نزع الأقنعة عن (أهل كايرو)
كمال رمزي
آخر تحديث:
السبت 4 سبتمبر 2010 - 10:05 ص
بتوقيت القاهرة
نفحة الحداثة الواضحة فى مسلسل «أهل كايرو» تنعش الآمال فى سرد جديد بأسلوب يختلف عن المعتاد والمكرر فى الدراما المصرية. هنا، يتحرر العمل من أغلال حكاية الأسرة المغلقة على نفسها، ذات البداية والوسط والنهاية، التى تدور حول أشرار وخيرين، تتابع الكاميرا أحاديثهم، فى صالات الشقق وعلى المقاهى ومكاتب العمل، وتأتى انفعالات الممثلين متراوحة بين المحبة والعطف والكراهية والغضب. وغالبا، تندلع الصراعات على ميراث أو خيانات زوجية أو غدر ربما بلا مبرر معقول.
فى «أهل كايرو» تتسع الرؤية لتشمل مجتمعا كاملا، أو عاصمة كبيرة إن شئت الدقة، ومنذ الحلقات الأولى، الساخنة، يتجلى ذكاء النص الذى كتبه بلال فضل، فأثناء حفل زفاف «صافى»، فى واحد من أفخم فنادق القاهرة، يبدأ السيناريو، فورا، فى نزع هالات الوقار والاحترام من السادة، الكبار اسما، الصغار جوهرا، فالوزير السابق، على سبيل المثال، الذى وصل لمرحلة الهذيان من شدة السكر، يهاجم رجل الأعمال المتأنق، الخارج من السجن حديثا، ويتهمه بمحاولة بيع البلد، فيجيبه رجل الأعمال، بثقة: هل تركت أنت وأمثالك شيئا فى البلد يمكن أن يباع؟
ويدرك المتابع أن كلا من الرجلين على صواب، وتتوالى مشاهد الحلقات، داخل القاعة، لتبين المزيد من الحقائق، وأهمها علاقة «العروس» بعدد كبير من ذوى المراكز المرموقة، نفوذا وثروة، وكلها أواصر فى مستوى الشبهات.
والأهم، من الناحية الفنية، تلك النكهة الإبداعية، ذات الخصوصية الفريدة، فى تجسيد الحفلة، خاصة فيما يتعلق باليقظة التى تتسم بها كاميرا المصورة المتميزة، نانسى عبدالفتاح، التى تكاد تتحول إلى عين بشرية، شغوفة بحب الاستطلاع، تتحرك بنشاط، تقتحم تفاصيل تعبير هذا الوجه أو ذاك، تنتقل بسرعة ونعومة من موقع لآخر، ولا يفوتها رصد المشهد العام.
ولاحقا، تتجاوز الكاميرا دورها كعين بشرية لتتحول إلى عقل يتأمل ويفكر ويقارن ويعلن، فإذا كان ثراء القاهرة يبدو واضحا فى واجهة الفندق الشاهق، وفى عدد السيارات التى تمرق أو تتزاحم فى الطرقات، فإن فقر العاصمة، ببيوتها الدميمة، وقذارة أسطح بيوتها، تفضحه مصورتنا الموهوبة، نانسى، على نحو عفوى، فى «فلاش باك»، بين «العروس» وحبيبها القديم، المهجور، المتواضع الحال، قبل أن تبدأ رحلة صعودها.
تثمين عنصر التصوير فى «أهل كايرو» لا يعنى تواضع بقية العناصر، فالمصور، منذ البداية، ينفذ ويضيف ما اتفق عليه، خاصة مع المخرج، وهو هنا، محمد على، المايسترو، الذى حقق تناغما بديعا بين أداء تمثيلى صادق وواقعى ومقنع، مع منح كل شخصية خصوصية نفسية، يستوى فى هذا الجميع، أصحاب الأدوار الأساسية والهامشية، الأمر الذى يستحق وقفة مستقلة. نفحة الحداثة تتأكد خلال المونتاج المتدفق الذى حققته نادية حسن، المستوعبة لأساليب «الفيديو كليب»، ولكن على نحو محسوب بدقة، فضلا عن جرأتها فى تقسيم الشاشة إلى قسمين، سواء فى الزمن الواحد، أو فى زمنين مختلفين.
العروس فى «أهل كايرو»، تلقى حتفها ذبحا.. فمن الذى قتلها؟ أيا كان المجرم، فإن المسلسل، بأفقه الواسع، يوحى أن القاتل، من الممكن أن يكون أى واحد من الكبراء، نجوم المجتمع الراقى.. إنه مسلسل مشرف.