أصحاب النوايا الطيبة العرب

علي محمد فخرو
علي محمد فخرو

آخر تحديث: الخميس 5 يناير 2017 - 10:10 م بتوقيت القاهرة

لا يحتاج المطبعون المتحذلقون، من الذين يقولون كلمة حق يراد بها باطل، أن يذكرونا بأن هناك فرقا بين الإنسان اليهودى واليهودى الصهيونى. فلقد حسم القرآن، وهو روح الثقافة العربية ومصدر أساسى من مصادر قيمها الإنسانية، حسم الموضوع فى الآية الكريمة التالية: «إن الذين آمنوا والذين هادوا والنصارى والصابئين من آمن بالله واليوم الآخر وعمل صالحا فلهم أجرهم عند ربهم ولا خوف عليهم ولا هم يحزنون».

هذه الآية هى من محكم القرآن وروحه، وهى تؤكد بصورة لا لبس فيها بأن أتباع أديان الإسلام والمسيحية واليهودية، إن آمنوا بالله واليوم الآخر وعملوا صالحا، فإن لهم أجرهم عند ربهم لا خوف عليهم ولا هم يحزنون.

إذن فلا توجد مشكلة بين العربى المسلم والعربى المسيحى مع اليهودى. لكن، وبكل صراحة تامة، هل تنطبق عالمية الآية وتسامحها الدينى المبهر على اليهودى الذى يؤمن بالأيديولوجية الصهيونية الداعية لأن ينخرط اليهودى، لا فى عمل صالح قائم على الحق والعدالة والأخوة الإنسانية وإنما ينخرط فى عمل شرير قائم على سرقة أرض الغير وإخراجهم من ديارهم ونهب ثرواتهم واعتبارهم مواطنين من الدرجة الثانية فى أرضهم المغتصبة؟

هل تنطبق الآية على أى يهودى لا يجهر بصورة لا لبس فيها ولا غمغمه بأنه لا يقف مع السياسات العنصرية الاستعمارية الاستيطانية التى مارسها الصهاينة الأوائل ويمارسها اليوم المجرم نتنياهو من خلال جبروت الجيش الصهيونى وإرهاب الشرطة الصهيونية وخيانات الاستخبارات الصهيونية، ومن خلال مساندة شبه كاملة من بعض الدول من مثل الولايات المتحدة الأمريكية؟ الجواب القاطع هو كلا.

بالتالى فإن الذين يمدون أيديهم، بأية صورة، وفى جميع المجالات، ليطبعوا العلاقات مع الكيان الصهيونى، حكومة ومؤسسات وأفراد، وليس مع الوجود اليهودى فى فلسطين العربية وفى كل أرض العرب.. فإن هؤلاء يخرجون على منطق الآية الكريمة التى تشترط العمل الصالح كجزء مكمل للإيمان بالله واليوم الآخر. هنا أخوة أتباع ديانات التوحيد تصل إلى نهايتها.

***

دعنا نضع جانبا موضوع أهمية الوعى بالفروق بين اليهودى الفرد العادى واليهودى الصهيونى، والذى يرفعه المطبعون مع الكيان الصهيونى كشعار مضلل عند الحديث عن القضية الفلسطينية، ولننظر إلى الفكر السياسى الصهيونى ومفاهيمه تجاه الوطن العربى. ألا يشير الصهاينة إلى فلسطين باعتبارها أرضا بلا شعب، وبالتالى فالأرض العربية هى مكان بلا زمان وجغرافية بلا تاريخ؟ أى بلا وجود معنوى؟

هذا بالنسبة للنظرة الصهيونية تجاه العرب، وهى وحدها كافية لجعل التعايش مع الوجود الصهيونى فى فلسطين المحتلة أمرا مستحيلا. لكن الأمر الأخطر يقبع فى الركائز الأساسية التى يقوم عليها الفكر السياسى والدينى الصهيونى المتشابك إلى أبعد الحدود، تلك الركائز التى تحكم بإطلاق الحياة السياسية والقانونية والاجتماعية والثقافية فى فلسطين المحتلة.

أول مرتكز هو الوعد الإلهى الذى يربط ما يسمى «بشعب إسرائيل بأرضه» (أى بأرض فلسطين). ولذلك فإن الاستيطان الصهيونى ليس أكثر من عودة اليهود إلى أرضهم وتكملة لتاريخهم وتحقيقا الهيا لصلوات اليهود عبر القرون.
من هنا فإن الحديث الحالى الآن عن يهودية الدولة ليس إلا فضحا للزيف المدعى بأن ما يسمى بدولة « إسرائيل» هى دولة علمانية ديمقراطية. فى صلب تلك «العلمانية» مبدأ العرق المتفوق والثقافة الصهيونية المتفوقة التى ستقود العالم كله بأمر ومباركة إلهية.

ثانى مرتكز هو الهيمنة والتوسع الديموغرافى. فالتوسع فى الاستيطان هو تنفيذ دينى لفكرة «خلاص الأرض» من الأغراب العرب من جهة وبناء المجال الحيوى الآمن للتوسع العسكرى والاقتصادى الإقليمى من جهة أخرى. أما المستوطنون، أكانوا من أتباع الرأسمالية أو الاشتراكية، المحميون من العساكر، فهم جند رواد يمارسون الأحقية التاريخية فى امتلاك أرض الأجداد.

ثالث مرتكز هو الفصل المادى والثقافى والاجتماعى العربى عن محيطه اليهودى. فالحواجز فى الطرقات وبناء الجدار العنصرى الشهير وعزل القرى الفلسطينية بكل الوسائل وبناء كل العقبات لتهميش الثقافة العربية الفلسطينية هى بعض من مظاهر إذلال الفلسطينى وإنهاك صبره وإدخال فكرة الهجرة فى كيانه.

لنسأل الذين ينادون بالتطبيع كخطوة لإحلال السلام العادل فى المستقبل:

هل حقا أنه سيمكن التعايش مع هكذا فكر دينى وسياسى استعلائى استيطانى وإذلالى صهيونى، يرمى لتهميش الآخر العربى واجتثاثه؟

ألن يكون التطبيع هو هدية مجانية لا يقابلها أى تنازل فى ذلك الفكر المتوحش الأنانى الإجرامى الذى أقام ويقيم الوجود الصهيونى فى أرض عربية وعلى حساب شعب عربي؟

إذا كان الفلسطينيون مضطرين للتعامل اليومى مع الواقع الصهيونى الذى يتحكم فى كل ذرة من وجودهم المادى والمعنوى فهل حقا أن التاجر العربى والمثقف العربى والفنان العربى والمستهلك العربى، عبر الوطن العربى، مضطرون لمصافحة اليد التى تقطر دما ولتقديم التنازلات للسارق الظالم المجرم الصهيونى؟

***

هل حقا أن الآية القرءانيه التى أشرنا إليها تنطبق على واقع العلاقة مع أى يهودى له صلة، فى أى شكل مادى ومعنوى، بذلك الاحتلال الصهيونى فى فلسطين، أو له صلة بالمؤسسات الداعمة له فى أى بقعة من هذه الأرض؟

ما يحتاج أن يفعله الداعمون إلى التطبيع، سواء من قادة الحكم العربى ومساعديهم أو من قادة مؤسسات المجتمع المدنى العربى أو من أصحاب النوايا الطيبة العرب، هو قراءة ما يكتبه أو الاستماع لما يقوله الصهاينة عن أحلامهم ومشاريعهم المستقبلية. عند ذاك سيدركون أننا أمام جحيم صهيونى لن يتوقف إلا بعد أن يبتلع الأخضر واليابس فى كل أرض العرب. وهو جحيم لن يوقف تمدده وهيمنته وأحلامه المريضة مد أيادى أصحاب النوايا الطيبة من الغافلين عما يفكر فيه وعما يخطط لما سيفعله.

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved