تأثير أفغانستان: ماذا يجرى عندما تخرج إسرائيل من الضفة الغربية؟

من الصحافة الإسرائيلية
من الصحافة الإسرائيلية

آخر تحديث: السبت 4 سبتمبر 2021 - 7:10 م بتوقيت القاهرة

الأحداث التى رافقت الانسحاب الأمريكى من أفغانستان أدت إلى تبلور وعى فى الساحة الدولية أن ما حدث هو دليل على ضعف أمريكى وضعف الأنظمة التى جرت هندستها بما يتلاءم مع النمط الغربى. فى المقابل تتبلور سردية بشأن قوة التحمل الاستراتيجى للأطراف الجهادية وقدرتها الكبيرة على الصمود وإصرارها. والثابت أن هذه السردية هى مصدر إلهام لـ«حماس» والجهاد الإسلامى فى الساحة الفلسطينية. على هذه الخلفية يُطرح السؤال: هل من المتوقع حدوث سيناريو فى الساحة الفلسطينية مثل الذى حدث فى أفغانستان، عندما تُخلى إسرائيل مناطق فى الضفة الغربية فى إطار اتفاق مع السلطة الفلسطينية؟
علينا الأخذ فى حسابنا أن انسحابا إسرائيليا من الضفة الغربية أو من أجزاء كبيرة منها سيثير عدم الاستقرار فى الساحة الفلسطينية، على الأقل فى المدى المباشر والقصير، وبالتأكيد سيشجع «حماس» على محاولة توسيع نطاق سيطرتها. ومع ذلك:
سيطرة «حماس» إذا حدثت ومتى، لن تتحقق من دون صراع بين قوات الحركة وبين قوات «فتح»/السلطة. (بالإضافة إلى ذلك يمكن التقدير أن محاولة «حماس» توسيع سيطرتها إلى الضفة الغربية ستترافق مع اشتعال ساحة غزة أيضا).
من المتوقع أن يتخذ الصراع بين الذراع العسكرية لـ«حماس» وقوات السلطة الفلسطينية فى ظروف انسحاب إسرائيلى واسع من الضفة طابع حمام دم. البنية التحتية العسكرية للأجهزة الأمنية للسلطة راسخة وقوية أكثر من «حماس» فى الضفة الغربية، ومن المعقول ألا تقف إسرائيل موقف المتفرج، بل ستساعدها.
طبعا لا يمكن استبعاد إمكان تفكك الأجهزة الأمنية. وسيكون معنى ذلك فقدان سلطة مركزية فى الضفة. هنا يمكن أن تتطور عدة سيناريوهات، بينها:
أن يتوحد جزء من الأجهزة الأمنية مع ميليشيات «فتح» فى صراع مشترك ضد «حماس»؛ ــ دخول الفصائل فى صراع قوة ضد بعضها البعض بحسب ولاءاتها الإقليمية والعشائرية وعلاقتها بمراكز القوة فى صفوف السلطة.
من المعقول الافتراض أن الصراع الذى سينشأ فى الضفة الغربية سينزلق إلى أراضى إسرائيل، لأن عدم وجود سلطة مركزية سيطلق جماح العناصر المتطرفة، أو بهدف التسبب بتصعيد فى الساحة الإسرائيلية – الفلسطينية.
تدل هذه المعطيات الإقليمية، التى ستجر إسرائيل أو ستجبرها على التدخل إذا انزلق عدم الاستقرار والخصومة الداخلية الفلسطينية إلى أراضيها بعد انسحاب واسع من الضفة الغربية، على اختلاف جوهرى بين وضع إسرائيل فى المناطق الفلسطينية وبين وضع الولايات المتحدة فى أفغانستان. تستطيع الولايات المتحدة مغادرة أفغانستان من دون النظر وراءها، سواء بالنسبة إلى مكانتها كقوة عظمى (تستطيع أن تسمح لنفسها بأن تفعل ما تشاء)، أو لأنه لا يوجد قُرب جغرافى بينها وبين أفغانستان. فى مقابل ذلك لا يفصل بين إسرائيل وبين المناطق الفلسطينية محيط. إسرائيل ستكون متأهبة على طول الحدود مع الدولة الفلسطينية إذا قامت، ومن المعقول أن تتدخل وترد إذا برزت تهديدات لأمنها.
بالإضافة إلى ذلك: محاولات طرح تداعيات الحدث الأفغانى على ما سيحدث مستقبلا فى الساحة الإسرائيلية ــ الفلسطينية للتحذير من مغبة إخلاء مناطق تتركز على الناحية الأمنية. لكن ليس من الصائب التركيز على هذه الناحية فقط. يجب الأخذ فى الحسبان الوضع الحالى فى ساحة النزاع الذى تنزلق إسرائيل فى إطاره إلى واقع الدولة الواحدة ــ مع كل تداعياته السياسية ــ الاجتماعية والقيم السلبية التى ترافقه. ويجب موازنة هذه التداعيات مع التداعيات الإيجابية للانفصال عن الفلسطينيين، سواء بالنسبة إلى ترسيم الحدود الدائمة لإسرائيل، وتسوية المنظومة السياسية – الاجتماعية فى إسرائيل نفسها، أو حل النزاع الإسرائيلى – الفلسطينى فى المدى البعيد، وفى هذا الإطار تحصين موقع إسرائيل فى المنطقة.
فيما يتعلق بالناحية السياسية ــ من المهم رؤية الاختلاف بين الحدثين. مشهد الانسحاب من أفغانستان يثير حرجا فى أوساط الإدارة الأمريكية والجمهور الأمريكى، لكن ليس من المتوقع بروز تمرد أو اضطرابات واسعة النطاق مع الانسحاب وضده. فى مقابل ذلك، يمكن الافتراض أن إخلاء الضفة الغربية، وأى حديث فعلى عن نية القيام بذلك، سيثيران اضطرابات شعبية وسياسية واسعة فى إسرائيل. وستكون إسرائيل بحاجة إلى الكثير من التصميم وطول النفَس والشجاعة السياسية من أجل تهدئة الأجواء وتحقيق قرارات الإخلاء.
قبل كل شىء يجب استخلاص الدروس بشأن صلاحية الضمانات الدولية والاعتماد على قوات الأمن الفلسطينية، وتحديدا فعالية التدريب والإعداد اللذين قدمتهما وتقدمهما أجهزة دولية، والتى تشكل غطاء جيدا لكنْ فارغ المضمون. من الصعب التقدير أن القوات المحلية ستصمد فى وجه الأحداث فى يوم تنفيذ أمر الإخلاء. لذلك فإن التطورات فى أفغانستان تبرر المطالبة الإسرائيلية المعروفة بأنه فى أى خطة تسوية تشمل إخلاء فى الضفة الغربية سيحافظ الجيش الإسرائيلى على حرية العمل العسكرى فى المنطقة إذا احتاج الأمر إلى ذلك. ومن الصعب التقدير أن إسرائيل ستسمح لـ«حماس» بالسيطرة على الضفة والمقاطعة كما سيطرت حركة طالبان على كابول.
لكن هذا كله يجب ألا يمنع السعى لتسويات سياسية بين إسرائيل والشعب الفلسطينى تؤدى إلى الانفصال وخلق واقع كيانين سياسيين منفردين. أيضا الحلول التى يقدمها معارضو الانفصال للوضع القائم لا تضمن عدم وجود تحديات أمنية. فى جميع الأحوال من الأفضل أن يحدث الانفصال بالتنسيق مع السلطة الفلسطينية ضمن إطار تفاهمات مرفقة بأفق سياسى.

عينات كورتس
الموقع الإلكترونى N12
باحثة فى معهد دراسات الأمن القومىي
مؤسسة الدراسات الفلسطينية

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved