الوقائع الصحيحة ثورة

وائل جمال
وائل جمال

آخر تحديث: الإثنين 4 نوفمبر 2013 - 9:40 ص بتوقيت القاهرة

«إن تضليل عقول البشر هو، على حد قول باولو فرير، «أداة للقهر». فهو يمثل إحدى الأدوات التى تسعى النخبة من خلالها إلى «تطويع الجماهير لأهدافها الخاصة». فباستخدام الأساطير، التى تفسر وتبرر الشروط السائدة للوجود، بل وتضفى عليها أحيانا طابعا خلابا، يضمن المضللون التأييد الشعبى لنظام اجتماعى لا يخدم فى المدى البعيد المصالح الحقيقية للأغلبية. وعندما يؤدى التضليل الإعلامى للجماهير دوره بنجاح، تنتفى الحاجة إلى اتخاذ تدابير اجتماعية بديلة».

هربرت شيللر فى كتاب «المتلاعبون بالعقول: كيف يجذب محركو الدمى الكبار فى السياسة والإعلان ووسائل الاتصال الجماهيرى خيوط الرأى العام؟»، ترجمة: عبدالسلام رضوان.

«فى عصر المخادعة العامة يكون النطق بالحقيقة عملا ثوريا».

قول منسوب للأديب البريطانى جورج أورويل (1903ــ1950)

الجارديان وقطر

«ومن المعروف أن الجارديان جريدة قطرية بعد أن اشترى آخر 20% من أسهمها مستثمر قطرى ليصبح القطريون مالكين لـ100% من أسهمها». هكذا تقول الجملة المتداولة على فيسبوك فى إطار انتقاد السياسة التحريرية لجريدة الجارديان البريطانية. ثم يضيف أحد الكتاب الكبار، له معرفة وثيقة ببريطانيا، فى حوار تليفزيونى: «كنت أحترم الجارديان البريطانية لحين قراءتى لمقال ما بها ملىء بالأكاذيب والانحياز لصالح الإخوان.. اكتشفت بعدها أن الجارديان بيع نصفها لقطر». وتكتمل الصورة بانتقاد مصرى رسمى من المتحدث باسم الرئاسة للجريدة يقول إن الجريدة صوت الثورة المضادة فى مواجهة 30 يونيو.

وعندما تبحث عن أساس لهذه المعلومة الثابتة بين المصريين، فلا تجد شيئا. بل إن جريدتى الجارديان والإندبندانت لهما شكل خاص للغاية فى ملكية الصحف ربما هو الذى سمح لهما باستقلالية مميزة فى سياستهما التحريرية، ألا وهو الوقف. ويقول موقع الجريدة على الإنترنت إنها تنشر من قبل شركة الجارديان للنشر والإعلام وهى النشاط الرئيسى لمجموعة الجارديان الإعلامية التى يمتلكها مساهم واحد فقط هو «سكوت ترست» أو وقف «سكوت»، الذى أنشئ عام 1936 «ليحمى القيم الليبرالية والحريات الصحفية»، «بضمان الاستقلال التحريرى والمالى». أما الرابط الوحيد مؤخرا بين قطر والجارديان، فهو التحقيق الحصرى الذى نشرته فى نهاية سبتمبر الماضى تحت عنوان «عبيد كأس العالم فى قطر» عن انتهاكات واستغلال العمال المهاجرين للعمل فى إنشاءات كأس العالم 2022 هناك خاصة النيباليون. وهو التحقيق الذى فتح نقاشا حول سحب التنظيم من قطر. يمكنك طبعا أن ترفض السياسة التحريرية للجارديان وموقفها من 30 يونيو. لكنها ليست مملوكة لقطر.

الطابور الخامس

تقول جريدة الأهرام فى تحقيق منشور يوم الأربعاء الماضى تحت عنوان «الطابور الخامس يعود من جديد. إهانة رموز الدولة والهجوم على الجيش أهم أهدافه» إن مصطلح الطابور الخامس يطلق اليوم «على تنظيم الإخوان المسلمين وأنصارهم المتهمين بالتستر خلف مسميات وصور أخرى لخدمة أغراضهم وما يسعون إليه من تخريب لمصر وإفساد حالة التوحد والاصطفاف بين الجيش والشعب والشرطة فى مواجهة الإرهاب والتطرف». وأنه «فى الوقت الحالى عاد من جديد الطابور الخامس فى الظهور مرة أخرى، بعد أن أشاعوا الفوضى، وأحدثوا انقساما وطنيا بعد ثورة 25 يناير، واستمروا خلال المرحلة الانتقالية فى تشويه صورة الجيش المصرى، وحاليا يحاول هؤلاء لعب نفس الدور مرة أخرى، من خلال الإعلام، أو التظاهرات، هدفهم إهانة الجيش والدخول فى صدام معه، وإحداث انشقاق فى الصف المصرى مرة أخرى».

ويعطينا المقال تفسيرا تاريخيا للمصطلح يقول بالنص إنه «متداول فى أدبيات العلوم السياسية والاجتماعية‏، نشأ أثناء الحرب الأهلية الإسبانية فى عام ‏1936‏م‏، التى استمرت ثلاث سنوات‏، وأول من أطلقه الجنرال إميليو مولا أحد قادة القوات الوطنية الزاحفة على مدريد‏، وكانت تتكون من أربعة طوابير من الثوار‏ فقال حينها: إن هناك طابورا خامسا يعمل مع الوطنيين لجيش الجنرال فرانكو ضد الحكومة الجمهورية التى كانت ذات ميول ماركسية يسارية من داخل مدريد، ويقصد به مؤيدو فرانكو من الشعب، ثم بعدها ترسخ هذا المعنى فى الاعتماد على الجواسيس فى الحرب الباردة بين المعسكرين الاشتراكى والرأسمالى».

يعطينا التحقيق وهذا التعريف (المنقول حرفيا من ويكيبيديا العربية بأخطائه دون إشارة لذلك) معلومة تقول إن الجنرال إميليو (ابحث عن معادله الموضوعى المصرى) يمثل الحكومة الجمهورية اليسارية فى مواجهة مؤامرات ديكتاتور إسبانيا الدموى فرانكو الذى يبث طابوره الخامس الفرقة فى صفوف الثوار. والحقيقة هى المعكوس. إذ إن مولا كان من قيادات الانقلاب العسكرى الدموى فى 1936 الذى جاء بفرانكو للحكم بديكتاتورية عسكرية استمرت حتى 1975. وأما الطابور الخامس فكان يقصد به المتعاطفين مع الثورة.

حقك أن تستخدم الطابور الخامس لوصف أى شخص. لكن هذا المصطلح تم صكه فى وصف الثوار من قبل سلطة ديكتاتورية عسكرية.

كاميرون والأمن القومى

«عندما يتعلق الأمر بالأمن القومى فلا يحدثنى أحد عن حقوق الإنسان». هذا القول المنسوب لرئيس وزراء بريطانيا ديفيد كاميرون ظل معنا منذ أحداث ومواجهات لندن فى أغسطس 2011 وحتى اليوم. فى كل مرة يرغب فيها أحد فى الهجوم على احتجاجات الشوارع وفى دعم عنف الشرطة أو الجيش تجاه المتظاهرين يتم استخدام هذا الاقتباس الشهير الثابت على كاميرون فقط فى مصر، أولا من قبل أنصار المجلس العسكرى ثم من الإخوان وأنصارهم ثم الآن من قبل مؤيدى نظام ما بعد 3 يوليو. والحقيقة أن الاقتباس مزيف ولم يقله كاميرون. وفى 26 سبتمبر 2013 نفت السفارة البريطانية فى القاهرة رسميا أن يكون كاميرون قد قال هذا فى خطابه فى أكسفورد شاير يوم 15 أغسطس 2011. بل ووزعت السفارة النص الكامل للخطاب على الصحفيين الحاضرين للقاء مع السفير جيمس وات بحسب وكالة أنباء الشرق الأوسط الحكومية المصرية. فى الخطاب، يمكنكم الاستماع إليه كاملا على يوتيوب، يتحدث كاميرون كثيرا عن تمكين الشرطة من وقف «العصابات» وعن إعطائها الدعم القانونى لمواجهة العنف.. إلخ. لكن ما لا يذكره أحد أن كاميرون تحدث أيضا عن ضرورة تحليل أسباب نشوء تمرد الشوارع العاصف. أما ذكر حقوق الإنسان الوحيد فجاء فى خطاب آخر قال فيه رئيس الوزراء البريطانى إن «أى ادعاءات زائفة عن حقوق الإنسان لن تمنعه من نشر أسماء المطلوبين على ذمة الجرائم التى ارتكبت أثناء الأحداث». ومما يذكر أن الأحداث التى نتجت عن مقتل شاب على يد الشرطة واستمرت لمدة 6 أيام فى لندن وعدة مدن بريطانية نتج عنها حرق وسلب ونهب عدد كبير من المحال والمنشآت بينما لم تستخدم الشرطة البريطانية فى مواجهتها سوى القنابل المسيلة للدموع ومدافع المياه. وكانت الحصيلة وفاة 5 أشخاص وجرح 16. وفتحت الأحداث نقاشا واسعا حول السياسة الاقتصادية للمحافظين والآثار الاجتماعية الرديئة للتقشف على حياة الفقراء والمهمشين.

هذا وقد حذرت منظمة العفو الدولية فى الأول من أكتوبر الماضى كاميرون وحزبه من إلغاء قوانين حقوق الإنسان المتعلقة باللاجئين «غير الشرعيين» معتبرة أن هذا «يثير قلقا عميقا وسيعرقل الوصول للعدالة فى بريطانيا».

من قال أصلا إن ما يفعله كاميرون بالضرورة صحيح أو جدير بالتبنى فى مصر؟

إهانة الرموز الوطنية

فى 16 يناير 2013 نشرت وكالة رصد تقريرا بعنوان: «هل إهانة رئيس الجمهورية من إهانة الوطن؟». ويبدأ التقرير بأنه «طفت قضية إهانة رئيس الجمهورية وجرائم السب والقذف على السطح بعد تجاوزات عدد من وسائل الإعلام واعتبار البعض أن النقد الموجه إلى رئيس الجمهورية (محمد مرسى آنذاك) وصل لحد الإهانة التى وصفوها بأنها جزء لا يتجزأ من إهانة الوطن باعتباره رمزا لها». تزامن هذا مع مادة فى قانون العقوبات تنص على حبس من يهين رئيس الجمهورية لمدة لا تقل عن 24 ساعة ولا تزيد على 3 سنوات. وبعد يوليو أصدر الرئيس المؤقت عدلى منصور قرارا بإلغاء الحبس والاقتصار على الغرامة. ثم عادت أصوات تنادى بضرورة ردع كل من تسول له نفسه «بهز ثقة الشعب فى رموزه الوطنية وعلى رأسها الجيش ووزير الدفاع»، بل اعتبرت هذه الأصوات (ومن ضمنها الهجمة الهائلة المنظمة على الحلقة الأولى من برنامج البرنامج لباسم يوسف)، أن هذا النوع من الانتقادات «يهز الدولة ويعمق الفوضى ويخدش الأحاسيس». يجىء هذا مصحوبا بأسطورة يرددها مذيعو التوك شو مرة تلو الأخرى أن هذا «مما لا تسمح به الدول، حتى الديمقراطية منها، خاصة فى أوقات التوتر»، وهى أسطورة أخرى.

فحتى فى زيمبابوى التى يحكمها الديكتاتور روبرت موجابى منذ عام 1980 بالحديد والنار وتزوير الانتخابات، ألغت المحكمة الدستورية الخميس الماضى قانون إهانة الرئيس الذى كان يستخدم لاعتقال معارضى ومنتقدى الزعيم. وكان ممن احتجزوا وفقا لرويترز زعيم معارض قال إن موجابى «حمار متعب» قبل انتخابات جرت العام الحالى. وقالت المحكمة إن تهمة تقويض سلطة الرئيس ونشر الأكاذيب تتعارض مع حرية التعبير.

وجاء فى تقرير فرانك لارو، المقرر الخاص للأمم المتحدة المعنى بتعزيز وحماية الحق فى حرية الرأى والتعبير بتاريخ 20 أبريل 2010، أن «قوانين التشهير الجنائى لا يجوز أن تستخدم لحماية مفاهيم مجردة، مثل الدولة، أو الرموز الوطنية، أو الهوية القومية، أو الثقافات والمدارس الفكرية، أو الأديان أو الأيديولوجيات أو المذاهب السياسية».

فى آخر شهور حكمه الذى ركز على حماية أمريكا من الإرهاب، عُرض فيلم المخرج الكبير أوليفر ستون عن جورج بوش الابن: «دبليو». الفيلم يصوره مدمنا تافها محدود الفكر والثقافة يتمخط فى كمه، لديه عقدة تجاه والده. كما يظهر الرئيس فى أحد مشاهد الفيلم وهو يقضى حاجته وهو فى حالة مزرية.

أين كان خبراء أمريكا الاستراتيجيون وحماة أمنها القومى ورموزها الوطنية؟

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved