حتى لا يخرج العرب من التاريخ: أبناؤنا يخجلون بنا.. ونحن نحتمى بالماضى!

طلال سلمان
طلال سلمان

آخر تحديث: الثلاثاء 4 ديسمبر 2018 - 11:20 م بتوقيت القاهرة

اندثرت قيمة «العرب»، كأمة، أو كدول، أو تكاد: الدول الأغنى بالنفط أو الغاز مرتهنة لمكتشفيه ومستثمريه، والدول الفقيرة مرتهنة ــ بحاجتها ــ لمن يسترهنها بالقروض والمساعدات المشروطة.
لعل المؤتمرات واللقاءات الدولية تقدم مؤشرا على الواقع العربى الجديد وآخرها ذلك الذى عقد فى الأرجنتين، وشارك فيه رؤساء الدول الكبرى الولايات المتحدة الأمريكية والاتحاد الروسى وفرنسا وبريطانيا وكندا والصين وبعض الدول الإفريقية إلخ.
أما الدول العربية فقد اقتصر تمثيلها على السعودية بشخص ولى عهدها الأمير محمد بن سلمان، وكان حضوره مفاجأة المؤتمر، بعد كل الاتهامات وأنماط اللغط التى رافقت ثم أعقبت اغتيال الكاتب الصحفى جمال خاشقجى فى قلب القنصلية السعودية فى إسطنبول.
كانت هذه القمة مثيرة بما حفلت به من اتفاقات ثم من مفارقات كامتناع الرئيس الأمريكى دونالد ترامب عن لقاء الرئيس الروسى فلاديمير بوتين للتباحث فى القضايا المعلقة بين القطبين الدوليين.
كذلك بين ما يثير فيها أنها آخر قمة تحضرها المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل.
وأن الرئيس الفرنسى إيمانويل ماكرون الذى شارك فيها عاد إلى بلاده ليجد أن قوس النصر الذى يكلل جادة الشانزليزيه فى قلب باريس، قد أصابته شعارات المتظاهرين الذين ملأوا الجادة، مرة أخرى، مطالبين بحقوق اقتصادية (فى الأجور والتعويضات) تحفظ كرامتهم، بعد طول إذلال.
كان واضحا أن ولى العهد السعودى قصد الخروج من المملكة، لأول مرة بعد سيل الاتهامات حول اغتيال خاشقجى، فى محاولة لتأكيد براءته من تلك الجريمة، وأنه يتمتع بحرية الحركة، بلا خوف.. وهو قد زار فى طريق الذهاب القاهرة وتونس، ولو لمدة ساعات، وأكمل جولته فى طريق العودة عن طريق موريتانيا إلى الجزائر.
***
لم يأت المؤتمر الدولى فى الأرجنتين على ذكر القضايا العربية، وغابت فلسطين عن الخطب كما عن المقررات، ولو من باب استذكار ما يحدث لشعبها من اضطهاد وقتل وأسر وإفقار متعمد.
كذلك فهو لم يأت على ذكر اليمن والمذبحة المفتوحة فيها منذ سنوات، تم خلالها تدمير العمران فى دولة الحضارة الأولى فى التاريخ الإنسانى.
ولا ذَكَرَ العراق الذى دمره الاحتلال الأمريكى بذريعة القضاء على حاكمه الديكتاتور صدام حسين، قبل ستة عشر عاما، والذى يعجز مجلسه النيابى الجديد عن ابتداع حكومة جديدة تخلف حكومة علاوى، بينما مختلف المدن فى أرض الرافدين، بغداد ــ درة المنصور وهارون الرشيد، والموصل، والبصرة عند شط العرب، والنجف والكوفة والرمادى والسماوة، تغرق فى فقرها وآثار الدمار التى لم تزل ماثلة للعيان، لعجز السلطة التى نهب بعض أركانها السابقين ثرواتها وتركوها خرابا.
ولا هو أشار إلى سوريا الغارقة فى دمها وإلى جحافل العصابات التى قاتلت شعبها ودمرت عمرانها، معززة بالعدو الإسرائيلى الذى يواصل رئيس حكومته نتنياهو «فتح» العواصم العربية أمام احتلاله الذى تجاوز فلسطين إلى عواصم عدة فى مشرق الوطن العربى كما فى مغربه.
*****
لقد تناقصت قيمة العرب كأمة أسهمت فى صنع الحضارة الإنسانية لعقود طويلة، حتى لتكاد تندثر.
إن «المواطنين العرب»، لأى «دولة» انتموا، يقفون على أبواب السفارات الأجنبية يطلبون «فيزا» إلى أى مكان خارج أوطانهم، طلبا لحياة «كريمة» ولو فى قلب الغربة والعوز، بعدما عزت عليهم الحياة الكريمة فى بلادهم.
والتهريج عبر الحديث عن تعاظم دخل السياحة فى الدول العربية ذات التاريخ، يعنى ــ فى حال صحته ــ أن الأجانب يأتون إلى ماضينا، بينما نذهب إلى «مستقبلنا» المجهول عندهم. صار النفط أهم من الأمة العربية بكل تاريخها، وصار «الغاز» من عناوين الغد العربى.
***
أما السياسة فتكاد تنعدم فى الوطن العربى حيث لا أحزاب ولا جبهات سياسية بشعارات تحيى الأمل بالغد، ولا نقابات عمالية تحمى حقوق من يبذل عرق الجبين فى بناء بلاده، سواء لحساب «القطاع العام» أو لحساب «القطاع الخاص».
وفى غياب السياسة، كاهتمام شعبى وحق مشروع فى الشأن العام كافة، وكحق طبيعى للمواطنين جميعا بعد تخطيهم حاجز «الرعاية» تصبح الدولة مجموعة من الأجهزة الأمنية واللجان الاقتصادية التى تقرر فى غياب «الشعب» أى «الرأى العام».
إن القرار العربى مرتهن، سياسيا واقتصاديا، ثقافيا وفكريا وإعلاميا.
إننا ننطق بلسان غيرنا، وأبناؤنا لا يعرفون لغتهم الأم، ويعرفون عن أمريكا وعن أوروبا، وحتى عن الصين واليابان، أكثر مما يعرفون عن بلادهم، سواء فى التاريخ أو حتى فى الجغرافيا، وفى الاقتصاد كما فى الثقافة.
إننا بلاد لا تنتج ما يطعمها.. نستورد حتى ما كنا نصدره من فاكهة وخضار ومنتجات صناعية. نبيع النفط بثمن يقرره الغرب ثم نستورده، مكررا، بأضعاف ثمن البيع، لنركب السيارات المستوردة، ولنلبس الثياب المستوردة، والطائرات المستوردة وصولا إلى المياه المستوردة.
إننا نستهلك ما لا ننتج، فكيف يمكن أن نستحق مكاننا فى عالم القرن الحادى والعشرين؟!
إن ماضينا القريب أفضل من حاضرنا، أما ماضينا البعيد فنحن أعجز من أن نحميه فكيف، إذن، نستحقه.
إن الأمة بحاجة إلى نهضة شاملة تخرجها من حال الهوان التى تعيشها الآن، وتثبت لها أولا، وقبل الآخرين، جدارتها بتاريخها الذى يكاد يكون بداية النهوض الإنسانى، حضارة وثقافة وعمرانا، من اليمن إلى الأندلس.
هامش: فى زيارة لبعض الجامعات فى أوكسفورد، ببريطانيا، قال لى عميد إحدى الجامعات ما مفاده «إن أول كتب كانت نواة للمكتبة الغنية فى مدينة الجامعات إنما جاءتها، عن طريق التهريب، من الأندلس.. وكانت باللغة العربية، وقد تعبنا لترجمتها بواسطة مستعربين جاءونا كمهاجرين».
***
إن النفط والغاز ثروة طبيعية.. ولكنها لا تحيى أمة، ولا تبنى المستقبل الأفضل، والبلاد العربية التى أنعمت عليها الطبيعة بهذه الثروات أعجز من أن تستثمرها فى صنع الغد الأفضل، إذ إن بعض حكامها أشباه أميين، وهم بالكاد يقرأون، ولا يعرفون شيئا عن الغد لأنهم يعيشون فى الماضى، ويتباهون بما لم ينتجوه، ويأتون بمن يبنى لهم قصورهم ويخطط لغدهم فى بلادهم التى لا يعرفونها كما يعرف الإنسان اباه وأمه.
إننا خارج التاريخ، حتى إشعار آخر.
إن بلادنا محتلة، ومستعمرة، أو مرتهنة الإرادة، كما لم تكن فى أى يوم من تاريخها.
إن أبناءنا لا يعرفون لغتهم ولا تاريخهم، ويخجلون بأهلهم، وينظرون إلى تاريخنا وكأنه مجموعة من الأساطير.
إننا ندفن غدنا فى أمسنا، ونحاول استيراد الغد من خارج بلادنا وقدراتنا وطاقتنا على الإبداع والبناء.
إننا بحاجة إلى ثورة شاملة على واقعنا، بكل أثقاله المعوقة عن اللحاق بالغد.
ولنا الأمل بأن هذه الثورة لا بد آتية، وإلا أخرجنا العصر من التاريخ!

طلال سلمان

رئيس تحرير جريدة السفير اللبنانية

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved