هـــل للفقـــراء نصيب فى الدنيا؟

أميمة كمال
أميمة كمال

آخر تحديث: الأربعاء 4 ديسمبر 2013 - 7:00 ص بتوقيت القاهرة

تنويه... «السادة الصحفيون يمكنكم مطالعة تصريح وزير المالية الدكتور أحمد جلال حول الضريبة التصاعدية تعليقا على المقترحات الدستورية للجنة الخمسين والخاصة بالنص على تلك الضريبة، وذلك على موقع الوزارة». انتهى التنويه. كان هذا تنبيها أرسلت به الوزارة للصحفيين للفت نظرهم إلى أن وزارة المالية لها رأى مهم فى الضريبة التصاعدية، يستحق التنبيه على مطالعته.

استبشرت خيرا، وأسرعت للإطلاع على رأى وزارة المالية فى تلك القضية الجدلية، التى عادة ما يبدأ الحوار وينتهى حولها بتأكيد جميع المتحاورين على أن الضريبة التصاعدية هى «عين العدل». وعادة ما يضيف الأثرياء من المتحاورين فقرة للتدليل على قناعتهم، بأن تصاعدية الضريبة ليست عدلا فقط، ولكنها هى أيضا الضمانة للحفاظ على تراكم ثرواتهم، بدلا من الانقضاض عليها، لا قدر الله، فى حال غياب العدل. ولكن ما إن تبدأ المطالبات بتطبيقها، حتى يتنصل الجميع، استنادا إلى أن الوقت لم يحن بعد.

أسرعت إلى الموقع الالكترونى، ويملؤنى الأمل فى أن تكون الوزارة قد وجدت أن الوقت قد حان. فوجدت كلمات للدكتور أحمد جلال وزير المالية تؤكد أن الضريبة التصاعدية إحدى وسائل تحقيق العدالة. جميل.. الوزارة اقتنعت أن الضريبة التصاعدية تحقق العدالة. إذن فهى سوف تبادر سريعا باعتبارها صاحبة القول الفصل فى وضع السياسة المالية، التى تشمل بالضرورة النظام الضريبى.

ومادامت الوزارة ترى أن الضريبة التصاعدية هى احدى وسائل تحقيق العدالة، إذن فلم يعد أمامها إلا أن تفعل. خاصة وأن تصريح الوزير أشار إلى أن الوزارة سيكون لها رأى فى النص الدستورى الذى وضعته لجنة الخمسين الخاص بالضريبة التصاعدية. رائع.. الوزارة لن تسمح للجنة الخمسين وحدها بأن تنفرد بوضع النص الخاص بتلك الضريبة. وبعد أن رفعت القبعة للوزارة على موقفها، واستكملت قراءة بقية تصريحات الوزير وجدت أن رأى الوزارة هو طبقا للنص الرسمى «لا تتحيز مع نص، ضد نص. ولكنها تؤمن بأن النص يجب أن يحقق اهدافا محددة، فى واقع محدد».

ياالله.... «أهداف محددة، وواقع محدد». اعدت ما قرأته مرات ومرات، علنى أعرف ما هى «الأهداف المحددة، أو الواقع المحدد» الذى يقصده الوزير. والحقيقة لم تسعفنى نصائح الأصدقاء، الذين استعنت بهم لتقديم يد المعونة لفك ألغاز التصريح، بل زادتنى نصائحهم حيرة. فقلت ولماذا لا أضع نفسى مكان وزير المالية، وأحدد الأهداف من فرض الضريبة التصاعدية، وأحدد قبلها الواقع الذى أصبح يفرض علينا الإسراع بتطبيقها.

عندما جلست افتراضيا على كرسى وزير المالية، لم اجدنى احتاج أى جهد ذهنى ولا جسدى للبحث عن الواقع، ولا عن الأهداف، لأننى وجدتها على سطح المكتب. الواقع يقول إن شريحة أفقر 10% من المصريين لم يزد حقهم فى هذا البلد على استهلاك 4% مما يستهلكة كل المصريين. بينما «عين العدل» أن يكون نصيب هؤلاء هو 10% مما يأكله، ويشربه، ويلبسه، ويتعلم، ويتعالج به كافة المصريين. يعنى الواقع يقول إن 6% من حق هؤلاء البشر ينتزع منهم من جانب الأغنى والأقوى والأشرس.

فى نفس الوقت الذى يعيش فيه أغنى 10% من المصريين يقتطعون لأنفسهم نحو 26% من إجمالى ما يستهلكه الشعب كله. بينما «عين العدل» ألا يزيد نصيبهم على 10% من استهلاك كل المصريين. أى أن هذه الشريحة فى هذا البلد استحوذت على نصيب يزيد على حقها العادل بمقدار 16%. وهو ما حرم منه آخرون من الأفقر، والأضعف، والأكثر هشاشة من البشر.

والأكثر مرارة فى هذا الأمر أن نصيب الناس الأفقر من استهلاك كل المصريين ثابت لم يتغير منذ عام 2008 عند نسبة 4.1%. بينما مايزيد الأمر مرارة أن نصيب العشر الأغنى قد زاد عن نفس العام بمقدار نحو 0.5%. أى أن الفقراء لم يحصدوا أى نصيب من حقهم فى المأكل والملبس والمشرب أزيد، عما كان متاحا لهم، فى زمن مبارك «المخلوع» بسبب ضيق حال هؤلاء الناس.

أى أن واقع ما بعد ثورة يناير ليس أفضل كثيرا عما قبله. حيث حملت أوراق جهاز الإحصاء واقعا مؤلما للمصريين فى عام 2012/2013 تحت عنوان بحث عريض هو دخل وإنفاق واستهلاك المصريين خلال العامين الماضيين. وما زالت أوراقه تحمل سخونة المطبعة.

ولا أعرف ما إذا كان هذا هو الواقع الذى كان يقصده وزير المالية فى تصريحاته، أم أن واقعا آخر قد يراه الوزير، ولا تراه أوراق جهاز الإحصاء؟.

وهل يدخل فى خريطة واقع الوزير أن هناك أكثر من ربع المصريين يعيشون بأقل من 11 جنيها فى اليوم. وإن هذه الملايين تصنف تحت خانة الفقراء؟.

وإذا طالع الوزير هذه الخانة، سيجد أن نصف المصريين الذين قادتهم أقدارهم للعيش فى ريف وجه قبلى، هم من الشريحة الثابتة فى هذه الخانة الظالمة، وهو ما يزيد من مرارة الواقع. وربما يكون الأكثر ظلما فى هذا الواقع، هو أن افقر شريحة من المصريين تضطر إلى اقتطاع 49% من دخلها للصرف على الأكل والشرب. بينما أغنى فئة من المصريين لا توجه سوى 27% فقط من دخلها على ما يأكلونه ويشربونه. يعنى نصف دخل الفقير يذهب للأكل والشرب، والربع فقط من دخل الأغنياء، هو ما يقتطعونه للصرف على بطونهم.

ولهذا عندما يأتى الدور على الصرف على التعليم، ينعكس الواقع ليبين لنا أن أغنى الاغنياء (الـ10% الأغنى بيننا) يصرفون على التعليم 6% من انفاقهم السنوى. فى حين ان أفقر الفقراء (الـ10% الأفقر من المصريين) لا يستطيعون تدبير ما يصرفونه على التعليم سوى 1.8% فقط من انفاقهم السنوى. وغالبا ما يصبرون أنفسهم، وأولادهم بمقولة الفقراء المعتمدة فى الحالات التى يقتضى فيها الأمر التحصن بالصبر وهى «العين بصيرة، والأيد قصيرة».

ولهذا سيظل الواقع هو نفسه. الفقراء لا يحصلون إلا على مستوى تعليمى منخفض، مهما امتلكوا من قدرات ذهنية، وهو ما لا يتيح لهم أى فرص للعمل اللائق، الذى يمكن أن ينقلهم هم وأسرهم للشريحة الاجتماعية الأعلى. وبالتالى يأتون للحياة بأطفال يظلون فى نفس الخانة الاجتماعية، التى لا أمل من الفرار منها. بينما سيظل الأغنياء يحصلون على أعلى الشهادات العلمية، من أفضل الجامعات المصرية، والأجنبية. وهو مايتيح لهم فرص عمل لائقة وكريمة، تحقق لهم دخلا معتبرا. يسمح لهم بالبقاء فى نفس الشريحة الاجتماعية الأعلى. وغالبا ما يسعدهم الحظ بالانتقال للشريحة الأعلى.

وليس أدل على ذلك من أن نتائج بحث الدخل والإنفاق التى اخرجها جهاز الإحصاء منذ أيام، تشير إلى أن 3% فقط من الفقراء هم من لديهم شهادة جامعية، أى أن الواقع شاهد على أن التعليم وحده هو القادر على إخراج الفقراء من خانة الفقر. ولأنه أكثر من ثلاثة أرباع الفقراء لم يزد القسط الذى نالوه من التعليم على اجتيازهم عتبة المرحلة الابتدائية فى العامين الماضيين، فمن المؤكد أنه لا أمل لديهم من الفكاك من تلك الخانة اللعينة.

هذه هى الخانات الواقعية التى تصنف المصريين، ويبدو فيها الواقع مفضوحا، فهو غالبا لا يخرج الأفقر من خانته، بينما يقذف دوما بالأغنى إلى أعلى سلم الغنى.

ويظل السؤال مطروحا ألم يحن الزمن الذى يكون للفقراء نصيب فى الدنيا، أم عليهم انتظار الآخرة التى يوعدونهم بها، إذا صبروا؟ سؤال كل الأزمنة.

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved