حازم شاهين والتجلّى الجديد

سيد محمود
سيد محمود

آخر تحديث: الثلاثاء 4 نوفمبر 2025 - 5:55 م بتوقيت القاهرة

أطلّ عازف العود البارز حازم شاهين على جمهوره أول من أمس فى ليلة استثنائية من ليالى مهرجان القاهرة الدولى لموسيقى الجاز. وبدا واضحًا أن شاهين قد تجاوز تجاربه السابقة التى كانت تستند أساسًا إلى فكرة التعبئة والحشد التى برزت معه خلال ثورة 25 يناير، والتى كانت تؤرّق المؤمنين بموهبته، إذ لم يكن مطلوبًا منه أن يصبح «شيخ إمام» جديدًا.

عكس الحفل الذى استضافته ساقية الصاوى الآفاق التى بلغها شاهين كعازف ومؤلف موسيقى ينبغى أن نفخر به، إذ استطاع الحفاظ على توازنٍ لافتٍ بين التزامه بالمبادئ الأساسية التى تؤطّر مشروعه الفنى، وبين حاجته كفنان إلى أفقٍ جديد يجدّد به موهبته.

وظنّى أنه قدّم إجابة عملية على سؤالٍ إشكالى قديم حول قضية حرية الفنان، وهى قضية تجددت خلال نقاشٍ دار قبل الحفل بعدة أيام بينى وبين الروائى المتميز أحمد عونى والفنان سلام يسرى. تناولنا فيه التحدى الذى واجهه مبدعو العالم بعد العدوان الإسرائيلى على غزة؛ حيث أصبح إشهار الموقف السياسى ضرورة، بوصفه جزءًا من المسئولية الأخلاقية للفنان.

انتهينا خلال النقاش إلى ضرورة أن يسعى المبدع إلى بناء موقفٍ نقدىٍّ من تجاربه الإبداعية، أو من فهمه الراسخ لمعنى المسئولية الأخلاقية للفنان، وهى المسئولية التى ينبغى أن تقود خياراته، بشرط ألّا تحدّ من حريته فى التجريب وخوض التجارب التى تتجدد بها روحه الفنية.

أمتع حازم شاهين الجمهور الذى يعرفه، كما جذب إليه جمهورًا جديدًا جاء لاكتشاف تجربته التى لم تعد مستندة فقط إلى الموقف السياسى أو إلى مهارة العزف، بل امتدت لتشمل موقفًا نقديًا من تجاربه ومن التراث الذى ينتمى إليه، بهدف البناء عليه لا هدمه.

وفى حوارٍ مميز أجرته معه الزميلة ميار مهنا، تحدّث شاهين عن المأزق الذى واجهته فرقة اسكندريلا من خلال الصورة التى صدّرتها للناس وأثّرت على مسارها؛ حيث كان من المفترض أن تجد طريقة أخرى تتيح لها الاستمرار فى تقديم فنّها دون تقييد.

درس شاهين فى معهد الموسيقى العربية وبيت العود العربى، كما عمل أستاذًا لآلة العود فى دار الأوبرا المصرية، وخاض تجارب فنية مهمة أضافت الكثير إلى مشروعه كفنان، لعلّ أهمها وجوده فى ورشة الفنان الراحل عبده داغر، التى تحوّل معها إلى فنان «شارب الصنعة»، مثل كثيرين من الفنانين الذين كانوا يحجّون إلى بيت داغر فى حدائق القبة.

فاز شاهين عام 2001 بلقب أحسن عازف عود فى الشرق الأوسط فى مسابقة العود الدولية ببيروت، قبل أن يؤسس فرقة اسكندريلا عام 2005، ويصدر بعدها ألبوماته الناجحة العيش والملح وحاجات وحشانى وصفحة جديدة مع اسكندريلا، وألبوم لقاء مع نسيم جلال.

والأمر المؤكد أن تعرّف شاهين إلى الفنان الراحل زياد الرحبانى خلال مهرجان القاهرة الدولى للجاز عام 2013 مثّل انعطافة بارزة فى مسيرته، ساعدته على الانتقال بتجربته إلى آفاقٍ أخرى، بعد أن نال ثقة زياد الذى دعاه لمشاركته فى حفلاتٍ كثيرة.

وجد زياد فى حازم تعويضًا ما عن غياب رفيقه جوزيف صقر، وأدّى شاهين أغنيات زياد مع جوزيف بطريقة فريدة مستمدة من معرفته الواسعة بطابعها التعبيرى لا التطريبى، مع إضفاء نبرةٍ تهكميةٍ وحسٍّ كاريكاتيرىٍّ واضح يقوم على هضمٍ كامل لتجارب سيد درويش وزكريا أحمد فى هذا الجانب.

وبفضل إيمان زياد بموهبة حازم، تكفّل بإنتاج ألبومه الجديد ذِكر، الذى صدر فى أبريل من العام الماضى، قبل وفاة الرحبانى بشهورٍ قليلة، ولذلك لم يكن مفاجئًا أن يكون شاهين الفنان المصرى الوحيد الموجود فى جنازة معلمه الجديد.

صاغ شاهين خلال الحفل ــ الذى سبق عيد ميلاده بيومٍ واحد ــ هويةً فنيةً مستمدةً من إيمانٍ راسخٍ بقيمة الصدق الفنى التى تأسس عليها طموحه. ورافقته خلال الحفل فرقة موسيقية رائعة تضم مجموعةً من العازفين الموهوبين الساعين مثله إلى التحرر من شروط السوق، ومن أبرزهم نور عاشور (عازف الساكسفون) وشريف مصطفى (عازف البيانو). أما مفاجأة الحفل فكانت عازف الكمان حفيد فنان الشعب سيد درويش.

الفنان الذى أحبّه حازم طوال حياته، وحلم معه بما كتبه فؤاد حداد عن مسئولية الفنان، واصفًا مشروعه بـ: «رفعت فنى إلى مقام الشعب»، وأحسب أن هذا بالضبط ما يتمناه كل فنان.

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2025 ShoroukNews. All rights reserved