النمو الاقتصادى لكوريا الجنوبية لم يكن ضربة حظ

مواقع عالمية
مواقع عالمية

آخر تحديث: الأحد 4 ديسمبر 2022 - 10:33 م بتوقيت القاهرة

نشر موقع Eurasia Review مقالا للكاتب ماتيجا سيريتش تناول فيه السياسات التى اتبعتها كوريا الجنوبية لتتحول من بلد يعانى الفقر والتخلف إلى دولة يُشهد لها فى النمو الاقتصادى والتكنولوجى.. نعرض من المقال ما يلى.

ترمز مقولة «المعجزة على نهر هان» للتطور الاقتصادى الرائع لكوريا الجنوبية فى النصف الثانى من القرن العشرين. لم يكن هذا على المستوى الاقتصادى فحسب بل صاحبه تطور سياسى واجتماعى لافت للنظر، على حد قول الكاتب. فإذا عدنا بالزمن لفترة منتصف القرن العشرين لوجدنا كوريا الجنوبية بلدًا مزقته الحرب يعانى الفقر والتخلف؛ منتميا إلى ما يسمى «دول العالم الثالث». لكن الآن حولت التنمية الاقتصادية والاجتماعية البلاد من دولة فقيرة إلى واحدة من أغنى دول العالم.

لم تقف أزمة نقص الموارد الطبيعية عائقا أمام النمو الاقتصادى فى كوريا الجنوبية، فاعتمدت عملية التنمية على التجارة الدولية مع الاستفادة من جميع مزايا العولمة والاندماج فى الاقتصاد العالمى من خلال التصنيع الموجه للتصدير. فى غضون عقود قليلة، أصبحت كوريا الجنوبية رائدة فى التصنيع والابتكار التكنولوجى.

أدى التطور المذهل لكوريا إلى دخولها إلى مصاف النمور الآسيوية ومكنها من الانضمام إلى المنظمات متعددة الأطراف مثل منظمة التعاون الاقتصادى والتنمية، ومجموعة العشرين، ونادى باريس. إضافة إلى بلوغها المرتبة 11 عالميا من حيث الناتج المحلى الإجمالى الاسمى، والمرتبة السابعة كأكبر دولة مصدرة فى العالم.

إن اللحاق بمصاف الدول المتقدمة لم يكن بمحض المصادفة بل هو نتاج قرارات وسياسات صارمة تم اعتمادها على مدار تعاقب ست حكومات منذ إعلان الجمهورية 1948، بداية من فترة حكم الزعيم «سينجمان رى» صاحب الفضل فى تنفيذ خطة الإصلاح الزراعى عام 1950، حيث وزعت السلطات العسكرية الأمريكية الأراضى التى كان يملكها اليابانيون سابقًا على الفلاحين.

بالتالى كان قطاع الزراعة ركيزة أساسية من ركائز قوة الاقتصاد آنذاك. أما الجمهورية الثانية فقد شهدت تنفيذ سياسة رأسمالية من جانب رئيس الوزراء تشانج ميون. وتعد فترة حكم الجنرال «بارك تشونج» فى عام 1963 بمثابة حجر الأساس لعبارة «المعجزة على نهر هان»، نظرا لتنفيذ الخطة الخمسية الوطنية الأولى التى تهدف إلى تحسين الزراعة، والتعدين، وإنتاج الكهرباء، وتطوير الأسمدة الكيميائية، والنفط، والأعمال الحديدية، ومصانع الصلب، وبناء الطرق والموانئ. فكان شعار بارك هو معاملة العمال مثل أفراد الأسرة الذى ثبت فعاليته، فصار عمال كوريا الجنوبية أكثر إنتاجية بمقدار 2.5 مرة من العمال الأمريكيين. بالرغم من شهرته كحاكم دكتاتورى لكن إصلاحاته الاقتصادية غفرت له ذنوبه.

علما بأن الجمهورية الثالثة استغلت الدعم الخارجى لتعزيز الاقتصاد وإطلاق مبادرة لتطوير المناطق الريفية تعرف بـ«new village». خلاصة القول بيد أن الحكم القوى والعمالة ذات الأجور المنخفضة من العوامل المحفزة لنمو الاقتصاد الكورى الجنوبى.

تميزت الجمهورية الرابعة بالاستثمار فى مجال الكيماويات ليس الزراعة فحسب اعتمادا على استراتيجية استبدال المنتجات المستوردة بالمنتجات المحلية وتحسين حقوق العمال وأجورهم والاستثمار فى الصناعات الثقيلة، ما أدى إلى نمو صناعات الإلكترونيات والصلب. لكن هذا الانتعاش فى مجال الصناعة لم يشفع للحاكم زلاته، فأعلن «تشون دو هوان» الانقلاب على «تشوى كيو ها» وأسلبه الحكم معلنا بدء الجمهورية الخامسة. تبنت حكومة تلك الفترة سياسة نقدية محافظة وإجراءات مالية صارمة للسيطرة على التضخم، أى تم خفض المعروض النقدى إلى النصف حتى إن سيول جمدت الميزانية لفترة قصيرة وانخفضت التدخلات الحكومية فى الاقتصاد، وكذلك القيود المفروضة على الواردات والاستثمارات الأجنبية. لقد كانت خطوة جريئة ومؤثرة حيث أصبح الاقتصاد أكثر قدرة على المنافسة. إضافة إلى ذلك وسعت سيول الاستثمار فى المشاريع العامة مثل الطرق. وكتب للاقتصاد الكورى أن ينتعش مرة أخرى.

معجزة الاقتصاد الكورى تكمن فى الخطوات التالية: تخفيض قيمة العملة، والحصول على المنتجات المستوردة شبه المصنعة اللازمة لإنتاج سلع التصدير مع فرض ضوابط صارمة تمنع التجاوزات، الحماية المستهدفة للصناعات، والإعفاءات الضريبية للمنتجين المحليين، الإعفاءات الداخلية من الضرائب غير المباشرة للمصدرين الناجحين، وتخفيض الضريبة المباشرة على الدخل الناتج عن الصادرات، والإعانات المباشرة لصادرات صناعات مختارة، حقوق الاحتكار الممنوحة للشركات التى تحقق أولا الصادرات فى الصناعات المستهدفة، الفوائد المدعومة، وتأمين ائتمانات التصدير ونظام الضمان، وإنشاء مناطق للتجارة الحرة، إنشاء مؤسسات عامة لتكون رائدة فى إنشاء صناعات جديدة، تعزيز صادرات كوريا الجنوبية فى جميع أنحاء العالم.

واصل اقتصاد كوريا الجنوبية فى النصف الأول من التسعينيات نموه وتطوره فى القطاعين الخاص والحكومى بفضل التحول الديمقراطى وإنشاء الجمهورية السادسة فى عام 1987. استطاع الرئيس الكورى «كيم داى جنج»، الذي تسلم مقاليد الحكم في عام 1998، بإصلاحاته الاقتصادية إعادة توجيه دفة الاقتصاد من رأسمالية الدولة إلى نموذج السوق والتمكن من النمو الاقتصادى الذى سجل نمو بمقدار 9.2% فى عام 2000 و3.3% فى عام 2001 بسبب تباطؤ الاقتصاد العالمى.

واستمر النمو فى السنوات التالية حتى اندلاع الأزمة المالية العالمية فى عام 2008. لكن استطاعت الحكومة تجنب مخاطر الأزمة إلى حد ما بفضل إجراءات التحفيز الحكومية واستهلاك السلع المحلية بسبب انخفاض الصادرات.

تعد صناعة الإلكترونيات والاتصالات السلكية واللا سلكية، وبناء السفن، وصناعة السيارات، والبناء، وإنتاج الأسلحة والمعدات العسكرية، والسياحة، والتعدين من أهم قطاعات الاقتصاد الكورى الجنوبى. لذا يتكون الناتج المحلى الإجمالى من أنشطة خدمية بحصة 58٪ والصناعة 39٪ والزراعة 2٪. وفقًا لتقديرات هذا العام، يبلغ الناتج المحلى الإجمالى الاسمى 1,8 تريليون دولار أمريكى، مما يضع جمهورية كوريا فى المرتبة العاشرة فى العالم والرابعة فى آسيا.
• • •

وثمة تغير اجتماعى مهم آخر يتمثل فى تقليص حجم الأسرة؛ لأن الهجرة من الريف إلى الحضر أدى إلى ميل سكان الحضر للعيش فى شقق وإنجاب عدد أقل من الأطفال. بالإضافة إلى ذلك، ناضلت النساء بقوة من لنيل المساواة الكاملة أمام القانون. وقد مُنحوا الحق فى التسجيل بوصفهم أرباب أسر فى النظام الجديد لتسجيل الأسر المعيشية الذى دخل حيز النفاذ فى عام 2008. ويزيد النظام الجديد حقوق المرأة فى حالات الطلاق وحضانة الأطفال ويساوى بين حقوق الأطفال بالتبنى وحقوق الأطفال البيولوجيين.

يعد جيش كوريا الجنوبية من بين أقوى الجيوش عالميا، فهو يحتل المرتبة السادسة فى العالم. يمتلك الجيش 555,000 فرد عسكرى نشط و 2.7 مليون جندى احتياطى. وهو مجهز بأحدث الأسلحة الغربية كشريك أمريكى وفى فى الشرق الأقصى. قلة من الناس يعرفون أن كوريا الجنوبية كانت تمتلك برنامجًا نوويًا وقع ضحية الانفراجة فى العلاقات الأمريكية السوفيتية خلال السبعينيات عندما تخلت سيول عن حيازة أكثر الأسلحة تدميرا. ولكن الآن مع وجود جار شمالى مسلح نوويًا، تتعدد الدعوات لواشنطن لتسليح سيول بأسلحة نووية لاحتواء التهديد الذى تشكله بيونج يانج «عاصمة كوريا الشمالية»، لم تقتصر المعجزة الكورية على الاقتصاد فقط فمن الناحية الثقافية أثرت كوريا الجنوبية على العالم فنيا، إذ يكفى تسليط الضوء على مسلسل Netflix التلفزيونى الشهير Squid Game، والفيلم الحائز على جائزة الأوسكار Parasite، وفرقة K-pop النسائية Blackpink التى تحتل المحطات الموسيقية. إن الثقافة الشعبية الكورية تغزو الجماهير الدولية. فأصبح K-pop وK-dramas والإنتاج السينمائى ظاهرة تسمى الموجة الكورية.

يختتم الكاتب مقاله طالبا من الحكومة الحالية التوقف عن السياسات التى تحقق نتائج مزرية لاقتصاد الشركات الصغيرة، مثل إصدار إعانات حكومية للشركات الكبيرة. فإن الممارسات الشائعة للشركات الكبيرة، مثل استخراج أرباح قصيرة الأجل من موردين أصغر حجما على حساب الاستثمارات الطويلة الأجل فى سلاسل التوريد، تخلق حواجز كبيرة أمام تنمية المشاريع الصغيرة والمتوسطة الحجم. وهناك حاليا بعض المبادرات المهمة للتصدى لهذا التحدى، مثل تعزيز المعاملات التبادلية فى سلاسل الإمداد الكورية والآسيوية، لكن هناك الكثير مما يتعين القيام به لا سيما من جانب كبار منظمى المشاريع الكوريين. إذا تمت إزالة العقبات أمام صغار المستثمرين يمكن أن تصبح كوريا الجنوبية وجهة ناشئة واستثمارية رئيسية، وأن تجذب جيلًا جديدًا من المواهب الريادية مع البناء على صورتها المتنامية كقوة ثقافية عالمية.

ترجمة وتحرير: وفاء هانى عمر
النص الأصلى

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved