نتنياهو أسيرا.. أو لماذا سيواصل رئيس وزراء إسرائيل حروبه؟
عمرو حمزاوي
آخر تحديث:
الجمعة 4 أكتوبر 2024 - 6:20 م
بتوقيت القاهرة
إسرائيليا، تبدو حكومة اليمين المتطرف التى يقودها بنيامين نتنياهو فى لحظة قوة تمكنها من مواصلة حربها فى غزة وعلى لبنان، وكذلك ضرباتها المتتالية ضد مواقع للحرس الثورى الإيرانى وحزب الله فى سوريا وضد مواقع الحوثيين فى اليمن، وتسمح لها بالتصعيد العسكرى المباشر مع إيران دون أن تخشى من فقدان التأييد الشعبى الواسع الذى حصلت عليه فى الآونة الأخيرة.
بعد مرور ما يقرب من عام على ٧ أكتوبر ٢٠٢٣، تبدلت حظوظ حكومة نتنياهو من الرفض العام والمطالبة برحيلها واستقالة بعض الوزراء بسبب خلافات مع رئيس الوزراء واتهامهم له بالإخفاق الأمنى والعسكرى، والتشكيك فى جدوى أهدافه المعلنة من حرب غزة والمتمثلة فى القضاء على حماس والسيطرة الشاملة على غزة وإبعاد صواريخ حزب الله عن الحدود الشمالية لإسرائيل وإعادة السكان الذين تركوا مناطقهم هناك، تبدلت حظوظ نتنياهو وحكومته من هاوية الانهيار الداخلى والتوترات المستمرة مع الحلفاء الغربيين (وإن لم يترتب على تلك التوترات لا تراجع فى مساعدات ومبيعات السلاح والذخيرة من الولايات المتحدة وألمانيا ودول أوروبية أخرى، ولا تراجع الدعم الأمنى والمالى المقدم من الغرب إلى إسرائيل) إلى تأييد أغلبية مواطنات ومواطنى الدولة العبرية لاستمرار الحرب ولرقعتها التى تجاوزت الأراضى الفلسطينية المحتلة إلى لبنان وسوريا واليمن وبعض المواقع داخل إيران.
• • •
إسرائيليا، لم يعد نتنياهو يواجه منافسين حقيقيين على الزعامة السياسية بعد أن نجح فى احتواء تهديدات شخصيات كجانتس وليبرمان ولابيد، وحافظ على استقرار حكومته بأحزابها اليمينية واليمينية المتطرفة، وبعد أن نجح فى الترويج الشعبى لواقعية أهدافه المعلنة من الحرب وقرب تحققها، أو فى إسكات الأصوات القليلة التى كانت تتساءل عن مصير غزة بعد الحرب والضفة الغربية فى ظل عنف المستوطنين المتصاعد، وشمال إسرائيل بعد المحطة الحالية للصراع العسكرى ضد حزب الله وعن كيفية ضمان الأمن والاستقرار فى الشرق الأوسط دون إقرار حل الدولتين وقيام الدولة الفلسطينية.
بل إن رئيس الوزراء الإسرائيلى، وهو بصلفه وبحربه وآلاف الضحايا من العزل الذين سقطوا فى غزة والضفة ولبنان تسبب فى تدهور العلاقة بين بلاده وبين الدولتين العربيتين اللتين وقعتا على معاهدات سلام معها، مصر والأردن، صار من القوة السياسية بحيث خرج إعلاميا فى الأيام الأخيرة ليخاطب الشعب اللبنانى الذى يقصف عاصمته ومدنه وبلداته دون هوادة، وليتكلم مع الشعب الإيرانى مشيدا بحضارته وتاريخه الطويل وهو يستعد للمزيد من التصعيد العسكرى مع حكام الجمهورية الإسلامية، وليعرض فى أروقة الجمعية العامة للأمم المتحدة خرائط لقوى الخير والشر فى الشرق الأوسط لاغيا منها الدولة الفلسطينية وحق الشعب المحتلة أراضيه فى تقرير المصير ومكرسا للمزيد من العنف المجنون فى غزة والاستيطان فى الضفة الغربية والدماء والدمار على الحدود بين إسرائيل ولبنان.
• • •
على الرغم من ذلك كله، ومما يبدو فى المجمل مكسبا سياسيا داخل إسرائيل وعدة مكاسب عسكرية وأمنية فى جوارها المباشر ومحيطها الشرق أوسطى، فإن بنيامين نتنياهو لم ينتصر فى حروبه الراهنة لأنه أصبح أسيرا لها ولاستمرارها وصار استراتيجيا وعملياتيا مفتقدا للقدرة على إيقافها مع الحفاظ على المكاسب المرحلية التى حققها، وفى مقدمتها بقاؤه فى الحكم. نتنياهو اليوم، شأنه فى ذلك شأن حركة حماس الفلسطينية التى ورطتها حساباتها الخاطئة فى عمليات إرهابية وجرائم ضد الإنسانية لا يمكن سوى إدانتها وشأن حزب الله اللبنانى الذى توقع ألا تتجاوز إسرائيل قواعد لعبة التصعيد المحسوب معه ومع حليفه الإيرانى فكان أن تجاهلها نتنياهو بضربات متلاحقة فى لبنان وسوريا واليمن وفى إيران وورط حزب الله فى حرب شاملة ذات ثمن بشرى ومادى وسياسى باهظ على الحزب، نتنياهو اليوم هو أيضا أسير حروبه واستمرارها وأسير رؤيته المتطرفة للشرق الأوسط.
نعم، زج نتنياهو بالجيش الإسرائيلى إلى حرب على أكثر من جبهة، وحقق بها مكاسب مرحلية فى فلسطين ولبنان وسوريا، وكذلك إزاء إيران لجهة تبيان محدودية قدرات الردع التى تتمتع بها الجمهورية الإسلامية. غير أنه لا يملك مهما بلغت نجاحاته الأمنية والعسكرية القدرة على إنهاء تلك الحروب وإيقاف دوران الآلات العسكرية طالما أصر على الحفاظ على مكاسبه المرحلية تلك دون تغيير أو تنازل أو تفاوض يفضى لتوافقات.
فمن أجل ذلك يحتاج نتنياهو إلى أطراف فلسطينية ولبنانية تقبل الاستسلام غير المشروط لكى تعيد إسرائيل السيطرة الأمنية الكاملة على غزة، وتطلق العنان لعنف المستوطنين فى الضفة الغربية، وتقضى على حزب الله عسكريا وسياسيا. وأطراف فلسطينية ولبنانية كهذه غير موجودة وإن وجدت فإن ضعفها السياسى وتهافتها المجتمعى لن يسمحا لها بفرض «السلام الإسرائيلى» على الشعبين الفلسطينى واللبنانى.
يحتاج نتنياهو أيضا إلى دفع إيران إلى هاوية سحيقة من انهيار القدرات العسكرية والأمنية ومن انكماش النفوذ فى الشرق الأوسط بحيث تنكفئ الجمهورية الإسلامية على ذاتها خوفا على بقائها وتبتعد عن دعم حلفائها من الحركات والميليشيات المسلحة فى الجوار المباشر والمحيط الإقليمى لإسرائيل. وإيران كهذه، ومهما كانت توقعات التصعيد العسكرى بين طهران وتل أبيب فى قادم الأيام، ليست معنا.
نتنياهو أيضا يعوزه شركاء إقليميين ودوليين يقبلون خرائطه للخير والشر فى الشرق الأوسط بإلغائها للدولة الفلسطينية واستعبادها الاستيطانى طويل المدى للشعب الفلسطينى، واعتداءاتها المتكررة على سيادة وحقوق الشعوب العربية المجاورة فى لبنان وسوريا، وتهديدها للمصالح الوطنية المصرية والأردنية بأخطار التهجير القسرى للفلسطينيين والفلسطينيات، وبفرض وضعية طويلة المدى من العنف والحرب والدماء والدمار وعدم الاستقرار على الشرق الأوسط. فلا العرب الذين يبحثون عن التسويات السلمية يريدون أن يكونوا فى معية شراكة كارثية التى يطرحها نتنياهو عليهم، وليست الردود الرسمية المصرية والأردنية والسعودية والإماراتية المؤكدة على ضرورة قيام الدولة الفلسطينية المستقلة وإنهاء الحروب بين إسرائيل وجوارها كشرطين للسلام الإقليمى والتى جاءت بعد ترهات نتنياهو بالمفاجئة أو غير المحسوبة.
بل إن رئيس وزراء إسرائيل، وبعد أن بالغ فى توظيف الأدوات العسكرية والأمنية وفى رفض التفاوض والتوافق والدبلوماسية فى الشرق الأوسط، لم يعد له شركاء غربيون يحملون معه رؤيته ويسوقونها إقليميا وعالميا. فعلى الرغم من دعمهم العسكرى والمالى المستمر لإسرائيل، إلا أن حكومات الغرب الأمريكى والأوروبى يقرون حل الدولتين كحل وحيد للقضية الفلسطينية والحلول التفاوضية كحلول وحيدة لتحقيق الأمن والاستقرار بين إسرائيل ولبنان وبين إسرائيل وجوارها.
• • •
فى الداخل الإسرائيلى، تظل المكاسب العسكرية والأمنية التى حققها نتنياهو بين أكتوبر ٢٠٢٣ وأكتوبر ٢٠٢٤ مراوغة وعرضة للاهتزاز إن بفعل اختراقات من قبل الفصائل الفلسطينية فى غزة والضفة أو بفعل هجمات لحزب الله أو القليل من الصواريخ الإيرانية، وعلى إثر هذه وتلك يعود حلم الأمن الشامل لإسرائيل الذى وعدت به حرب نتنياهو الشاملة ليصبح سرايا على حدود غزة وفى مستوطنات الضفة وفى بلدات الشمال على الحدود مع لبنان، ويصير المكسب السياسى الذى حصده نتنياهو بارتفاع معدلات التأييد الشعبى له ولحكومته مرتهنا باستمرار الحروب وتواصل التصعيد العسكرى والمزيد من الدماء والدمار.
هكذا صار نتنياهو الذى يبدو اليوم فى الداخل الإسرائيلى زعيما لا يُنازع ويستعرض نجاحاته كالطاووس فى أروقة الجمعية العامة للأمم المتحدة وأمام كاميرات الإعلام، صار أسيرا لحروب لا يملك القدرة على إيقافها ومكاسب مرحلية مراوغة يستحيل الحفاظ عليها لفترة طويلة.