لغز العفو الرئاسى

فهمي هويدي
فهمي هويدي

آخر تحديث: الأحد 4 سبتمبر 2016 - 9:45 م بتوقيت القاهرة

ثمة شائعات متواترة عن «نية» إطلاق سراح دفعة من الشبان المعتقلين فى مصر. فمن قائل أن قائمة بأسماء ١٢٠ شخصا أرسلت إلى الجهات المعنية لفحصها تمهيدا لاتخاذ القرار بخصوصها، وقائل بأن الرقم ٣٠٠ وليس ١٢٠ شخصا. لكن الذى لم يختلف عليه أحد من الرواة أن النية قائمة والدراسة مستمرة، والقرار متوقع فى أى وقت. ورغم أن تلك الشائعات تبعث على بعض التفاؤل.
فإنها تثير قدرا لا يستهان به من البلبلة والحيرة.
أحد أهم أسباب الحيرة أن الكلام فى الموضوع أكثر من الأفعال. حتى يبدو وكأن القصد منه هو التهدئة والتسكين لا أكثر،
آية ذلك مثلا أن الحديث عن الوعد الرئاسى بإطلاق سراح الشباب (فى عام الشباب) مستمر منذ أواخر شهر ديسمبر عام ٢٠١٤، إذ تحدث الرئيس عبدالفتاح السيسى أثناء لقائه مع شباب الإعلاميين (فى ٣/١٢/٢٠١٤) عن أن الموضوع محل بحث أمام اللجان المختصة، وطبقا لما ذكره تقرير لصحيفة «اليوم السابع» (عدد ٢٢/١/٢٠١٥) فإن الرئيس تحدث فى الموضوع واعدا بحسمه خلال خمسين يوما. لكنه عاد وتطرق إليه مرة أخرى مكررا ذات الوعد أثناء زيارته للصين وأكد عليه فى الإمارات فى عام ٢٠١٥. وهذا العام تكرر الحديث مجددا فى الموضوع، وتم بالفعل صدور قرار بإطلاق سراح أكثر من ٧٠٠ شخص ممن تعدوا ثلاثة أرباع مدة محكومياتهم، لكن تبين أنهم من الجنائيين وليس السياسيين. وهو ما يعنى أن ملف السياسيين لايزال محل بحث ودراسة، حالات الشبان المرشحين للعفو مازالت تحت الفحص.
الأمر الذى يثير السؤال التالى: لماذا تنجز عملية الإفراج عن الجنائيين دون عوائق، فى حين أن ملف السياسيين يظل متعثرا دائما؟

قبل أن أحاول الإجابة عن السؤال أستأذن فى رواية قصة شخصية قصيرة، ذلك أنه فى الخمسينيات كنت سجينا فى سجن مصر.
كانت زنزانتى فى الطابق الأرضى، وليس فيها سوى «برش» خشن مفروش على الأسفلت. وكان فى الزنزانة المجاورة محمد العشماوى باشا وزير المعارف الأسبق. الذى اعتقل آنذاك لإجبار ابنه المستشار حسن العشماوى الذى كان مطلوبا ومختفيا على تسليم نفسه. وتقديرا لمقام الرجل الطاعن فى السن فإنه أعطى «مرتبة» لكى ينام عليها، إلا أننى كنت أشاهد من النافذة العلوية للباب رجلا يعامل باحترام خاص، إذ زودت زنزانته بسرير وطاولة ومقعد، الأمر الذى أثار فضولى، فحرصت على أن أتعرف على قصته بحكم أننا «زملاء» فى سجن واحد.
علمت حينذاك أنه متهم فى قضية «دعارة». وإن صدمنى ذلك وأدهشنى فإننى تعلمت من القصة أن المتهم فى الدعارة فى نظر النظام والجهاز الأمنى أفضل حالا من السجين السياسى، ويبدو أن هذه «العقيدة» لم تتغير حتى الآن. الأمر الذى قد يفسر لماذا يتأخر إطلاق سراح المسجونين السياسيين ويستغرق وقتا أطول بكثير من السجين الجنائى.

وإذ أتمنى ألا يكون ذلك صحيحا، فإن المشهد يثير أسئلة أخرى منها ما يلى: هل يطلق سراح هؤلاء لأنهم شباب أم لأنهم مظلومون؟ وما وضع مظلومية الآخرين من أطفال وشيوخ، وحالاتهم الصارخة مسجلة لدى الجهات المعنية؟ وهل يطلق سراح هؤلاء لأن منهم أناسا مشهورين أم لأن مظلوميتهم لاشك فيها؟ وكيف يمكن تعويض هؤلاء عن الأشهر والسنوات التى قضوها رغم الثقة فى براءتهم؟ وإذا كان من الجيد أن يطلق سراحهم، فإن من المفيد أن ندرس حالاتهم جيدا للتعرف على ظروف اعتقالهم، حتى لا يتكرر مع غيرهم ما حدث معهم؟ ثم، كم عدد المعتقلين فى سجون مصر، إذ يتداول الجميع الرقم ٤٠ ألفا فى حين يذكر مدير الشبكة العربية لمعلومات حقوق الإنسان المحامى جمال عيد أن عددهم ٦٠ ألفا؟ وهل إطلاق سراح عدة مئات هو لقطة للتهدئة أم أنه تعبير عن سياسة تستهدف إغلاق ذلك الملف الملئ بالأحزان والأوجاع والدموع؟
لا أعرف من يملك شجاعة الإجابة عن الأسئلة أو مناقشة ما تثيره من نقاط. لكن الذى أعرفه أن الأجهزة الأمنية فى مصر وعلى رأسها وزارة الداخلية دأبت على إنكار كل المعلومات التى يرددها الشهود وتوثقها التقارير الحقوقية المحلية والإقليمية والدولية، وتعتبر أن الهدف من كل ذلك هو الإساءة إلى سمعة مصر وإسقاط نظامها، فى حين أن صمتها وتجاهلها للموضوع يظل وصمة فى جبين مصر هى أكثر ما يشوه صورتها.

 

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved