البدائل المتاحة من الاستثمارات الأجنبية

محمد يوسف
محمد يوسف

آخر تحديث: الخميس 5 يناير 2017 - 10:10 م بتوقيت القاهرة

كانت لمعاناة الاقتصاد المصرى من فجوة مزمنة ومتفاقمة بين استهلاكه واستثماره واستيراده من جانب، وبين إنتاجه وادخاره وتصديره من جانب آخر، آثار متعددة على فقدان توازنه الاقتصادى الداخلى والخارجى. وقد فرضت تلك الحالة من غياب توازنه الداخلى (عجز الموازنة العامة) والخارجى (عجز الميزان التجارى) على صانع السياسة الاقتصادية البحث عن بدائل تمويلية تعالج ذلك الخلل الكامن فى هياكله لتحقيق التنمية الاقتصادية المنشودة.

من المعلوم أن صانع السياسة الاقتصادية أمامه بدائل داخلية وأخرى خارجية لمعالجة ذلك الخلل. فالبدائل الداخلية تعتمد بالأساس على السعى، بشتى الطرق، لتعبئة الادخار المحلى وتوجيهه للاستثمار. أما البدائل الخارجية فهى تتراوح بين الحصول على المنح والهبات، و/أو الاقتراض الخارجى، و/أو تحفيز تدفق الاستثمار الأجنبى المباشر وغير المباشر. ومن خلال المزج بين تلك البدائل المتنوعة، يمكنه أن يسد تلك الفجوة.

لن نضيف جديدا عندما نقول إن منطق التنمية المستدامة يؤكد أن الجهد الادخارى المحلى مقدم على بدائل التمويل الخارجى، ومع ذلك يشير العديد من تجارب الدول الآخذة فى النمو، وخصوصا تجارب دول النمور الآسيوية، إلى الأهمية التى مارسها التمويل الخارجى فى تحقيق التوازن الاقتصادى، وفى تمويل جانب معتبر من التنمية الاقتصادية فى تلك الدول. كما تظهر تلك التجارب أيضا الميزة النسبية الكبيرة لبديل الاستثمار الأجنبى المباشر وتفوقه على باقى البدائل الخارجية. وليس هذا بالأمر المستغرب، إذ إن المنح والهبات والاقتراض الأجنبى ليست كافية لسد فجوة الموارد المحلية، كما أنها تأتى محملة بأعباء متنوعة (اقتصادية وغير اقتصادية)، وهو ما يجعلها تحتل منزلة دنيا فى هيكل بدائل التمويل الخارجى، مقارنة بالاستثمار الأجنبى المباشر.

لئن كان الاقتصاد المصرى يعانى، فى وضعيته الحالية، من انخفاض فى معدل الادخار المحلى، ويعانى أيضا من تفاقم واضح فى مديونية الداخلية والخارجية، ومن شح ظاهر فى مصادر تمويل التنمية الاقتصادية، فإن ذلك يزيد من الأهمية الملقاة على عاتق تدفقات الاستثمار الأجنبى المباشر فى التصدى لتلك المشكلات. لأن تلك التدفقات ستمثل فى هذه الحالة إضافة صافية لقدرات الاقتصاد المصرى على الإنتاج والادخار والتصدير، كما أنها ستساعد فى التصدى لمشكلة قصور التمويل.

ولكن ما هى نوعية الاستثمارات الأجنبية التى يمكنها مؤازرة الاقتصاد المصرى؟

نستطيع من استقراء دروس التجارب الدولية أيضا الإجابة عن هذا التساؤل. فكلما كانت الاستثمارات الأجنبية المتدفقة للاقتصاد المصرى متوطنة فى قطاع الإنتاج السلعى، وخصوصا فى الصناعات التحويلية، كما فى التجربة الماليزية، وكلما كانت تمثل تدفق صافى للداخل (الفرق بين التدفقات الداخلة فى شكل استثمارات والخارجة فى شكل أرباح وفوائد وأجور)، كما فى تجربة الصين، وكلما كانت تساهم فى زيادة الطاقة التصديرية، عبر تركزها فى القطاعات المولدة للصادرات، كما فى تجربة كوريا الجنوبية ــ ساهمت تلك التدفقات الاستثمارية فى تحقيق التنمية الاقتصادية المستدامة للاقتصاد المصرى، وزادت أفضليتها المطلقة والنسبية على تدفقات المنح والمساعدات والقروض الخارجية فى إنجاز تلك التنمية.

لا يجوز أن نغفل أهم أنواع الاستثمارات الأجنبية المباشرة قاطبة، ونقصد بها الاستثمارات الناقلة للتكنولوجيا. ذلك أن هذه النوعية من الاستثمارات يمكنها أن تخدم التنمية التى يعوزها الاقتصاد المصرى عندما تأتى فى ركابها التكنولوجيا المتطورة. فمن ناحية أولى، تكتسب الاستثمارات الأجنبية أهمية إضافية، فوق أهميتها التمويلية، فى حالة نقلها للتكنولوجيا المتطورة فى قطاعات الإنتاج المختلفة، وفى حالة نقلها للنظم الإدارية الحديثة فى التخطيط والتنظيم والرقابة. ومن ناحية ثانية، تفيد تلك الاستثمارات فى تطوير الاقتصاد الوطنى كلما زادت من مقدرتها على تعزيز القيمة المضافة المولدة محليا، من خلال زيادة نسبة المكون المحلى، سواء فى الصناعات التى تحل محل الواردات أو تلك الموجهة للتصدير.

عموما، فإنه لا يخالجنا أدنى شك فى أن الاستثمار الأجنبى المباشر لا يعتبر مفيدا للاقتصاد المصرى إلا إذا عمدت السياسة الاقتصادية على تهيئة المناخ الملائم لقدومه فى القطاعات مرتفعة القيمة المضافة وذات الأولوية التنموية، وحفزت من نقله وتوطينه للتكنولوجيا المتقدمة، وإلا، فإن قدومه لن يفيد إلا فى الأجل القصير فى معالجة خلل ميزان المدفوعات، ث

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved