السبع بنات

محمود قاسم
محمود قاسم

آخر تحديث: الجمعة 4 نوفمبر 2022 - 9:25 م بتوقيت القاهرة

أعترف أننى مصاب بالوسوسة تسمى بـ الاقتباس لكثرة معرفتى بالأصول المكتوبة التى أخذ كُتاب السيناريو فى مصر بالعالم الآخر، وفى كل مرة أشاهد فيلما حتى ولو تكررت المشاهدة فإن حاسة المقارنة تتدفعنى للبحث عن التشابه، وللأسف الشديد فإن الأفلام ذات الجذور المصرية التى لم يرجع مؤلفوها إلى نصوص الآخرين هى قليلة للغاية ومنها فيلم السبع بنات إخراج عاطف سالم وتأليف نيروز عبدالملك الذى كتب نصا متماسكا هو أقرب للرواية الأدبية بإتقانها واتساع عالمها كأنها عمل أدبى راسخ، ورغم هذا فإننا لا نكاد نعرف صاحب هذا الاسم ولم نقدر له مكانته، ونرسل تحية إلى روح عاطف سالم الذى كان يجيد اختيار نصوص الأفلام منذ بدايته عن 1953، وأذكر ملامح البهجة على وجهه حين حصل على أعلى قدر من الأفلام الأفضل فى تاريخ السينما المصرية وكنت فى لقاء معه.
فيلم السبع بنات مزدحم بالشخصيات والحكايات رغم أنه لم يخرج كثيرا عن الشقة التى يسكن فيها الأرمل منصور أفندى مع بناته السبع الذى يتولى تربيتهن، وكرس حياته من أجل هذه المهمة، ولعله من أولى الشخصيات السينمائية التى رأيناها فى الستينيات الذى يضطر للعمل بأكثر من وظيفة كى يوفر مصاريف بناته، بين العمل فى مخبز فى ساعات الليل وسكرتير مكتب فى النهار، إنه رجل مزدحم بالعمل والحكايات تعيشها البنات، الأولى أحلام فى كلية الطب وهى تتولى رعاية أسرتها وأيضا رعاية الطفل المعاق شقيق حبيبها الرياضى الذى يموت فى حادث طائرة، إذن فالقصص التى يعيشها أبطال الفيلم مأساوية مؤلمة لكنها ليست فاقعة فى التراجيديا، والأطفال فى الفيلم كانوا مصدر البهجة، أما الأخت الثانية فهى تختلف حيث إن طموحها يوقوعها فى شرك نصاب يخدعها وينتهى بها الأمر فى قسم الشرطة، وبسبب الأخت الثالثة وغرامياتها فإن الأب يقع فى أكثر من مأزق قد يؤدى به إلى الطرد من العمل، هؤلاء البنات الجميلات أشبه بملكات النحل يجذبن الشباب الميسور العاشق للتقدم إليهن، ومن الواضح أن عاطف سالم لم يشأ الدخول فى تفاصيل تجهيز هؤلاء البنات للزواج مثلما فعل فى «أم العروسة» وأيضا فى «الحفيد» لكنه حكى فقط للمتاعب الأولية التى سبقت ارتباط كل فتاة من الرجل الذى اختاره القدر لها، أما فى تفاصيل ما سوف يحدث بعد ذلك علينا أن نراها فى أفلام عاطف سالم الأخرى، فالأب فى حيرة وهو يختار العريس الأمثل لكل ابنة فى حين يقف بجوار ابنته التى مات حبيبها إنه أب معاصر كانت بذرته دائما من الإناث، ومثلما حدث فى أم العروسة فإن الفيلم مغلف بالكوميديا التى يشعها الصغار مثلما فعل بالضبط فى أم العروسة والحفيد، وكأنما نيروز عبدالملك قد وضع أمامه تجربة عبدالحميد جودة الصحار وصاغ الفيلم بمقاييس محددة، وبدا ذلك فى شخصية الخال الذى يقيم فى الشقة العلوية ويعلم الصغار العزف على البيانو.
أهمية الفيلم أنه جمع عددا كبيرا من النجوم مثل نادية لطفى وسعاد حسنى وزيزى البدراوى ثم حسين رياض وعبدالسلام النابلسى وأحمد رمزى وزينب صدقى وأسماء أخرى كثيرة جدا وهذا أمر يحسب لأفلام عاطف سالم التى عادة ما تكون فيها الكثير من الأبطال المتوازين مثل «إحنا التلامذة»، و«السلم الخلفى»، وغيرهما.
أهم ما فى الفيلم هو الحكى السلس غير المعقد وأيضا خلو هذا النوع من الأفلام من الأغنيات المحشوة للموسيقى وهى ظاهرة سيطرت على السينما ولم يكن هناك رصيد كبير منها لـ عاطف سالم الذى يجب إعادة اكتشافه وإعادة رؤية أفلامه.

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved