درس من استبداد أردوغان

أشرف البربرى
أشرف البربرى

آخر تحديث: الأربعاء 4 ديسمبر 2019 - 11:15 م بتوقيت القاهرة

يبدو أن حالة الهوس بأوهام الإمبراطورية التى يعانى منها الرئيس التركى رجب طيب أردوغان تجاوزت حدود التصور. فالرجل أعاد رسم خريطة بلاده ليضم العديد من الجزر اليونانية من جانب واحد ويطلق عليها اسم «الوطن الأزرق» ويرسلها إلى الأمم المتحدة، واستكمل هوسه بتوقيع اتفاق مع رئيس حكومة الوفاق الليبية فائز السراج لترسيم حدود بحرية بين البلدين علما بأنه لا توجد أى مياه مشتركة بينهما فى ظل وجود جزيرة كريت اليونانية الكبيرة.
ورغم أن الأصل فى اتفاقيات ترسيم الحدود هو «الإشهار» لأنها ترتبط فى أغلب الأحوال بأطراف أخرى مجاورة، فإن أردوغان فرض سياجا من السرية على الاتفاق الذى وقعه مع السراج، لأنه يدرك أكثر من غيره أنه بلا أى قيمة من منظور القانون الدولى.
هذا الاتفاق ليس أكثر من دليل جديد على أن بقاء أردوغان الطويل فى السلطة حوله من رئيس حكومة ناجح وصاحب تجربة تنموية لا ينكرها أحد فى سنوات حكمه الأولى، إلى حاكم مستبد يقود بلاده إلى الهاوية بعد أن أطاح بأقرب حلفائه ومستشاريه مثل وزير الخارجية أحمد داوود أوغلو الذى قاد السياسة الخارجية التركية نحو ما يعرف باسم «صفر مشكلات» وعبدالله جول الذى قادة الحزب إلى الفوز فى الانتخابات عام 2002 عندما كان أردوغان ممنوعا من العمل السياسى بسبب الحكم بسجنه عام 1998 بتهمة التحريض على الكراهية.
وقد دفع قادة حزب العدالة والتنمية أنفسهم ثمن السماح بتحول أردوغان من مجرد رئيس للحزب لا يجب أن تزيد ولايته عن فترتين كل فترة 4 سنوات إلى زعيم مدى الحياة يتم تعديل اللوائح من أجل استمراره على رأس الحزب، وبالتالى على رأس الدولة، فأطاح بقيادات كبيرة فى الحزب حتى ينفرد بالسلطة والسلطان.
والآن يدفع الشعب التركى كله ثمن السماح لأردوغان بالبقاء فى السلطة لأكثر من 16 عاما، سواء كرئيس للوزراء أو رئيس للجمهورية، فسقطت تركيا فى بحر من المشكلات مع كل جيرانها، وأصبحت التجربة الديمقراطية التى حولت أردوغان نفسه من بائع للبطيخ إلى رئيس للجمهورية فى مهب الريح، ودخل الاقتصاد التركى نفقا مظلما بعد سنوات من النجاح.
ولم يكن تحول أردوغان من رئيس حكومة ناجح، إلى حاكم مسكون بجنون العظمة وأوهام الإمبراطورية، إلا نتيجة مباشرة وربما حتمية للبقاء فى السلطة كل هذه السنوات. فلو كان الرئيس قد التزم بقواعد اللعبة الديمقراطية فى بلاده وترك مناصبه التنفيذية بعد ثمانى سنوات فى رئاسة الحزب والحكومة، لربما استمرت تركيا فى طريق التقدم والرخاء.
أخيرا نقول إذا كانت السلطة المطلقة مفسدة مطلقة، فإن تجربة الرئيس التركى رجب طيب أردوغان الذى سعى إلى التأبيد فى السلطة عبر التلاعب بقواعد اللعبة والإطاحة بالشركاء قبل الخصوم، تؤكد أن البقاء الطويل على رأس الحكم هو الباب الملكى نحو هذه السلطة المطلقة التى هى بالقطع مفسدة مطلقة، بغض النظر عن كل ما يردده مرتزقة السلطان ومواليه عن ضرورة بقائه لاستكمال مسيرة الإنجازات، وضمان الاستقرار والأمن ومواجهة المؤامرات الكونية التى تستهدف البلاد، وحتى لا تصبح البلاد مثل سوريا والعراق.

 

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved