هؤلاء صنعوا مصر

محمد زهران
محمد زهران

آخر تحديث: الأحد 4 أغسطس 2019 - 8:55 ص بتوقيت القاهرة

في الصيف الماضي كنت أزور فرنسا وإشتريت عدة كتب من هناك منهم كتاب بعنوان

"Ils on Fait La France" أو "هؤلاء صنعوا فرنسا"، هذا الكتاب من تأليف المؤرخ ديميتري كازالي وأستاذ التاريخ فابيان تيسون، يعطي هذا الكتاب نبذة عن خمسين شخصية في التاريخ الفرنسي يعتقد المؤلفان أن لهم تأثيراً قوياً في بناء فرنسا، طبعاً كلمة "بناء" هنا تحتوي على معان كثيرة تشمل الاقتصاد والسياسة والإدارة والتقدم التكنولوجي والأخلاق والوعي العام إلخ، لكن إذا إفترضنا أن كل واحدة من تلك المعاني هي قطعة من مبنى فلكي يكتمل البناء يجب وضع تلك القطع بحيث يسند بعضها بعضاً، إذا وقعت أو تكسرت قطعة فربما إنهار المبنى كله، ماذا لوحاولنا تأليف كتاب مثل هذا ولكن لمصر؟ سنلاحظ عدة أشياء.

 أولاً أعتقد أن إختيار الرموز سيقود إلى مناقشات حادة وكل فريق سيحاول إدخال أسماء يفضلها على أسماء أخرى خاصة لو إتبعنا سياسة الكتاب الفرنسي وجعلنا القائمة تحتوي على خمسين إسماً فقط، هذه المناقشات حادة نتيجة أن بعض الناس "تفكر بعواطفها" والبعض له أيديولوجيات مختلفة، لذلك نتوقع معارك فكرية حول (طه حسين أم عباس العقاد) و (زكي نجيب محمود أم عبد الرحمن بدوي) و (أم كلثوم أم عبد الوهاب)  و(عبد الناصر أم السادات)  وحيث أننا شعب "دمه حامي" فقد تتطور تلك المناقشات إلى معارك، ما الحل؟ هذا يأخذنا للنقطة التالية.

 يجب أن نعرف كيف تسند قطع البناء بعضها بعضاً؟ كيف تتحد الفلسفة والعلوم والفنون والآداب والإقتصاد والسياسة وحتى الألعاب الرياضية؟ الاقتصاد هو قاطرة جميع الأنشطة بما فيها العلوم والفنون ولكن الاقتصاد نفسه يحتاج إلى توجيه وهذا التوجيه يأتي من الفلسفة والسياسة بل وفي بعض الأحيان من التكنولوجيا وهو بذلك يتأثر ويؤثر في السياسة وهكذا نجد أن معرفة كيف تتأثر كل من الأنشطة التي تبني الوطن ببعضها تساعد على بناء استراتيجية كاملة لبناء وطن متقدم، لكن تلك المعرفة وحدها لا تكفي.

 يجب أن ندرس تاريخ كل من أثَّروا في كل طوبة من بناء الوطن، ففي الاقتصاد يجب أن ندرس تجارب طلعت حرب وفي العلوم تجارب علمائنا من الرعيل الأول في القرن العشرين بل وقد نرجع حتى ندرس تجربة محمد علي في إرسال البعثات العلمية وكيف حدد العلوم التي يحتاجها وماذا نجح في تلك التجارب؟ وماذا فشل؟ ولماذا فشل ما فشل؟ ولماذا نجح ما نجح؟ وكيف يمكن الاستفادة من تلك التحليلات؟ وهل يمكن تطبيق الناجح منها في عصرنا هذا أم يجب إجراء بعض التعديلات؟  لكن يجب أن نضع نصب أعيننا أنه ليس كل شيء إما ناجح أو فاشل أبيض أو أسود بل أن أغلب التجارب تقع في مكان ما بين تلك الحدين، إذا رأيت من تناقشه ينتقل من حد إلى الحد الآخر فإعرف أنه لا يفكر بمنطقية ونلاحظ ذلك كثيراً في أحاديثنا اليومية وإليك عزيزي القاري بعض الأمثلة من كلامنا اليومي (- إنت لابس تقيل كده ليه؟ - يعني أمشي عريان) (-إنت أكلت قليل كده ليه؟ - يعني عايزني أموت من التخمة؟) وهكذا ترى أننا تعودنا أن نتحرك من النقيض إلى النقيض وهذا ضد التفكير المنطقي ويعوقنا عن الاستفادة من دروس وتجارب الماضي.

 إذا أردنا كتابة كتاب "هؤلاء صنعوا مصر" وتكلمنا عن خمسين شخصية كان لها أكبر الأثر في تشكيل مصر فكم شخصية علمية سيحتويها هذا الكتاب في مقابل الشخصيات الثقافية والرياضية والفنية؟ سأترك إجابة هذا السؤال لك عزيزي القارئ لأني أعتقد أن كل قارئ سيكون له رأي مختلف ولكن المهم أن يكون رأيك له سبب منطقي، لاحظ أن الفنون والآداب والرياضة من قوة مصر الناعمة  التي تؤثر على الدول الأخرى وفي نفس الوقت تؤثر على الداخل وتبنيه أو تهدمه.

 طبعاً كل شخص يقوم بعمله بإتقان وتفان يساهم في بناء وتطوير بلده ولكننا نتكلم هنا عن من كان لهم تأثير عابر للأجيال، هؤلاء الأشخاص فهموا وضع بلدهم الراهن واستوعبوا تجارب السابقين في بلادهم أو البلاد الأخرى في مجالهم ونقلوا هذه التجارب (مع بعض التعديلات إذا لزم الأمر) لبلادهم ونصب أعينهم المستقبل، إذا فهؤلاء الأشخاص يجب أن يكون لهم مشروع يهبون له حياتهم.

 إذا أردت أن تعرف تاريخ بلدك وحاضرها حاول كتابة قائمتك عن الخمسين الذين بنوا مصر.

 

 

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved