيرة من «الأسد» البريطانى، ويشيد بصيغة «دولة واحدة ونظامان». وفى هذه الإشادة تلميح ضمنى إلى مبدأ «صين واحدة» عندما تتحدث بكين عن جزيرة أخرى، هى تايوان.
وقبل أيام، دشنت الصين حاملة الطائرات «فوجيان» بمواصفات تفوق حاملة الطائرات البريطانية «إليزابيث الثانية» ولا تباريها إلا حاملة الطائرات الأمريكية «جيرالد فورد» التى لم توضع فى الخدمة بعد. ذلك، بمثابة تذكير إلى مواصلة مسيرة الصعود الصينى، الذى يُهدد الولايات المتحدة بخسارة آسيا التى تفوق أسواقها الأسواق الأوروبية أضعافا مضاعفة. فهل ضل بايدن الطريق إلى آسيا وغرق فى أوروبا؟
لعل بوتين عندما يتحدث عن أن حربه فى أوكرانيا قد أنهت عهد القطب الواحد، إنما يشير إلى تحولات تقع الصين فى صميمها، ولن يغير تكديس السلاح الغربى فى أوكرانيا، أو ضم فنلندا والسويد إلى الحلف الأطلسى، أو استرضاء تركيا، وحتى عسكرة أوروبا كلها، من المعادلة الجديدة.. إلا إذا كانت أمريكا قادرة على شن حرب على جبهتين.

النص الأصلى:

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved