علوانى والجمهور.. وقواعد التواصل الجديدة

عماد الدين حسين
عماد الدين حسين

آخر تحديث: الأربعاء 4 سبتمبر 2019 - 10:05 م بتوقيت القاهرة

السوشيال ميديا، غيرت طبيعة العلاقة بين المسئولين والجماهير، تغيرت بصورة جذرية.. لكن غالبية المسئولين لا يريدون إدراك ذلك، ويصرون على التفكير طبقا للطرق القديمة البائدة!!
هذا الإنكار يتسبب فى العديد من المشكلات، وآخرها ما حدث يوم السبت الماضى بين عضو مجلس إدارة النادى الأهلى رانيا علوانى، وبين بعض جماهير الأهلى، على موقع التغريدات القصيرة «تويتر»!.
علوانى سباحة ماهرة حصلت على العديد من الميداليات العربية والإفريقية وسجلت ارقاما قياسية، وهى طبيبة ماهرة، وعضو فى مجلس النواب. هى كتبت يوم السبت تغريدة تحيى فيها اللاعبين الذين أحرزوا ميداليات لمصر فى دورة الألعاب الإفريقية التى أقيمت بالمغرب، وفازت بها مصر برقم قياسى. علوانى قالت فى التغريدة «إن كرة القدم لا تعيش أفضل أحوالها وعلينا أن نشجع الألعاب الأخرى».
الذين علقوا عليها ــ ممن يفترض أنهم جماهير الأهلى ــ نسوا جوهر تغريدتها، وانتقدوها وانتقدوا مجلس الاهلى، ودخلوا معها فى سجال حول المدرب السويسرى الجديد رينيه فايلر.
علوانى دخلت فى سجال مع الجماهير، محاولة اقناعهم، انها لا تتدخل فى عمل اللجنة الفنية بالنادى المسئولة عن اختيار المدرب، الذى لا تعرفه. المعلقون ظلوا ينتقدون علوانى وأحدهم قال لها «روحى على المطبخ». رانيا غضبت جدا مما اعتبرته خروجا عن الأدب، وقالت لعمرو أديب فى برنامج الحكاية على «ام بى سى مصر»، إنها تجيد الطبخ، وقررت أن تغلق تويتر!!
أردت أن أسرد للقراء هذه القصة، لأنها نموذجية لطبيعة العلاقة الجديدة بين المسئول والجمهور.
يمكن أن نلتمس العذر لرانيا علوانى على غضبها مما تراه تجاوزا أخلاقيا، لكن الحل لا يكون بالانسحاب من وسائل الإعلام واغلاقها، بل البحث عن صيغة للتواصل مع المواطنين أو الجمهور المستهدف.
فى الماضى كان التواصل بين الجمهور والمسئولين فى الحكومة أو النقابات أو المؤسسات أو الأندية، غير مباشر ويتم من خلال الصحف الورقية، أو الفضائيات. الآن ومع وسائل التواصل الاجتماعى الحديثة صار التواصل مباشرا، ويمكن لأى مواطن أن يرد على المسئول فى التو واللحظة، من دون أى قدرة للمسئول على منعه أو حجبه أو حظره.
صار التواصل به قدر كبير من الندية والديمقراطية، لكن به قدر كبير من التجاوز وأحيانا اساءة الأدب.
القواعد التى تحكم هذا التواصل الراهن صارت مختلفة. أولا نحن لا نعرف دائما من هم الجمهور، أى لا يمكن التحقق منهم بصورة واضحة، ثم إنه لا توجد قواعد اشتباك، أو قواعد تحدد مدونة السلوكيات والأخلاقيات، مثلما هو موجود فى وسائل الإعلام التقليدية. والأهم أن هذا الجمهور، لا يمكن السيطرة عليه، وتوجيهه بالصورة التى كانت موجودة فى الماضى!!
علوانى كانت تتحدث بالمنطق التقليدى، وما ينبغى أن يكون. والجمهور الذى رد عليها تحدث بمنطقه الانفعالى، وبما يملكه من معلومات قد تكون ناقصة أو مشوشة.
هو يتعامل مع علوانى باعتبارها مسئولة منتخبة فى المجلس، وبالتالى عليها تقديم الأجوبة الكاملة، «التى ترضيهم». والمنطق يقول ان علوانى تملك الصورة الكاملة، وترى أن سلطة تعيين المدرب فى يد رئيس مجلس الإدارة، ولجنة الكرة التى عينها المجلس، والجمهور متحمس دائما فى ساحات السوشيال ميديا، لا يقنعه هذا التفسير العلوانى، ويريد حلولا عاجلة لمشاكل هى بطبيعتها متراكمة، ويعتقد كل مشجع انه اكثر خبرة فنية من يورجن كلوب وبيب جوارديولا!!
فى تقديرى أن علوانى اخطأت بالانفعال الزائد، أو بإعلانها الانسحاب من تويتر، حتى لو كان مبررا. الأصح أن تدرك قواعد لعبة الإعلام الجديدة، وتجيدها، لكى تعرف متى ترد ومتى تصمت ومتى تطنش. هناك نماذج فى الرياضة المصرية تجيد هذه اللعبة جيدا، بل بعضها قادر على الهجوم والاقتحام والفتونة بالحق والباطل!!
تطالب علوانى الجمهور الذى يعلق على التغريدات، بأن يكن مؤدبا، وهو مطلب بديهى، لكنه للأسف غير قابل للتطبيق، لأن نوعية الردود تتوقف على طبيعة الأخلاق والثقافة والقيم السائدة فى الشارع والمجتمع. وبما أن الحوار يتم فى تويتر، وليس فى الاعلام التقليدى المنضبط بالقواعد الصارمة، فلا يمكن التحكم فى نوعية الردود لنضمن أنها ستكون على «المازورة التقليدية» الآخذة فى الانقراض!!
قد تكون ردود بعض تعليقات الجماهير على السوشيال ميديا فظة ومنفلتة وخارجة أحيانا عن الذوق العام. الحل ليس الانتقاد او الانسحاب، بل توسيع دوائر الحوار والاستماع إلى الناس ومناقشتهم بصورة هادئة، وزيادة وعيهم، حتى يمكن نزع ألغام العنف اللفظى والتعصب، الذى انتقل من السياسة إلى الرياضة، رغم أن الاخيرة يفترض أنها تعمل على تهذيب سلوك الجميع ليتحلوا بالروح الرياضية.

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved