تطييب الخواطر!

خالد سيد أحمد
خالد سيد أحمد

آخر تحديث: الجمعة 4 أكتوبر 2019 - 10:35 م بتوقيت القاهرة

كيف يمكن النظر إلى الإجراءات الاقتصادية الأخيرة التى اتخذتها الحكومة، خاصة ما يتعلق بتخفيض أسعار الوقود 25 قرشًا، وعودة بعض المحذوفين لبطاقات التموين؟ هل نعتبرها رشوة لتهدئة الغاضبين كما يردد البعض، أم مقدمة لإصلاح حقيقى يقود فى النهاية إلى «تعديل المسار» كما يتمنى الكثيرون؟
توصيف ما حدث باعتباره رشوة، يبدو حكما شديد القسوة فى مجمله، ويعبر عن وجهة نظر فئات لديها موقف مسبق وقناعة راسخة ورفض تام، لكل ما تقوم به الحكومة والنظام الذى تعمل تحت مظلته، وهو امر بات واضحا وجليًا للجميع منذ الثالث من يوليو ٢٠١٣، عندما تفرقت السبل واختلفت الآراء وتراكم العداء بين تلك الفئات والسلطة القائمة.
اما النظر إلى ما تم اتخاذه من قرارات حكومية، باعتباره مقدمة لإصلاح حقيقى، فهو أيضا مبالغة فى التقدير، لا تجد ما يدعمها على أرض الواقع، واستعجال فى الاستنتاجات ربما يأتى بنتائج تنعكس سلبا على من يتمنى تعديلا جذريا للمسار الاقتصادى فى البلاد، خصوصا بعدما اتضح للجميع، غياب فقه الأولويات والقرارات الاقتصادية الخاطئة التى كلفت الدولة أموالًا وديونًا طائلة، لم تكن هناك مبررات لها.
إذن يجب النظر لما اتخذته الحكومة من قرارات، باعتباره ليس أكثر من مجرد «تطييب خواطر» القطاع الأكبر من الشعب، الذى تحمل وحده عبء وفاتورة برنامج الإصلاح الاقتصادى بدون ان يدعمه احد أو حتى يستمع لآلامه وهمومه المتزايدة لوقت طويل، فى حين كانت هناك فئات أخرى فى المجتمع، حرصت الحكومة على ان تشملها بالعطف والرعاية اللا محدودة، رغم ان أوضاعها أفضل مائة مرة من بقية الشعب.
ما حدث هو «تطييب خواطر» لهذا القطاع العريض، الذى لم ينزل إلى الشارع للتعبير عن غضبه جراء الأوضاع الصعبة التى يواجهها، رغم كل الدعوات التحريضية التى قامت بها جماعات ووسائل اعلام خارجية ونشطاء على مواقع التواصل الاجتماعى، حاولوا اللعب على وتر أزمة هذا القطاع العريض ومعاناته الإنسانية، لكنه فضل استقرار بلاده على الزج بها إلى أتون فوضى واضطراب وصراع غير محمود العواقب، ان حدث ــ لا قدر الله ــ فلن تقوم لها قائمة مرة أخرى فى المدى المنظور.
«تطييب الخواطر» خطوة مهمة بلاشك، لكنها ليست كافية للقول بأنها مقدمة لإصلاح حقيقى يفضى إلى تعديل المسار، الذى تحتاجه البلاد بشدة، حتى تخرج من ازمتها الراهنة، ويعيد ترتيب سلم الأولويات على نحو يحقق العدالة والرضا العام بين جميع فئات الشعب، بحيث لا يشعر احد بالغبن فى هذا الوطن.
الإصلاح الحقيقى يجب ان يكون بناء على قناعة راسخة بأهميته فى عبور أزمات البلاد السياسية والاقتصادية والاجتماعية، وليس مجرد كونه رد فعل للتغلب على عواصف قوية هبت بدون سابق إنذار على البلاد، وتسبب فى حالة من الإرباك للجميع على جميع المستويات.
الإصلاح الحقيقى ينبغى ان تكون له اجندة واضحة محددة المعالم، ولا تستثنى مجالًا باعتبار ان وقته لم يحن بعد.. بمعنى اخر لا يمكن ان يكون هناك اصلاح يستثنى الحريات تحت مبرر محاربتنا للإرهاب، أو اصلاح يفرض قيودا على الإعلام بحجة الاصطفاف خلف الدولة، أو إصلاح يقيد المجال العام، بحجة اننا نتعرض لمؤامرة من الجميع!
ما حدث خلال الأسابيع الأخيرة، جعل الإصلاح فرض عين على الحكومة وليس فرض كفاية، وعليها الا تتأخر فى تنفيذه، وأن تكون مستعدة لدفع فواتيره المتأخرة.. فهل لديها الرغبة والقدرة لفعل ذلك من اجل اخراج بلادنا من أزمتها ووضعها على الطريق الصحيحة، حتى تستعيد مكانتها اللائقة فى المنطقة والعالم؟ أم ستكتفى بتطييب الخواطر فقط؟

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved