التوجه إلى التصدير... حتمية المرحلة القادمة للإصلاح

ماجدة شاهين
ماجدة شاهين

آخر تحديث: السبت 4 ديسمبر 2021 - 8:00 م بتوقيت القاهرة

على الرغم من الحماس المتصاعد لزيادة الصادرات، فإن مصر ليست من بين الدول التى حققت نجاحًا فى هذا المجال، حيث لا تتعدى نسبة صادراتها من الناتج المحلى الإجمالى نسبة الـ13٪، بينما بلغت الصادرات السلعية لدول مثل المغرب وفيتنام والمكسيك 35٪ و106٪ و40٪ على التوالى من الناتج المحلى الإجمالى، لتحتل مصر بذلك المرتبة 129 من أصل 139 دولة فى 2020. كما تحتل مصر المركز الـ171 من بين 190 دولة فى التجارة عبر الحدود. وربما ليس من قبيل المصادفة أن تحتل مصر مرتبة متقدمة ضمن أكثر الاقتصاديات حماية فى العالم. هذا، ولم تأت سياسات الحماية لمصر بالنجاح فى الماضى ولن تأتى لها بالنجاح مستقبلا.
وجاء إعلان السيد الرئيس عاليا مدويا عن زيادة صادراتنا إلى 100 بليون دولار خلال السنوات الأربع القادمة، وما يعنيه ذلك صراحة من الحاجة إلى التحول الفكرى ونظرة جسورة إلى المستقبل. وما كان على مصر إلاّ أن تسعى حثيثا إلى تحقيق هذا الهدف. فتكالبت الوزارات المختلفة وعلى رأسها وزارة التجارة والصناعة للعمل على رفع قدراتنا على التصدير والسعى نحو فتح مزيد من الأسواق ورسم الخطط الجديدة والطموح لزيادة الصادرات. وتكاد تواجهنا الصحف يوميًا بنجاحات فى صادراتنا إلى أفريقيا، وزيادة فى قيمة الصادرات بـ40% خلال الأشهر القليلة الماضية، وخطط جديدة لوزارة التجارة والصناعة لمزيد من المراكز اللوجستية وشراكتها مع المجالس التصديرية لفتح الأسواق. فى حين تتجه وزارة المالية إلى تخفيض بعض فئات التعريفة الجمركية لتحفيز الاستثمار. وعلى الرغم من أننا نحترم ونفتخر ونثنى على هذه الجهود والنجاحات، فما زال أمامنا الكثير.
فإن مصر قطعا ليست بحاجة إلى خطط أو استراتيجيات جديدة لتلحق بمصير أخواتها على الرف. ولكن مصر بحاجة ماسة إلى كسر الجمود الفكرى المتأصل فى البيروقراطية الراسخة داخل أروقة الحكومة وتوحيد الهدف بين الوزارات المتصارعة والمعرقلة للتقدم وبناء الثقة بين الحكومة والقطاع الخاص الوطنى للعمل معًا والإقلاع عن محاولات استغلال أحدهما للآخر. فكلاهما يهدفان إلى مصلحة واحدة وهى مصلحة مصر.
•••
هذا ما يحدو بنا إلى تعلية صوتنا لنقول، لا.. للاكتفاء بالخطط والاستراتيجيات التى طالما أعلنت عنها الوزارات منفردة الواحدة تلو الأخرى دون جدوى، لا.. للوعود بالدعم والحوافز دون الالتزام بها، لا.. لحلم مضاعفة صادراتنا فى ظل استمرار المزايدات وتضارب الأهداف دون السعى نحو التعاون والتنسيق فيما بينها، لا.. لغياب القطاع الخاص عن دوائر صنع القرار، لا.. لإرهاق المصدرين بمزيد من الأعباء المالية والعوائق الإدارية، لا.. للمنافسة غير العادلة التى يتعرض لها القطاع الخاص. لا.. للعودة مرة أخرى إلى سياسات عفى عليها الزمن وسط التغيرات سريعة الإيقاع والمنافسات الشرسة بالسوق الدولية.
لقد أخفقت مصر سابقا فى التصدير، وليس من المستبعد أن تخفق من جديد إن لم تتكاتف كل الجهود انصياعا وراء مطلب السيد الرئيس بمضاعفة التصدير ومواجهة التحديات والتناقضات بصراحة وشفافية. فإن التحديات التى تواجه المصدرين وتجعلهم يفضلون البقاء فى السوق المحلية كثيرة، وتتطلب بداية تغيير جذرى فى فلسفة التصدير والتجارة بشكل عام. ونسارع بالقول إننا لا نقوض من أهمية الارتقاء بالصناعة المحلية، ولكن دعونا لا نجعل ذلك على حساب الواردات ومدخلات الإنتاج، التى تعد عنصرًا أساسيًا فى الصادرات عالية الجودة والاندماج فى سلاسل القيمة العالمية. فإن ارتفاع درجة الحماية من شأنه أن يحول دون جذب الاستثمارات ويضعف من قدرة المنتَج المصرى على المنافسة الدولية مكتفيا بمستويات إنتاج متدنية والبقاء داخل السوق المحلية دون المغامرة دوليا.
•••
ولا نخشى هنا من تناول بعض التحديات والقضايا التى لم تحظ بنصيبها من التحليل والدراسة، التى تستمر بدفع مصر إلى المراتب الدنيا مقارنة بأقرانها. ومن بين أهم هذه التحديات التضارب بين الوزارات وهيئاتها بالنسبة للسياسات التجارية، فإن هناك حاجة ماسة إلى تنسيق أقوى على مستوى مجلس الوزراء. فمن المؤسف أن تستمر الوزارات والهيئات فى التمسك بالنهج الفردى الذى يلوح فى الأفق بأهداف قطاعية ووزارية ضيقة وتفشل فى رؤية الهدف الشامل الذى يتطلب تضافر الجهود والعمل المشترك بين الوزارات لتلبية مطلب السيد الرئيس. ففى حين أن أحدا لا يجادل مسئولية وزارة التجارة والصناعة والتزامها بزيادة الصادرات، فإنها بعيدة تماما عن إجراءات التخليص أو الطلبات العديدة للرسوم والتكاليف الرسمية وغير الرسمية ولا تشارك فى المزايدات فى رفع هذه التكاليف على الرغم من تأثيرها السلبى على صادراتنا ووارداتنا، لأن وزارة الصناعة والتجارة لا تمتلك رأيًا عندما تتعلق القضية بإيرادات خزينة الدولة، والتى هى اختصاص أصيل لوزارة المالية التى لا تعتبر زيادة الصادرات وتيسير التجارة ضمن أولوياتها.
أمّا التحدى الثانى والذى لا يقل أهمية عن سابقه فهو بناء الثقة بين الحكومة والقطاع الخاص للعمل معًا فى رسم السياسات التجارية، بما يجعل الصادرات أكثر جاذبية للقطاع الخاص، وهو الأمر الذى قد يتطلب مشاركة القطاع الخاص فى تحديد معايير التنافسية والربحية فى التصدير. ففى ظل عدم وجود سياسات متفق عليها لترويج الصادرات، لن تحقق مصر طموحاتها. وهذا بدوره يتطلب إقامة حوار مؤسسى قوى ومنظم بينهما حول الاستراتيجية والرؤية للمضى قدما نحو التنفيذ الفعّال لخارطة طريق واضحة ومحددة لا ينبغى أن تظل حبرا على ورق. فإن الافتقار إلى التنسيق المنتظم مع القطاع الخاص واللوائح المرهقة للصادرات وعدم تكافؤ الفرص بين القطاعين العام والخاص لا يشجع القطاع الخاص على المخاطرة بحصته فى الاقتصاد والتصدير وتجبر القطاع الخاص على اختيار أفضل السيئين وهو الإنتاج للسوق المحلية أو العمل كمقاول من الباطن للقطاع الحكومى.
واعترافا بأن مصر تمر بمرحلة انتقالية استثنائية أدت إلى أخذ الحكومة بزمام الأمور تعجيلا للقضاء على التطرف ووضع مصر على الطريق الصحيح، فإننا اليوم فى حاجة إلى وقفة لاسترجاع بيئة تنافسية عادلة ومتوازنة لعدم ترهيب القطاع الخاص ودفعه إلى الانسحاب بل على العكس إيجاد الحافز للقطاع الخاص لاستعادة نشاطه وضخ مزيد من الاستثمارات الإنتاجية وزيادة مستويات العمالة والتصدير.
وبالإضافة إلى هذين التحديين تتمثل الإجراءات الحدودية المطوّلة والمعقدة، بما فى ذلك التخليص الجمركى المرهق، والرسوم والمصاريف المفرطة الرسمية وغير الرسمية للمصدرين والمستوردين والإتاوات واللوجستيات وعدم توافر المعلومات والتنفيذ الصادق للحوافز. تمثل هذه الإجراءات معوقات ضخمة فى مواجهة المصدرين وتؤثر على القدرة التنافسية للصادرات المصرية على الصعيدين الإقليمى والسوق الدولية. كما أنه من المؤسف أنه طالما تمنح الحكومة الحوافز للقطاع الخاص باليد اليمنى فتعود وتسحبها باليسرى. وليس أدل على ذلك من إخفاق نظام رد الأعباء لموازنة تكاليف المصدرين أمام المبالغة والتشدد فى الإجراءات والمستندات المطالب المصدّر باستيفائها، من حيث تقديم مستندات مستفيضة تثبت استيراد السلع التى استخدمت كمدخلات للتصدير دون مراعاة احتمال اقتنائها من السوق المحلية. كما تم فرض شرط التصدير خلال فترة لا تتعدى السنة ونصف منذ استيراد تلك المدخلات وإلاّ يسقط حق المصدّر فى استرداد مستحقاته. فإن حافز استرداد الأعباء جاء بمفهوم رجل الجباية وليس بُغية زيادة الصادرات والتنمية.
•••
وقبل اختتامنا لهذا المقال لنا أن نتساءل بكل صراحة وشفافية من المسئول عن تنفيذ مطلب السيد الرئيس أمام سردنا ما سبق من تناقضات. فكان لزاما على الحكومة التدخل بكل قوة فى النشاط الاقتصادى بداية وبعد نجاح مصر فى القضاء على حقبة الإخوان المسلمين لوضع مصر على الطريق الصحيح للانطلاق الجديد. وقد نجحت الحكومة فى ذلك كل النجاح، فمن سيحمّل القطاع الخاص مسئوليته الأكبر أمام دفع صادراتنا. فى بداية القرن، أجرت مصر عمليات خصخصة تدريجية ناجحة. وهو ما نأمل أن نراه مجددا فى المرحلة القادمة من الإصلاح.

مساعد وزير الخارجية للعلاقات الاقتصادية الدولية (سابقا)

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved