عيد المعلم فى زمن التكنولوجيا؟

ايمان رسلان
ايمان رسلان

آخر تحديث: الأحد 4 أكتوبر 2020 - 10:10 م بتوقيت القاهرة

أرسل الموقع التكنولوجى العالمى رسالة يذكرنى بموعد عيد المعلم فى الخامس من أكتوبر، وهو اليوم الذى حددته اليونيسكو سنويا للاحتفال بالمعلم ودوره التربوى والتعليمى.
أعادتنى مفكرة التكنولوجيا وإلحاحها المستمر إلى المفارقة الحالية والتى يعيش بها العالم الآن فى قضايا التعلم، فكيف سنحتفل ونكرم المعلم فى وقت تم اعتماد ونشر تطبيق إلكترونى اسمه المعلم (الأون لاين) وهل سيستمر بيت الشعر التاريخى عن المعلم فى عيده ويصبح الرسول تحت الطلب وأون لاين بضغطة على الزر لتأسيس علم تربوى وتعليمى جديد؟
فالمناسبة هامة بالفعل وبجانب الخطب والشعر تستدعى الحوار الجاد وطرح الأفكار على المجتمع كله وليس الأكاديمى فقط ومنها هل تستمر العملية التعليمية تفاعلية وسليمة بين التلميذ والمعلم فى مستقبل الأيام عبر شاشة أيا كان حجمها؟ وهل ستختفى المدرسة، مكان عمل المعلم، وتصبح افتراضية وتحت الطلب أيضا!
***
فالأسئلة المطروحة عالميا الآن كثيرة ومتنوعة وتفصيلية ولكنها تعانى من عدم اليقين وتَوَفُّر الإجابات الحاسمة فى علوم التربية، فالواقع المدرسى فى العالم الآن يفرض ضرورة البحث عن إجابات والتوافق حولها ولن يتم ذلك وفق نموذج إجابة واحد ومطلق وإنما من خلال مناقشات علمية وتجريبية، فقضية المعلم أون لاين وما يتفرع عنها من قضايا هى تفاعلات فكرية تؤثر فى حياتنا اليومية فقضايا التعليم قضايا إنسانية لها سمة عامة وعالمية وليست محلية فقط لأن التعليم شأن الصحة قضية تخص البشر جميعا، لذا فمن المتصور بل والضرورى أن تقوم منظمة اليونيسكو بدور فى ذلك وتكمل وتواكب طرحها مثلما طرحت الاحتفال بعيد المعلم عالميا وأن تبادر فى مناقشة لمفهوم وصورة المعلم مستقبلا فى ظل التكنولوجيا، وتطرحها للنقاش الدولى وأن تعقد له الدراسات المتخصصة والمؤتمرات والموائد المستديرة حتى لو تم ذلك بتطبيقات الأون لاين أيضا، وهى بذلك المسلك والتوجه ستساعد وتحفز التفكير محليا وفى مختلف الدول لدراسة هذا العنوان فمن خلال الطرح الدولى للمنظمة ستنشغل به مراكز الأبحاث والمنظمات المحلية المختصة أو معاهد التربية التى تعد المعلم للعمل والممارسة، فقضايا التعليم لا تقل أهمية عن مواجهة الإرهاب وغيره من القضايا التى أصبح لها صفة (الهم) العالمى المشترك بل إن جزءا من أسباب هذه الظواهر يعود فى الأساس إلى المعلم وتكوينه وتأهيله فقضية المعلم والتدريس هى قضايا الحاضر والمستقبل معا، ولا يمكن إهمال التطبيق الحالى، الأون لاين وتحت الطلب بضغطة زر، واعتبرها قضايا محلية خاصة وأن البعض أصبح يدعمها الآن ويروج لها وبقوة خاصة من جانب مسئولى التعليم فى بعض الدول الذين يملكون زمام الأمور للتطبيق فوجدنا بعض الدول حتى فى محيطنا العربى تنادى باعتماده فورا ليصبح طويل المدى للمستقبل وليس للتطبيق المؤقت فى ظل مواجهة أزمة الوباء العالمى الحالى بينما يتريث أصحاب الاختراع نفسه من تعميمه للمستقبل!!
كما إن طرح القضية للنقاش بين المتخصصين أولا، سيساعد ويفتح الباب لتطوير علوم التربية نفسها والتخصصات المختلفة به وكذلك ستفتح منافذ الحوار والعلاقة بين مختلف العلوم الأخرى بدلا من سياسات الجزر العلمية والتعليمية المنعزلة بما فيها وزارة التعليم التى أصبحت تخطط وتغرد منفردة الآن للتعليم، وبذلك تتظافر مختلف التخصصات فى دراسات بينية مشتركة فى التعاون والوصول إلى رأى أو حتى شبه رأى عن الشكل والتطبيق لمستقبل التدريس ووظيفة المعلم وتهتدى بها مختلف الدول فى هذه المرحلة الانتقالية والهامة فى تاريخ التعليم العالمى والذى يحمل جنين المستقبل معه.
فمثلا لماذا لا يتم الاستعانة بمفردات وأدوات علم الكيمياء فى تفسير ظاهرة أهمية أو لا أهمية التطبيق التكنولوجى (المعلم أون لاين)؟ وأذكر أن معلمى بمادة العلوم فى الشهادة الابتدائية، كان أول من تحدث معنا عمليا عن المركبات الوسيطة والمساعدة بل أخذنا إلى المعمل المدرسى لنشاهد تجارب حية للتفاعل الكيميائى. أوضح لنا ذلك الأستاذ محمد الذى لا يمكن أن أنسى اسمه وطريقة تدريسه منذ سبعينيات القرن الماضى، فكان هادئ الصوت والطبع بجانب كفاءته فى تخصصه حيث تخرج من كلية العلوم، وأستاذ محمد بجانب إصراره أن تكون حصة العلوم بالمعمل ليشرح لنا تطبيقيا الدرس، فنستخدم كل حواسنا بما فيها فعل الكتابة نفسها للمعادلات والشرح وتلخيصه ومن خلاله أحببت مادة العلوم والتى هربت منها أيضا ومن القسم العلمى كله فى مرحلة الثانوى بعد الالتحاق به وبسبب مادة الكيمياء ومعلمها وكذلك الكتاب المدرسى الجاف جدا ويدعو للحفظ فقط ولا أعرف هل سيتغير الأسلوب والمضمون عبر وجود الشاشة والمعلم أون لاين أم لا؟!
وهكذا رسخ معلمى بالابتدائى لمفهوم التفاعل الكيميائى فاستعادها عقلى بالضرورة هنا بعد سنوات فلماذا لا نطبق نفس المفهوم الكيميائى ونطرح السؤال هل سيستمر دور المعلم بمفرده للتدريس والتفاعل المباشر كمركب مستقل وكيفية العلاقة التفاعلية به، فى ظل اجتياح وسائل ومواد مساعدة وسريعة الانتشار بل والاشتعال مثل التكنولوجيا التعليمية وما هى حدودها ودورها للحصول على التفاعل الصحيح والمكتمل بين التلميذ والمعلم.. وهل بذلك يمكن أن يختفى ــ مستقبلا ــ نموذج الإنسان المعلم بشحمه ولحمه؟
***
كلها أسئلة لم تصبح من قبيل قضايا الخيال العلمى وإنما واقع تعليمى وانتشر وبقوة غير مسبوقة فى زمن وباء كورونا وأن المؤسسات التعليمية فى أغلب دول العالم تروج لفكرة التعليم عن بعد للكبار ولكنها فى نفس الوقت تتحفظ بقوة على التطبيق الإجبارى لفكرة معلم أون لاين ورأت بالفكرة وتعميمها كل الوقت فى مرحلة المدرسة انتهاكا إنسانيا وتربويا للتلميذ بل ولوظيفة المعلم وتشبيهه بالآلة وأشياء أخرى.
فى المقابل وعلى المستوى المحلى، وجدنا وزارة التعليم قد سارعت لطرح فكرة التطبيق لنموذج (معلم أون لاين) وتفكر فى تطبيقه بشكل مستمر ومستقبلى أيضا وليس فقط بمناسبة وباء كورونا، بينما تتحفظ دول أخرى فى التطبيق المستقبلى وطويل المدى لذلك حسمت أغلب الدول عالميا عودة الطلاب لمقاعد المدرسة منذ سبتمبر الماضى وطبقا لإجراءات مشددة وخطط للتباعد تشبه الخطط الحربية، وقررت مختلف الدول أن تصبح العودة لتطبيق المعلم أون لاين طبقا لظروف الوباء أو غيره وكمركب مساعد فقط!.
ونحن أيضا عاد بعض طلابنا للمدارس منذ سبتمبر الماضى.. أسوة بالدول الأجنبية مثلما قررت المدارس الخاصة الدولية، بينما خطة الوزارة والعودة لـ٢٣مليون طالب فهو الأسبوع الثالث من أكتوبر الحالى أى بعد شهر كامل من دخول الآخرين.
وتتضمن أيضا الخطة الوزارية الذهاب إلى المدرسة يومين للبعض فقط فى الحد الأدنى وأن وقت اليوم المدرسى سيخصص أغلبه إلى الألعاب وممارسة الأنشطة كما قال الوزير بنفسه.
فالوزارة حددت الأولوية للنشاط وأنه يمكن أن يتخلل برنامج الأنشطة حصة واثنين يوميا للتعلم والمناهج على أن تصبح العملية التدريسية نفسها بين الطالب والمدرس لمختلف المقررات بنظام (معلم أون لاين) أو عبر القنوات التليفزيونية أو من خلال مجموعات التقوية المدفوعة الأجر مسبقا، وأطلقت على خطتها مسمى التعليم بالمقلوب!
فماذا سيحدث لو اجتهد معلم أو ناظر مدرسة بصلاحياته الجديدة.. وقرر وضع خطة بديلة وأن يجعل اليومين أو أكثر للحضور بالمدرسة للتدريس وشرح المناهج التعليمية، وأن تصبح الأيام الفارغة للأنشطة والألعاب أنها خطة مقلوبة لخطة الوزارة؟
***
هذه الخطة وهى التعليم بالمقلوب كانت تحتاج شرحا بل حوارا متخصصا لإزالة الغموض الحالى بها، ولذلك أصبحت مثار أسئلة ومناقشات هامة بل وممتعة وخفيفة الظل فى جروبات الأهالى وأولياء الأمور على مواقع التواصل الاجتماعى وهى ظاهرة طيبة وجادة تؤكد دائما أن الشخصية المصرية مهتمة بالتعليم ومستقبل أبنائها وما أكثر هذه الجروبات الآن حتى أن وزير التعليم نفسه أصبح عضوا فى بعضها لتوضيح الإجراءات فقط.
فعلى سبيل المثال طرحت عدد من الأمهات بتلقائية الأم المصرية مطلبا عن الإعفاء من المصروفات الدراسية أو حتى تخفيضها ليتناسب مع تطبيق أن الذهاب إلى المدرسة أغلبه للعب والأنشطة فقط.. وأن تدفع المبالغ نفسها للمجموعات الدراسية أو لباقة النت لتطبيق المعلم أون لاين.
وكتبت أخرى متسائلة عن تحديد اليومين فقط فى المدارس الرسمية والحكومية بينما المدارس الخاصة يمكن أن يحضر الطلاب أغلب أيام الأسبوع. وماذا عن الأم العاملة وأن عبء العملية للشرح والمتابعة انتقل إلى داخل البيوت وقالت جدة بظرف شديد إنها الأم والجدة وليست المعلم فقط بينما سألت أخرى عن كيفية توزيع الوجبات المدرسية المجانية فى أيام الذهاب اليومين لممارسة الأنشطة وخامسة تحدثت عن أزمة العجز بالمدرسين خاصة مدرسى الأنشطة حيث تعانى بعض المدارس من عجز المدرسين بها حتى فى المواد الدراسية الأساسية أيضا، بينما سأل أب عن حتمية شراء الزى المدرسى هذا العام والعام الدراسى أغلبه ألعاب وأنشطة... وفى جروب آخر سأل آخرون عن تفاصيل عمل المدارس التى ليس بها منصات وفصول افتراضية وكيف سيتم أخذ الغياب وأعمال السنة والتقييم.. وسألت إحداهن وهل سيطبق نظام اليومين بالمدارس الأزهرية؟
وقد ساهم المعلمون أيضا فى الحوار والتساؤلات أيضا عن عدد ساعات العمل بالتكنولوجيا ونظام تحت الطلب والمرتبات والتثبيت والحضور والغياب والأهم كيف سيتم تكريمنا بنظام الأون لاين وهى أسئلة مشروعة بالتأكيد فى عيدهم وكل عام وهم طيبون.

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved