حزب الله يحاصر نفسه

من الفضاء الإلكتروني «مدونات»
من الفضاء الإلكتروني «مدونات»

آخر تحديث: الأربعاء 4 ديسمبر 2019 - 11:15 م بتوقيت القاهرة

نشرت مدونة الديوان التابعة لمؤسسة Carnegie مقالا للكاتب MICHAEL YOUNG تناول فيه الوضع فى لبنان، وكيفية تعامُل حزب الله مع الاحتجاجات هناك، وما هى الخيارات المتاحة أمام الحزب لإنهاء الأزمة، ونعرض منه ما يلى:

أصبح الحزب الموالى لإيران «حزب الله» مرتبطًا بالنظام السياسى الفاسد فى لبنان الآن. فمنذ بدء الانتفاضة اللبنانية فى 17 أكتوبر، قام حزب الله بعدة مناورات سياسية أوقعته فى معضلة كبيرة، ستكون لها تداعياتها المحتملة على الحزب.
فى البداية، فهم حزب الله أن الاحتجاجات الشعبية الواسعة ضد الطبقة السياسية وطريقة إدارتها للبنان تمثل تهديدًا للنظام الذى كان يحمى الحزب منذ عام 2005. ومع ذلك، كان الأمين العام للحزب «حسن نصر الله» حريصًا على عدم اتخاذ موقف حاد ضد حركة الاحتجاج، مفضلا فى البداية تقديم النصيحة للمحتجين بقبول استجابة المسئولين اللبنانيين لمظالمهم حتى وإن كانت استجابة تدريجية.
قلل نصر الله من انعدام الثقة بين المواطنين والقيادة السياسية. وعمل على صد حركة الاحتجاج، ولكن دون جدوى. فتراجع عن محاولات الصد وبدا ذلك جليا فى خطاباته التكتيكية مستخدما مسلحى الحزب لإرهاب المحتجين.. فشلت هذه الحيلة أيضا وواجه الحزب انتقادات علنية متزايدة، وأصبح ينظر إليه الآن على أنه المدافع الرئيسى عن نظام سياسى فقد مصداقيته تمامًا.
عندما استقال رئيس الوزراء المؤقت سعد الحريرى فى 29 أكتوبر، ترك حزب الله معلقًا. أراد نصر الله أن يبقى الحريرى فى منصبه، لكن الحريرى قلب الطاولة، عالما أن هذا سيؤدى إلى إحدى النتيجتين: إما أنه سيُسمح له بتشكيل حكومة جديدة بشروطه، أو سيتم منعه من القيام بذلك، مما يجبر حزب الله وحلفاءه على تشكيل حكومة مواجهين بذلك الغضب الشعبى والانهيار الاقتصادى الذى يلوح فى الأفق.
ناور الحريرى بشكل جيد. لكن فى الأسبوع الماضى، وفى مواجهة رفض حزب الله وحركة ميشيل عون وجبران باسيل الوطنية الحرة السماح له بتأسيس حكومة تكنوقراطية بحتة ــ مطلب حركة الاحتجاج ــ انسحب من المشهد تاركا حزب الله فى وضع حرج. يحتاج حزب الله سعد الحريرى كرئيس للوزراء، فوجوده يوفر غطاء قيِّم، ويعتبر الحريرى أيضًا أحد السياسيين القلائل الذين يتمتعون بمصداقية دولية كافية لجلب الأموال إلى لبنان والتحدث مع المؤسسات المالية العالمية والمستثمرين.
فى المقابل، إذا شكل حزب الله حكومة ذات لون سياسى واحد مع عون وباسيل ورئيس البرلمان نبيه برى، فإن العواقب ستكون كارثية. فمثل هذه الحكومة لن تواجه معارضة من أغلب اللبنانيين فحسب لكن لن يكون لها وزن دولى، وقدرة على التفاوض لإخراج لبنان من مأزقه.
***
ليس لدى حزب الله خيار استخدام القوة العسكرية لتوحيد الجبهات المختلفة فى البلاد. لا يرغب الحزب فى التوجه للمناطق الشيعية لإسكات المحتجين هناك، ومحاولاته فعل ذلك فى المناطق السنية والمسيحية والدرزية باءت بالفشل. وإذا ما حاول استخدام هذا الخيار ــ والذى يعتبره أسوأ خيار على الإطلاق ــ فستنحدر البلد إلى حرب أهلية تؤدى إلى تحييد حزب الله كوكيل لإيران فى الحرب ضد إسرائيل. لذا فإن أقصى ما فعلته هو نشر بلطجية مع حلفائهم فى حركة «أمل» لإخافة المحتجين. إلا أن آخر مرة حدث فيها هذا قاتل المحتجون وظهر حزب الله وحركة «أمل» وكأنهما قطاع طرق.
كان الحل الأخير للخروج من هذا المأزق هو اقتراح أن يشكل سمير خطيب الحكومة. لم يُطبق هذا الحل لأن حزب الله لم يرد رجلا سياسيا غير معروف. ربما شعر الحزب أن الخطيب لن ينقطع عن المحتجين أو المجتمع السنى. كما أنه ليس لديه ما يكفى من المال للتنقل فى لبنان بسبب الانهيار المالى الذى تشهده البلاد، لذلك كله ربما يسعى حزب الله لإقناع الحريرى بإلغاء قراره بعدم تولى منصب رئيس الوزراء.
إذا كان هذا هو ما يؤمن به حزب الله بالفعل، إذا سيكون من الصعب الاختلاف معهم. وبات واضحا للجميع أن الحريرى هو المرشح الجاد الوحيد المناسب للموقف. وما كان قراره بالانسحاب من المشهد إلا خطوة تكتيكية لإجبار حزب الله وعون وباسيل على الوصول إلى هذا الاستنتاج.
سيظل حزب الله عالقا إذا رفض إظهار المرونة فى تشكيل حكومة جديدة. وبمحاولته الحفاظ على النظام الحالى الفاسد ومصالح حلفائهم سيعجل بزوال النظام. وإذا انهار النظام فى ذلك الوقت الذى يعتبر فيه حزب الله أقوى مدافع عن الطبقة السياسية التى تسببت فى هذه الأزمة، فإن العواقب قد تكون مدمرة وبعيدة المدى بالنسبة للحزب.
***
فى غضون فترة زمنية قصيرة نسبيا، لن يكون أمام لبنان خيار سوى الذهاب إلى المؤسسات المالية الدولية لتأمين رأس المال لاقتصاد فى حاجة ماسة إلى السيولة. ولن يكون لدى الطبقة السياسية أى مجال للمناورة لمنع مثل هذه النتيجة، حيث سينفجر اللبنانيون فى ذلك الوقت. فى الواقع، إن تأخير أى تدخل خارجى قد يكون بمثابة عملية انتحارية لكل من الطبقة السياسية وحزب الله.
بمجرد أن يفرض صندوق النقد الدولى حزمة إصلاح على لبنان، ستكون قدرة السياسيين على منعها محدودة. سيكون هناك الكثير من المعاناة لأن حزم صندوق النقد الدولى ليست لطيفة أبدًا. لكن السياسيين سيجدون صعوبة أكبر فى السرقة ولن يكون أمامهم خيار سوى التمسك بشروط صندوق النقد الدولى إذا كانوا يريدون المال. كما ستتغير طبيعة القيادة السياسية فى لبنان لأنه ستكون هناك سلطة ورقابة صارمة على رءوس السياسيين.
البديل الوحيد إذن هو قبول حكومة ذات مصداقية تتمكن من التوصل إلى اتفاق مع المجتمع الدولى يركز على الإصلاح الاقتصادى، وإعادة جدولة الديون، واتخاذ تدابير لتجنب التقشف الشديد، وصدقا متى رأى اللبنانيون النور فى نهاية النفق، فسيضحون من أجل حكومة يؤمنون بها.
لقد قيل الكثير عن تصريحات نصر الله الأخيرة التى مفادها أن لبنان كان عليه أن ينظر فى العلاقات الاقتصادية البديلة لتلك القائمة مع الدول الغربية. الصين وروسيا وإيران فى وضع لا يسمح لهم بمساعدة لبنان، كما أنهم ليس لديهم الحافز للقيام بذلك. علاوة على ذلك، يعرف اللبنانيون أن معظم القوة الاقتصادية تكمن فى الغرب.
أما الشيعة، فلم يدعموا حزب الله بسبب دعمه للنظام اللبنانى المتسبب فى سنوات من الفقر. كانوا يعتبرون حزب الله بمثابة تذكرة للنهوض الاجتماعى والقضاء على الفقر. بمجرد زوال النظام، سيكون لدى نصر الله مئات الآلاف من أتباع الديانات لإطعامهم، والاحتمالات أكثر من مجرد أن الأغلبية ستلوم حزب الله على مأزقهم.
فى نهاية الأزمة اللبنانية الطويلة، ما الذى يمكن لحزب الله أن يقدمه؟ الأسلحة؟ مقاومة؟ شعارات؟ ما هو رصيدهم لدى اللبنانيين عند انتهاء الأزمة؟ لا يقدم حزب الله أى حلول جدية لمشاكل منطقة تتسم بتدهور الظروف المعيشية، وتزايد عدد الشباب الذين يفتقرون إلى آفاق مستقبل مزدهر، وقيادات فاسدة نهبت وقمعت مجتمعاتهم. هذه لحظة دراماتيكية فى حياة الحزب الذى يجد نفسه سجينًا لدوامة من الاتهامات تمزق منطقة فى تحول كامل.
إعداد: ياسمين عبداللطيف زرد
النص الأصلى:من هنا

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved