ماذا يعنى حقًا شعار إسرائيل الجديد «تقليص الصراع»؟

دوريات أجنبية
دوريات أجنبية

آخر تحديث: الإثنين 4 أكتوبر 2021 - 7:25 م بتوقيت القاهرة

نشرت مجلة The New York Times مقالا للكاتب باتريك كينجزلى، أوضح فيه أن المصطلح الجديد فى الخطاب الدبلوماسى والسياسى الإسرائيلى «تقليص الصراع» لا يهدف إلى حل النزاع أو حتى تقليصه، بل هو مجرد مصطلح جديد للسياسات القديمة واستراتيجية ذكية تحجب نية القادة الإسرائيليين الحقيقية، مستشهدا بالسياسات الحالية لرئيس الوزراء الإسرائيلى بينيت... نعرض منه ما يلى.
هناك مفهوم جديد من كلمتين يترسخ فى الخطاب السياسى والدبلوماسى فى إسرائيل: تقليص الصراع. فكرته هى أن الصراع الإسرائيلى الفلسطينى لن يتم حله فى المستقبل القريب لأن القيادتين الإسرائيلية والفلسطينية منقسمة للغاية بشأن استئناف مفاوضات السلام. لكن يمكن لإسرائيل العمل على الحد من (تقليص) تأثير الصراع المستمر منذ قرن تقريبا، وبالتالى جعل السلام أكثر احتمالا. بعبارة أخرى مجملة، تقول الحجة إذا لم يكن من الممكن حل النزاع، فيمكن على الأقل تقليصه.
اكتسبت هذه الفكرة زخما منذ أن حل نفتالى بينيت محل بنيامين نتنياهو كرئيس وزراء لإسرائيل فى يونيو الماضى. وفى اليوم الذى تولى فيه منصبه، وعد فى خطاب ألقاه أمام البرلمان بالمساهمة فى «تقليل الاحتكاك وتقليص الصراع». بعد ذلك بأسبوعين، تعهد يائير لابيد، وزير الخارجية الإسرائيلى، «بتقليص» الصراع فى اجتماع له مع وزير الخارجية الأمريكى أنتونى بلينكين.
لا تستخدم وزارة الخارجية الإسرائيلية هذا المصطلح، لكنها تعمل بمنطق المصطلح؛ بمعنى أنهم يتجنبون الدعوات لاستئناف المفاوضات، ويضغطون بدلا من ذلك من أجل سياسات تضمن للجانبين الفلسطينى والإسرائيلى «تدابير متساوية من الحرية والأمن والفرص والكرامة».
بالنسبة لمن يؤيد مصطلح «تقليص الصراع» يرى أنه نقلة نوعية مرحب بها بعد أن توقفت عملية السلام خلال فترة رئاسة نتنياهو التى استمرت 12 عامًا، فقد تلاشت المفاوضات لإنشاء دولة فلسطينية فى عام 2014، وأصبح نتنياهو أكثر رفضًا للسيادة الفلسطينية. كما يرفض بينيت فكرة الدولة الفلسطينية، لكن من يدعمه يرى أنه يتخذ خطوات لتحسين حياة الشعب الفلسطينى.
أما بالنسبة لمن ينتقد المصطلح ويرفضه، فإنه يرى الشعار الجديد هو مجرد إعادة تسمية لنهج إسرائيل الذى يعود إلى عقود من الزمن تجاه الشعب الفلسطينى. إنهم يصورون المصطلح كاستراتيجية علاقات عامة ذكية تحجب نية طويلة الأمد من قبل القادة الإسرائيليين المتعاقبين، بما فى ذلك بينيت، لتوسيع المستوطنات فى الضفة الغربية المحتلة، وترسيخ وجود إسرائيل هناك، وجعل من الصعب عكس مسار الاحتلال الذى دام 54 عامًا.
***
فى كل الأحوال، وحتى الآن، فإن محاولات حكومة بينيت لتحسين الوضع الراهن تشمل تعهدًا بتوفير خدمة الإنترنت عبر الهاتف المحمول من الجيل الرابع للفلسطينيين والفلسطينيات فى الضفة الغربية؛ وتقليص عدد غارات الجيش الإسرائيلى فيما يقرب من 40٪ من مساحة الضفة الغربية التى تديرها السلطة الفلسطينية؛ ومن المحتمل بناء ما يقرب من 900 منزل فلسطينى جديد فى المناطق التى تديرها إسرائيل.
كما أقرضت حكومة بينيت الحكومة الفلسطينية 156 مليون دولار لمساعدتها على النجاة من الأزمة المالية، والسماح لـ 15 ألف فلسطينى بالعمل فى إسرائيل؛ وتعهدت بتسوية أوضاع آلاف الفلسطينيين فى الضفة الغربية الذين يفتقرون إلى الأوراق المطلوبة. كما زادت الاتصالات العامة بين المسئولين الإسرائيليين والفلسطينيين منذ أن تولى بينيت منصبه، وذلك بعد سنوات من العلاقات المتدنية فى عهد سلفه نتنياهو.
باختصار شديد، شرح بينيت منهجه فى مقابلة مع صحيفة التايمز فى أغسطس الماضى قائلا: «لن يذهبوا إلى أى مكان، لن نذهب إلى أى مكان، نحن هنا معًا، عالقون. ولكن بعد ذلك ماذا سنفعل؟ الاقتصاد، الاقتصاد، الاقتصاد». وأضاف إنه «إذا كان للناس مستقبل جيد، ولديهم وظيفة معقولة، ويمكنهم إعالة أسرهم بكرامة وإرسال أطفالهم إلى تعليم جيد، فإن هذا سيثبت أنه أكثر أهمية بكثير من التعامل مع الطريق المعتاد الذى لم يوصلنا إلى أى مكان».
لكن ميكا جودمان، الفيلسوف الإسرائيلى ومستشار بينيت، قال: «هذه إجراءات مرحب بها ــ ولكنها ليست بالضبط ما قصده عندما كتب لأول مرة عن «تقليص الصراع» فى عام 2019».
فكرة جودمان التى كتب عنها فى 2019 لم تكن تتعلق فقط بمجرد تحسين نوعية الحياة الفلسطينية، ولكن توسيع الحكم الذاتى الفلسطينى، واقترح توسيع منطقة نفوذ السلطة الفلسطينية، وتوفير المزيد من الأراضى للمسئولين الفلسطينيين لتخصيصها لمشاريع البناء. كما اقترح إنشاء شبكة من الطرق السريعة التى يسيطر عليها الجانب الفلسطينى فى الضفة الغربية، مما يسمح للأفراد الفلسطينيين بالتنقل دون قضاء ساعات عند نقاط التفتيش الإسرائيلية.
وحسب تقدير جودمان، كل هذا يمكن تحقيقه دون العودة إلى المفاوضات، ودون التطرق إلى قضايا مثيرة للجدل مثل مستقبل مدينة القدس، التى يطالب بها الجانبان لأن تكون عاصمة دولته.
***
من ينتقد رئيس الوزراء بينيت يرى أنه أقل اهتمامًا بتقليص الصراع وأكثر اهتماما بتجاهله، ففى خطابه أمام الأمم المتحدة قبل أسبوع تقريبا، لم يذكر كلمة (الشعب الفلسطينى) على الإطلاق. وبينما تُظهر بعض سياساته محاولة للحد من التوترات فى الضفة الغربية، فإن البعض الآخر منها يديم ممارسات ساهمت فى تأجيج الصراع بدلا من تقليصه. مثال للتوضيح، صاحب خطة الحكومة لبناء ما يقرب من 900 منزل فلسطينى جديد اقتراح لبناء ما يقرب من ثلاثة أضعاف عدد المنازل الإسرائيلية فى الأراضى المحتلة. وقال البعض إن التوسع الاستيطانى سيجعل من الصعب للغاية إنشاء دولة فلسطينية متصلة جغرافيا، مما يجعل التوصل إلى اتفاق سلام أقل احتمالا.
كذلك، واصل الجيش استخدام الذخيرة الحية خلال الاحتجاجات والاشتباكات والمواجهات. ومنذ أن تولى بينيت منصبه، قُتل 20 مدنيا فلسطينيا، أى أكثر من ثلاثة أضعاف ما قُتل خلال الفترات المماثلة فى السنوات الثلاث الماضية، وفقا لسجلات جمعتها الأمم المتحدة.
سمحت حكومة بينيت أيضًا بالصلاة اليهودية فى المسجد الأقصى فى القدس، وهى سياسة بدأت سرا فى عهد نتنياهو وتهدد الحفاظ على السلام فى أحد أكثر المواقع إثارة للجدل فى الصراع الإسرائيلى الفلسطينى.
وفى استطلاع فلسطينى حديث، تبين أن أكثر من نصف الشعب الفلسطينى سعداء إلى حد كبير بالسياسات الجديدة التى تهدف إلى جعل حياتهم أسهل، لكن عددًا مشابهًا يدعم أيضًا المقاومة المسلحة ضد الاحتلال!.
كما قالت مايراف زونسزين، المحللة المقيمة فى تل أبيب والتابعة للمركز البحثى مجموعة الأزمات الدولية International Crisis Group: إن الوجود العسكرى الإسرائيلى فى الضفة الغربية يجعل من الصعب تقليص الصراع.
وأضافت: «بينما تسعى سياسة بينيت لتقليص الصراع مع الشعب الفلسطينى وإبقاء الضفة الغربية هادئة من خلال تخفيف بعض القيود الإسرائيلية الفظيعة على سبل العيش الفلسطينية، فإن الاحتلال الإسرائيلى الدائم للضفة الغربية يظل عقبة أمام هذا الهدف. ولا يمكن أن يكون هناك سلام أو استقرار اقتصادى تحت الاحتلال، لأن الاحتلال يعطى الأولوية للمصالح والموارد الإسرائيلية والتوسع على حساب أى شىء آخر».

إعداد: ياسمين عبداللطيف زرد
النص الأصلى:

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved