الطلب والاحتياج فى التعليم الجامعى

سامح فوزي
سامح فوزي

آخر تحديث: الثلاثاء 4 أكتوبر 2022 - 6:55 م بتوقيت القاهرة

أعرف أن كثيرين الآن، بما فى ذلك المشتغلون بالعلوم الاجتماعية يرون أن المجتمع أصبح بحاجة إلى أطباء ومهندسين أكثر من حاجته إلى إعلاميين، أو خريجى تجارة وحقوق وعلوم سياسية وفلسفة وعلم اجتماع، إلخ. هذا الكلام يُقال الآن صراحة، وهو ما يزعج الأساتذة والباحثين فى مجال العلوم الاجتماعية. ومنذ أسابيع حدث نقاش فى أعقاب دعوة أحد مقدمى برامج «التوك شو» خريجى الثانوية العامة إلى عدم الالتحاق بكليات الإعلام، وردت عليه أستاذة فى نفس المجال، رافضة، وغاضبة، ومنتقدة.
المسألة لا تؤخذ على إطلاقها، رغم ما بها من وجاهة. لا أعرف تحديدًا أين يذهب خريجو الكليات النظرية، والذين يُقدر أعدادهم بالآلاف كل عام؟ وأين يعمل خريجو الإعلام فى وقت تتسم السوق الإعلامية بالضيق والتشبع مقارنة بما كان عليه الحال من عشرين عاما. وأين يعمل خريجو العلوم السياسية والاجتماع والقانون والفلسفة. بالتأكيد لا يسع سوق العمل لهؤلاء الخريجين الذين لم يعودوا ينتسبون إلى جامعات حكومية فقط، بل صارت الجامعات الأهلية والخاصة تنشئ كليات فى نفس التخصصات النظرية، وأيضا معاهد خاصة كثيرة!
بالتأكيد يضيق سوق العمل أمام خريجى الكليات النظرية مقارنة بخريجى كليات الهندسة والطب وغيرهم. ولا يعنى هذا عدم وجود حاجة إليهم، ولكن عدم وجود طلب عليهم. وشتان بين الطلب والحاجة. الطلب يعبر عن احتياجات السوق المتغيرة، ولكن الحاجة ترتبط بالضرورة. أظن أن الحاجة لدارسى العلوم الاجتماعية لم تخفت أو تتوارى، لأننا لو نظرنا إلى احتياجات المجتمع الحقيقية سوف تبرز أهمية الباحثين الاجتماعيين على نفس المستوى من الأهمية بالنسبة للأطباء والمهندسين، وغيرهم.
الأمثلة على ذلك كثيرة..
المجتمع بحاجة إلى توعية سياسية فى المدارس، والجامعات، والأحزاب والشارع، وسط أجيال شابة تفتقر إلى الثقافة السياسية، قد يمثل ذلك طلبا على خريجى العلوم السياسية.
وأيضا المجتمع بحاجة إلى باحثين فى مجال علم الاجتماع خاصة مع تصاعد وتعقد المشكلات الاجتماعية. يكفى أن نتتبع قنوات اليوتيوب، والبرامج التى تناقش المشكلات الأسرية، سوف نفاجأ بنوعية من المشكلات لم نعرفها من قبل، ولم نسمع عنها، مما يعنى أن المجتمع «المتكتم» يحتاج إلى باحثين اجتماعيين يدرسون الظواهر الجديدة، ويتقصون أبعادها، ويقدمون تقييمًا ومعالجة لها. ينطبق نفس الأمر على الإعلام، فلا يوجد مجتمع لا يحتاج إلى عمل إعلامى، وفى مجتمع يتجاوز سكانه مائة مليون نسمة، فإن حجم النوافذ الإعلامية المتاحة ليس بالكثير، فضلا عن أنها لا تجيب عن كل تساؤلات الناس.
الإشكالية أنه لا توجد برامج دراسية ابتكارية تناسب احتياجات السوق، وهذا ما استطاعت الجامعات فى الخارج التعامل معه ببراعة من خلال ابتكار ما يعرف بالعلوم البينية، أى التى تقف فى موضع التقاء وتقاطع بين أكثر من علم من العلوم الاجتماعية، فيتلاقى، وبالتالى يكتسب الخريج مهارات تساعده على التعامل مع سوق العمل، الذى أصبح متشعب إلى درجة لا تشبع التخصصات التقليدية متطلباته. ففى مجال الإعلام، لماذا لا تكون الدراسة بالكامل على السوشيال ميديا بعد عام تمهيدى يشمل مبادئ الإعلام؟ قس على هذا بقية العلوم الاجتماعية، وبالمناسبة فإن قلة الطلب على تخصص معين يعنى فى المقام الأول أن هناك خللا فى المجتمع.

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved