عودة إلى «سلام الشجعان»

محمد سعد عبدالحفيظ
محمد سعد عبدالحفيظ

آخر تحديث: الأحد 4 أكتوبر 2015 - 6:25 ص بتوقيت القاهرة

فى سبتمبر عام 1982، اعتمدت القمة العربية المنعقدة بمدينة فاس المغربية، المبادرة التى أطلقها ولى العهد السعودى آنذاك فهد بن عبدالعزيز، لإنهاء الصراع العربى الإسرائيلى، فيما عرف حينها بمشروع السلام العربى، الذى تضمن انسحاب إسرائيل من جميع الأراضى العربية التى احتلت عام 1967 بما فيها القدس العربية، وتأكيد حق الشعب الفلسطينى فى العودة، مقابل اعتراف العرب بدولة إسرائيل.

المبادرة التى أطلقها الأمير فهد، جاءت بعد ضغوط أمريكية على دول المنطقة، التى أعلنت رفضها لمعاهدة كامب ديفيد بين مصر وإسرائيل. وزير الخارجية الأمريكى حينها ألكسندر هيج، أجرى زيارة لعدة عواصم عربية، داعيا إلى قيام شرق أوسط جديد، وأطلق تصريحه الشهير قائلا «إذا كان أصدقاؤنا العرب على استعداد أكبر لركوب المخاطر من أجل السلام مع الإسرائيليين فإن التعاون فى مجال الأمن سيكون سهلا».

تخلى العرب عن الخيار العسكرى فى مواجهة العدو الإسرائيلى، واعتمدوا الخيار السياسى، ورهنوا الاعتراف بإسرائيل، بقبولها المبادرة السعودية، لم يتأخر الرد الإسرئيلى، وبادر جيش الاحتلال باجتياح بيروت، وارتكب مجازر «صبرا» و«شاتيلا» بعد أسبوع واحد من إعلان مشروع السلام العربى.

بعد 20 عاما من قمة فاس، أعلن ولى العهد السعودى الأمير عبدالله بن عبدالعزيز فى بداية مارس عام2002 عن مبادرة ثانية، وأشارت المعلومات الدبلوماسية، إلى أن الولايات المتحدة طلبت طرح المبادرة على قمة بيروت، وذلك للاعتراف الكامل بإسرائيل، ووقف الانتفاضة والتوصل إلى تسوية نهائية للصراع، وانعقد مؤتمر القمة العربى فى بيروت، وبالرغم من المناوشات الليبية والسورية التى شهدتها القمة، ألا أنها وافقت على المبادرة الجديدة، وأكدت فى بيانها الختامى، على أن «السلام العادل هو خيارها الاستراتيجى تنفيذا لقرارات مجلس الأمن 242 و338 ولمبدأ الأرض مقابل السلام، والتوصل إلى حل يتفق عليه لمشكلة اللاجئين وفقا للقرار 194. عندئذ تقوم الدول العربية باعتبار الصراع العربى ­الإسرائيلى منتهيا، والدخول فى اتفاقية سلام بينها وبين إسرائيل، وإنشاء علاقات طبيعية معها فى إطار هذا السلام الشامل». ‏

وقبل أن يجف حبر مبادرة السلام العربية، وبأقل من ساعة، صعد رئيس الوزراء الإسرائيلى حينها، إرييل شارون، حرب الإبادة على الشعب الفلسطينى، واقتحمت قواته مدينتى رام الله والبيرة، وحاصرت رئيس السلطة الفلسطينية الراحل ياسر عرفات، فى غرفتين بمقره، وانتهى الأمر بموته مغدورا. ‏

وواصلت آلة القتل الصهيونية جرائمها فى مخيمات جنين وبلاطة ورفح وخان يونس والبلدة القديمة فى نابلس، واغتالت الشيخ أحمد ياسين والدكتور عبدالعزيز الرنتيسى، والمئات من أبناء الشعب الفلسطينى. ‏

مطلع الأسبوع الماضى، دعا الرئيس عبدالفتاح السيسى، إلى «توسيع معاهدة السلام بين مصر وإسرائيل لتشمل المزيد من الدول العربية»، الدعوة التى أطلقها الرئيس من نيويورك فى حواره مع وكالة «أسوشيتدبرس» على هامش حضوره اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة، تزامنت مع اجتياح قوات جيش الاحتلال للمسجد الأقصى، ومهاجمة المرابطين فيه بقنابل الدخان والأعيرة المطاطية، ومنع دخول المصلين إليه.

كلما مد العرب أيديهم بـ«سلام الشجعان»، ردت إسرائيل على دعوتهم بالدم. إسرائيل لا تريد سلام ولا اعتراف. إسرائيل تسعى إلى إخضاع العرب وإهانتهم وكسر إرادتهم.

لقد تم تفكيك المنطقة، وتحقق ما بشر به وزير الخارجية الأمريكى الأسبق، ألكسندر هيج، بضرورة قيام «شرق أوسط جديد»، فدول الطوق أصبحت خارج أى معادلة، وما تبقى من الجيوش العربية منشغل بمواجهة الجماعات الإرهابية التى تم زرعها، لتحصد إسرائيل ثمار هذه الحالة.

لن تحترم إسرائيل الحكام العرب، إلا لو احترم هؤلاء الحكام شعوبهم. ولن نستطيع مجابهة الغطرسة الإسرئيلية إلا بإرساء مبادئ الديمقراطية والتعددية وتداول السلطة، لنتمكن من إعادة بناء بلادنا على أسس سليمة.

 

محمد سعد عبدالحفيظ
saadlib75@gmail.com

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved