غزة فى الوثائق البريطانية.. خطط لإنشاء مناطق عازلة تشمل القطاع وسيناء وتيران وصنافير
تقارير
آخر تحديث:
الإثنين 4 ديسمبر 2023 - 7:05 م
بتوقيت القاهرة
نشر موقع BBC News عربي تقريرا أعده الباحث، عامر سلطان، حول محاولات الحكومة البريطانية، في القرن الماضي، إعادة توطين الشعب الفلسطيني خارج أرضه. تناول التقرير ثلاث خطط وردت بوثائق بريطانية لإعادة رسم خرائط قطاع غزة وسيناء وتيران وصنافير، بعد أزمة قناة السويس عام ١٩٥٦. تهدف هذه الخطط إلى تهجير الشعب الفلسطيني من أرضه، وإحلال السلام بين إسرائيل ودول المنطقة... نعرض أبرز ما جاء بالتقرير فيما يلي.
بداية، تكشف وثائق بريطانية عن أن الحكومة البريطانية درست خططا عدة لدمج جزء من سيناء، وقطاع غزة، وجزيرتى تيران وصنافير، وجزء من الأردن لإنشاء منطقة عازلة بين مصر وإسرائيل، فى إطار تسوية الصراع بين إسرائيل والعرب، وتأمين تدفق النفط من الشرق الأوسط إلى الغرب. تم طرح تلك الخطط بعد فشل العدوان الثلاثى على مصر ردا على تأميم الزعيم الراحل جمال عبدالناصر قناة السويس فى عام 1956.
اقترحت الخطة، إليزابيث مونوريو، رئيسة قسم الشرق الأوسط فى مؤسسة الإيكونومسيت فى 13 ديسمبر عام 1956، أى قبل انسحاب إسرائيل من سيناء بنحو 3 شهور. وكان محور الخطة هو استغلال سيطرة إسرائيل على سيناء لإقناع مصر بالتنازل عن جزء منها لإقامة منطقة دولية تعرف باسم «قطاع سيناء». وبشرت بتوطين مئات الآلاف من الفلسطينيين فى «قطاع سيناء» المقترح. وهذا، وفقا لنص الخطة، يحقق هدف «إزالة الخطر اليومى المتمثل فى انفجار الوضع فى فلسطين".
طرحت الخطة أيضا فكرة إنشاء قناة ثانية (بديلة لقناة السويس) التى قالت مونوريو إن «حفرها حلم فى الخيال الآن». ورغم إشارتها إلى أن تضاريس المنطقة المقترحة جبلية ولا مجال للمقارنة بينها وبين الأراضى المستوية عند برزخ السويس، فإن «إمكانية (حفر القناة الثانية) سوف توجد، وقد تخفض السلوك الاحتكارى لقناة السويس".
كان من المقدر للمنطقة المفترضة أن تخضع لإدارة دولية، تمارسها إحدى وكالات الأمم المتحدة المتخصصة. وللتأمين، اقترحت الخطة تشكيل قوة مدنية تتمتع بمساندة الأمم المتحدة، أو بضمانات واسعة لممارسة السلطة فى المنطقة. ولا تملك هذه القوة سلاحا إلا بما يحقق أهدافا شرطية أو جباية الإيرادات.
أما بالنسبة للتمويل، فستعطى الوكالة المختارة للإدارة قروضا يقدمها الدائنون الأساسيون الذين سوف يستفيدون من «قطاع سيناء»، لحين تشغيل المنطقة وتمكنها من الاعتماد على نفسها ماليا. وتشارك فى التمويل شركات النفط الأوروبية والآسيوية المستفيدة. وتوقعت الخطة أن تكفى الرسوم، التى تدفعها الشركات، لتمويل احتياجات الإدارة والتأمين.
بشأن الدول المعنية خاصة، مصر وإسرائيل والسعودية، فقد راهنت مونوريو على حاجة مصر وإسرائيل إلى المال فى مشروعات التنمية خوفا من شعبيهما. أما السعودية، فرأت ــ مونوريو ــ أنها ستكون أكثر الدول العربية استعدادا لقبول إنشاء «قطاع سيناء»، إذ ستوفر الخطة «سوقا للغاز الطبيعى السعودى والكويتى»، وتوقعت أن يكون هذا أيضا مغريا للبلدين.
طبعا دافعت مونوريو عن توقيت طرح الخطة قبل جلاء إسرائيل عن سيناء، حيث رأت أن «التنفيذ سيكون أكثر صعوبة بمجرد عودة الأرض (شبه جزيرة سيناء) إلى أيادى المصريين".
فى اقتراحها، أكدت مونوريو أن القطاع المقترح يجب أن يقتطع فقط من سيناء المصرية، موضحة أنه «من المستحيل اقتطاع جزء من إسرائيل». وأشارت إلى أن «اقتطاع جزء من الأراضى المصرية التى استولت عليها إسرائيل يمكن أن يقدم على أنه أمر مفروض على إسرائيل، ومكسب لمصر». وأرسلت هذا المقترح إلى السير، والتر مومكتون، وزير شئون مجلس الوزراء البريطانى.
لكن السير مومكتون رأى أنه «ينبغى أن يقتطع القطاع (المقترح إنشاؤه)، أو جزء كبير منه، من إسرائيل». ورغم إدراكه أن «هذا سيجعل من الصعب للغاية إقناع إسرائيل بقبولها (الخطة)»، إلا إنه أشار إلى أن الغرض الأساسى من القطاع المقترح هو «تأمين إسرائيل ضد تكرار الهجمات الإرهابية المنطلقة من الأراضى المصرية، لذا يمكن إقناعها بأن تفكر بإيجابية فى الأمر». مدعما وجهة نظره بأن «قرارات الجمعية العامة للأمم المتحدة طالبت إسرائيل بالفعل بالانسحاب إلى ما وراء خطوط الهدنة»، بعد حرب 1956، أى الانسحاب الكامل من سيناء. وأضاف أن العرب «لن تؤثر فيهم مسألة جعل إسرائيل تتنازل عن شىء هو ليس لها». وخلص إلى أنه «لذلك، يجب أن يقتطع القطاع، أو الجزء الأكبر منه، من إسرائيل».
• • •
أما فى عام 1968، فطرح ريتشارد وود، عضو البرلمان البريطانى المحافظ مشروعا آخر سماه «خطة لإدارة شبه جزيرة سيناء وتنميتها». قال وود إنه لتأسيس سلام دائم فى الشرق الأوسط، بين الجمهورية العربية المتحدة (مصر) وإسرائيل، فإنه من المهم إنشاء منطقة عازلة بين البلدين». ووفق الخطة، فإن المنطقة تمتد من البحر المتوسط إلى خليج العقبة، ومن قناة السويس إلى حدود سيناء مع إسرائيل. وفى حال إنشاء هذه المنطقة «سوف يختفى قطاع غزة فى إسرائيل».
ستقام المنطقة المزمعة من خلال تشكيل الدول الأعضاء فى الأمم المتحدة اتحاد شركات ورجال أعمال «كونسورتيوم» لشراء الأراضى، ثم تنشأ وكالة تتولى تنمية المنطقة. ويدفع هذا الكونسورتيوم لمصر 300 مليون جنيه استرلينى لمساعدتها اقتصاديا تحت رقابة خبراء من الأمم المتحدة، وسوف يدفع المبلغ على مدى 20 عاما، على أن تدار عبر الأمين العام للأمم المتحدة بالوكالة التى ينشئها الكونسورتيوم الذى سيشترى الأرض. ولن تكون الوكالة هادفة للربح، وعليها أن تسدد الأموال للدول المشاركة فى الكونسورتيوم، على أن تحال أى أموال متراكمة لاحقا إلى الأمم المتحدة.
بالنسبة لوضع قناة السويس، فكما جاء فى الخطة، تقع القناة فى غرب المنطقة العازلة المقترحة. وسوف تحصل مصر على رسوم المرور «طالما أنها تسيطر على القناة وفقا لترتيبات مع الأمم المتحدة».
ومع ذلك، كشفت الوثائق أن روبرتس، من إدارة الشئون الشرقية فى الخارجية البريطانية، أبلغ النائب ودد، بموقف حكومته؛ إذ شكك فى استعداد الجمهورية العربية المتحدة التخلى عن السيادة على منطقة سيناء، وأن تكون (الجمهورية العربية) مستعدة حتى للسماح بأن يوضع قطاع غزة تحت سيطرة وكالة دولية، ناهينا عن سيطرة إسرائيل.
• • •
لم يغلق ملف سيناء عند هذا الحد، فقد طرح رجل أعمال بريطانى يدعى بى إس ليتى، على وزارة الخارجية، مشروعا يستهدف إنشاء منطقة سماها «يونوأربيا» ناصحا بأنه «ينبغى أن تقدم الدبلوماسية البريطانية أكبر مساهمة فى التوصل إلى «حل» للصراع فى الشرق الأوسط.
يتلخص المشروع المقترح فى إنشاء منطقة تتألف من أراضٍ من إسرائيل ومصر والأردن كحل بعيد المدى دون أن يكون تسوية دائمة بين الدول الثلاث. وتشكل المنطقة قطاعا لا يزيد قطره على 5 أميال (نحو 8.5 كيلومترات)، ويكون قطاع غزة بمينائه مدخلا له، ويشمل أجزاء من العقبة (فى الأردن) وإيلات (فى إسرائيل). اقترحت الخطة أيضا إقامة المنطقة لمدة 10 سنوات على الأقل، على أن يخضع المشروع للمراجعة كل 5 سنوات. والهدفان الرئيسيان من إنشاء هذه المنطقة هما: «إنشاء دولة عازلة على طول الحدود المضطربة، وفى الوقت نفسه توطين 600 ألف لاجئ فلسطينى فى هذه المنطقة». يتضمن المشروع حملة دعائية لإقناعهم بأن مستقبلهم سيكون أفضل وأكثر رخاء من العودة إلى منازلهم القديمة سواء فى قطاع غزة أو غيره.
وفق المشروع، تشترى الأمم المتحدة بنظام حق الانتفاع من إسرائيل ومصر والأردن الأراضى المستهدفة، وتفوض سلطاتها إلى الناس الذين سوف يسكنون المنطقة عبر هيئة حاكمة تكون بمثابة مجلس وزراء يتألف من ثمانية أشخاص، أربعة إسرائيليين وأربعة عرب (مصريان وأردنيان). وفيما يتعلق بعوائد القناة، فإنها ستدفع إلى المجلس، على أن تحصل مصر على مبلغ مقابل أعمال الصيانة، إضافة إلى نسبة من رسوم المرور.
فى النهاية، وفى رسالة رسمية إلى ليتى، قال جيه أيه إن جراهام، السكرتير الشخصى لوزير الخارجية البريطانى، إن هناك «صعوبات عملية» تعترض تنفيذ المشروع المقترح. وقال إنه «يمكن وضع مشروع إنشاء قطاع تديره الأمم المتحدة موضع التنفيذ فقط لو كان لدى مصر أو إسرائيل أو كليهما استعدادا للتخلى عن السيادة عن المنطقة موضع الاهتمام، أو إمكانية إجبارهما على ذلك من جانب الأمم المتحدة»، وأضاف أن الدولتين «حساستان بشأن مسألة السيادة». وأشار رد الخارجية إلى أن المشروع «يتطلب بالضرورة درجة من التعاون بين العرب والإسرائيليين، وهو أمر ليس من الواقعية توقعه فى ظل الظروف الحالية». وأضاف أنه «لو أمكن بالفعل الحصول على هذا التعاون، فإنه لن تكون هناك حاجة أصلا إلى إنشاء قطاع تديره الأمم المتحدة».
• • •
لم تذكر الوثائق ما إذا كانت بريطانيا قد ناقشت هذه الخطط الثلاث مع الأطراف المعنية.
إعداد: ياسمين عبداللطيف