درس إنجليزى

أشرف البربرى
أشرف البربرى

آخر تحديث: الخميس 5 سبتمبر 2019 - 10:16 ص بتوقيت القاهرة

«سهرة برلمانية ممتعة» هذا هو العنوان المناسب للجلسة التى عقدها البرلمان البريطانى مساء أمس الأول الثلاثاء فور عودته من العطلة الصيفية، حيث تحركت أغلبية الأعضاء من أحزاب المعارضة والحزب الحاكم لقطع الطريق على رئيس الوزراء الشعبوى بوريس جونسون الذى قرر تهميش دور البرلمان فى التعامل مع ملف قرار خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبى.
فالمناقشات تحكمها القناعات والأفكار والمبادئ التى يؤمن بها العضو أكثر مما تحكمها اعتبارات المصلحة الشخصية أو حتى الحزبية، ورئيس الوزراء وهو رأس السلطة التنفيذية وفقا لنظام الحكم البرلمانى يجلس فى مرمى نيران الأعضاء الذين يتهمونه بالانقلاب على الدستور البريطانى غير المكتوب.
أثناء العطلة البرلمانية نجح جونسون المؤيد للخروج من الاتحاد فى الحصول على موافقة الملكة إليزابيث على قرار تعليق عمل البرلمان لمدة شهر اعتبارا من 12 سبتمبر الحالى، حتى يفلت من الرقابة البرلمانية على إجراءات الخروج من الاتحاد الأوروبى، وما دفع الكثيرين من أعضاء مجلس العموم البريطانى (البرلمان) من المعارضة وحزب المحافظين الحاكم إلى التنديد بالقرار باعتباره «انقلاب» ودعوا إلى التحرك فور عودة البرلمان للانعقاد لمواجهة القرار.
وفى هذه «السهرة البرلمانية الرائعة» رأينا سياسيين بريطانيين يرفعون شعار «عندما يتعرض الدستور والديمقراطية للخطر فلتذهب السلطة والمصالح الحزبية للجحيم» وليس الشعار المكذوب والمنسوب زورا وبهتانا لرئيس وزراء بريطانيا الأسبق ديفيد كاميرون «عندما يتعرض الأمن القومى لبريطانيا للخطر فلتذهب حقوق الإنسان للجحيم».
فوزير العدل السابق ديفيد جاويك الذى رفض الانضمام إلى حكومة جونسون، رغم أنه قيادى فى حزب المحافظين، قال إنه فى بعض الأوقات يكون عليك «الاختيار بين مصلحتك الشخصية والمصلحة الوطنية، وفى هذه الحالة يكون عليك الانحياز للمصلحة الوطنية»، لذلك اختار الانحياز إلى معسكر المعارضة رغم تهديدات جونسون بطرد النواب الذين سيصوتون لصالح المعارضة فى مجلس العموم من حزب المحافظين الحاكم.
وبالفعل صوت العديد من نواب حزب المحافظين ضد جونسون، رغم تهديده لهم بالفصل والدعوة إلى حل البرلمان وإجراء انتخابات برلمانية مبكرة، يواجهون فيه شبح الخسارة فى ظل تراجع شعبية حزب المحافظين.
ونفذ جونسون تهديده وقرر فصل 21 نائبا من حزب المحافظين ليستمروا فى البرلمان كأعضاء مستقلين ويفقدون الفرصة فى خوض الانتخابات المقبلة تحت راية الحزب، إذا لم تتغير الأمور.
الدرس الانجليزى المستفاد مما نراه، هو تأكيد للبديهيات التى تقول إن الديمقراطية والدستور هما حصانة الأمة فى مواجهة شطحات زعيم الحزب الحاكم، وأنهما الوسيلة الأمثل لترشيد سياسات السلطة التنفيذية، وأن المعارضة سواء كانت من داخل الدائرة الحاكمة أو من خارجها لا تعنى بأى حال من الأحوال تعريض أمن الأمة ومستقبلها للخطر، بل إن العكس هو الصحيح. وأخيرا فإن المعارضة الرشيدة تحتاج فى كل وقت إلى سلطة لا تملك الحق فى، ولا القدرة المطلقة على إيذاء المعارضين لمجرد أنهم معارضون.
بوريس جونسون الشعبوى، يرى أن البرلمان يعرقل التحرك نحو تنفيذ قرار خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبى وأن طبيعة المرحلة الدقيقة التى تمر بها بلاده لا تسمح برفاهية وجود أصوات معارضة، فقرر تعليق عمل البرلمان لمدة شهر، حتى «يرتاح» الشعب البريطانى «كلام السياسيين» الذين لا يقدرون خطورة الموقف، ولكن البريطانيين أثبتوا أن لـ«الديمقراطية أنياب» حقيقية تدافع بها عن نفسها فى مواجهة شطط السلطة وليست أنيابا للسلطة فى مواجهة المعارضة.

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved