فى مصلحة المواطن؟

خالد سيد أحمد
خالد سيد أحمد

آخر تحديث: الجمعة 4 أغسطس 2017 - 9:15 م بتوقيت القاهرة

لم يكن استخدام المتحدث باسم الشركة القابضة للمياه والصرف الصحى، لعبارة «تصب فى مصلحة المواطن»، فى تبريره لزيادة أسعار مياه الشرب والصرف الصحى التى تم تطبيقها منذ الأول من أغسطس الحالى، جديدا أو فريدا من نوعه، فقد سبقه إلى استخدام تلك العبارة، العديد من أعضاء الحكومة عندما حاولوا تبرير رفع أسعار الوقود والكهرباء وجميع أنواع السلع وتحرير سعر صرف الجنيه أمام العملات الأجنبية.

ما لا تدركه الحكومة، أن استخدامها تعبير «فى مصلحة المواطن»، لتبرير هذا الارتفاع الجنونى فى أسعار جميع السلع والخدمات، أصبح مثيرا للاستفزاز والتهكم والسخرية من جانب قطاعات عريضة من الشعب، تشعر بأنها الضحية الوحيدة لفشل ــ أو على الأقل تقدير ــ عدم جدوى السياسات الاقتصادية التى يتم تطبيقها منذ فترة، وبدون ظهور أية دلائل ملموسة على امكانية وجود أمل يسمح برؤية ضوء فى نهاية هذا النفق الطويل.

ربما ترى الحكومة ان ارتفاع الاحتياطى النقدى فى البنك المركزى إلى 36.٠36 مليار دولار، وهو الأعلى منذ عام 2010، «بشرة خير» وعلامة على الضوء المنتظر فى نهاية هذا النفق الطويل، لكن فى الوقت ذاته كيف يمكن لهذه الحكومة تفسير أن «ارتفاع الديون الأجنبية إلى 74 مليار دولار، وكذلك الدين العام (محلى وأجنبى) إلى 4.4 تريليون جنيه فى مارس الماضى (2017) بنسبة 135٪ من الناتج المحلى الإجمالى»، سيصب «فى مصلحة المواطن»، رغم أن الجميع يعلم أن هذه الديون هى فواتير مؤجلة سترهق كاهل الأجيال القادمة، وإرث ثقيل ربما يؤثر على استقلالية القرار السياسى المصرى مستقبلا.

يعتقد البعض أن «الحكومات الأبوية» فى دول «الوفرة والطفرة»، هى من يحق لها فقط استخدام تعبير «فى مصلحة المواطن»، لأنها تتكفل بتوفير وتلبية جميع نفقات ما يحتاجه مواطنوها وأبناؤهم من خدمات وتعليم وصحة ورعاية ووظائف، وبالتالى ترى أنها الأحق فى تحديد «هذه المصلحة»، وما على الجميع إلا «السمع والطاعة» لما تتخذه من قرارات أو سياسات وتوجهات. 

أما فى مصر المحروسة، فإن حكومتها التى تسعى إلى التحرر نهائيا من جميع التزاماتها تجاه مواطنيها، عبر الإلغاء التدريجى لكل أشكال الدعم الذى تقدمه لهم، ورفع أسعار السلع والخدمات إلى مستويات عالمية، دون أن يقابل ذلك زيادة فى الدخول والرواتب أو حتى فى مستوى الخدمة، لا يحق لها استخدام تعبير «فى مصلحة المواطن»، والأجدر بها أن تبحث عن مصلحات وتعبيرات جديدة لا ترفع «من ضغط الشعب»، وتكون مقنعة ولا تثير السخرية والتهكم.

ليس هذا فقط، بل إذا كانت الحكومة جادة ــ ونعتقد انها كذلك ــ فى طريق التحرر من جميع التزاماتها تجاه مواطنيها، فعليها مد الخط على استقامته، وتحرير السياسة من قبضة السلطة، والسماح للشعب بالمشاركة الحقيقية فى اتخاذ وصناعة القرار السياسى، وألا يظل متابعا لما يحدث فى بلاده من مقاعد المتفرجين، خصوصا أنه الوحيد الذى يدفع الثمن فى النهاية؟
عليها أيضا رفع القيود التى تفرضها على المجال العام، وألا تنفرد باتخاذ القرارات المصيرية المتعلقة بحياة شعبها، وأن تطلق الحريات ولا تقمعها، وتسمح بتعدد الآراء المعارضة لها وتستوعبها ولا تتهمها بالخيانة، وأن تتخلص من محاولاتها استعادة دولة «الصوت الواحد» التى انتهت تقريبا فى معظم بقاع العالم.

هناك بالتأكيد أثمان ينبغى على الجميع دفعها، وليس من المقبول تحميل طرف واحد وهو قطاع عريض للغاية من المواطنين، جميع الفواتير التى تنتج عن هذه الاجراءات الاقتصادية المؤلمة التى يتم اتخاذها كل يوم، ومن دون تحرير السياسة ومشاركة الشعب فى اتخاذ القرار، فلن يتفهم المواطن حديث الحكومة باسمه، ودعوات الصبر التى توجه له كل لحظة حتى تنتهى هذه المرحلة العصيبة، وسيعتبرها نوعا من المسكنات التى فقدت مفعولها بانتهاء صلاحيتها منذ وقت طويل.

 

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved