عندما يكون الفساد مقاس «XXL»

أميمة كمال
أميمة كمال

آخر تحديث: الأحد 4 أكتوبر 2009 - 10:25 ص بتوقيت القاهرة

 لو كنت مكان أحد الموظفين اللذين يعملان فى فندق «كلوت بك» والتى أمرت محكمة جنح الأزبكية منذ أيام بحبسهما ثلاثة أشهر، لأنهما باعا تذاكر الصعيد بزيادة 20 جنيها فى التذكرة، لما كنت سكت على هذا.

خاصة أن هذا التربح الذى حققه كل من الموظفين تقاسم معهما فيه ثلاثة موظفين آخرين يعملون فى محطة مصر.

وإذا كان دليل الإدانة على الموظفين الخمسة المنفلتين هو 377 تذكرة، كانت فى حوزتهم، إذن فإن كل منفلت فيهم تحصل على فلوس حرام قدرها 1508 جنيهات.

لو كنت مكان أحد منهما لرفعت دعوى على الحكومة أطالبها فيها بمساواتى مع منفلتين آخرين فى المجتمع تترفق بهم وتعدّل من أجلهم القوانين ليصبح القانون على مقاس «XXL» أى معادل لنفس مقاس فسادهم.

ولن يكلفنى الأمر كثيرا لإثبات أن عدم المساواة بين المفسدين الصغار ونظرائهم من المقاس الكبير يخلق ضغينة بين مجتمع الفاسدين ويجعل الصغير يغير من الكبير، كما يحمل شبهة عدم دستورية، حيث ينص الدستور فى المادة (40) على مساواة المصريين فى الحقوق والواجبات ولا تمييز بينهم بسبب الدين أو العقيدة أو اللغة، ومن ضمن الحقوق حق الحساب والعقاب الواحد.

لو كنت مكان أحد الموظفين المنفلتين لاتهمت الحكومة فى الدعوى التى سأرفعها بأنها رحيمة مع الكبائر من الجرائم، وغليظة القلب مع الصغائر منها. وسوف أقدم ضمن المستندات بعضا مما قاله أحمد البردعى رئيس بنك القاهرة السابق فى حديثه للزميلة «المصرى اليوم» من أن 40 عميلا لبنك القاهرة حصلوا على 75% من القروض، و11 عميلا منهم حصلوا على أكثر من 12 مليار جنيه، وكلها قروض رديئة، توقف أصحابها عن السداد. وكانت قروض هؤلاء العملاء تساوى 5 أضعاف رأس مال البنك.

ويكمل شهادته بأن كثيرا من المتعثرين حصلوا على أموال البنوك عن طريق تقديم مستندات مزورة أو عن طريق التلاعب والنصب.

ومع ذلك جاء التعديل فى قانون البنوك فى المادة (133) ليسمح للبنوك بإجراء تسويات مع المتعثرين ولا يشترط الحصول على كل الأموال التى اقترضوها ولكن يمكن القبول بـ50% منها وبمقتضى هذه التسوية يخرج من حصل على أموال البنوك ولم يسددها بالكامل من السجن بريئا حتى لو كان مزوا أو نصابا.

أى أن الذين نهبوا أموال البنوك لم يخرجوا بفعلتهم وهم مرفوعو الرأس باعتبارهم أبرياء فقط، ولكن أيضا وهم رابحون لأنهم لم يسددوا الأموال التى اقترضوها بالكامل.

وبالطبع لن تعدم الحكومة الحجج لتبرير لماذا ينفطر قلبها على الفاسدين من المقاس الكبير والكبير جدا ولماذا هى كالحجر مع هؤلاء الذين يقضون شهورا فى السجن بسبب فساد من مقاس الألف جنيه.

وسأقدم ضمن أوراق الدعوى التى سأتقدم بها مستندا آخر، وهو قائمة (أغنياء أمريكا) التى أعلنت عنها مجلة فوربس الأمريكية منذ أيام والتى تذكر فيها أن ثانى أثرياء أمريكا لهذا العام وهو الملياردير «وارين بووفيت» هو الآن نزيل أحد السجون الأمريكية من جراء قيامه بالاحتيال والنصب، وكذلك رجل الأعمال «إيلين ستانفورد» الذى يرقد الآن على «البورش الأمريكى» فى سجن تكساس بتهمة النصب.

ما أقساها قلوب الأمريكان الذين لم يرحموا كبارهم من أغنى أغنياء العالم ورموا بهم فى غياهب السجون. ولم يستفيدوا قط من خبرات نظرائهم من ضعاف القلوب فى الحكومة المصرية الذين لم تتحمل مشاعرهم أن يروا كبيرا فى البلد ينام على «البورش المصرى» فى سجن طرة.

ولن أقصر أمثلة الرحمة الحكومية على ذلك الفساد من مقاس «XXL» ولكن أيضا سأقدم دليلا آخر على مقاس «L» وهو الرفق الذى تعاملت به الحكومة مع أصحاب المخابز البلدية الذين يحصلون على دقيق مدعم ويثبت عليهم مخالفة المواصفات بالفعل. فطبقا لرقة قلب الحكومة مع هؤلاء السادة المخالفين سوف تخفض العقوبة عليهم فى حالة ما إذا ثبت أنهم ينتجون خبزا مدعما ناقصا للوزن بمقدار من 20 إلى 30 جراما فى الرغيف الواحد، وتقتصر العقوبة على دفعهم لثمن الدقيق بالسعر الحر. هذا هو عقابهم الذى صدر قرار من وزارة التضامن الاجتماعى بتخفيفه منذ أيام.

والرحمة الحكومية مع الفاسدين «الكبار جدا» أو «النص النص» هى ذاتها. فيكفى أن ترسل الحكومة برسالة مفادها «خالفوا كما شئتم إذا أفلتم من الجريمة كان
بها، وإذا لاقدر الله وقعتوا ادفعوا قرشين واخرجوا منها سالمين حاملين صك البراءة».

وبناء عليه، فإننى سوف أطالب فى دعواى بأن يتساوى موظف كلوت بك بهذا الكبير أو ذاك ويدفع 1508 جنيهات ويخرج هو الآخر براءة، أو ليدخل الجميع السجن دون تفرقة. الفاسد «XXL» إلى جانب نظيره الـ«SMALL» هذا منتهى العدل.





هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved