الدعم ليس رجسا من عمل الشيطان

أشرف البربرى
أشرف البربرى

آخر تحديث: الأربعاء 5 يناير 2022 - 8:55 م بتوقيت القاهرة

عندما يصل الحديث عن الدعم العينى أو النقدى للفئات محدودة الدخل والتى أصبحت هى النسبة الغالبة من المصريين بسبب سياسات الإصلاح الاقتصادى، نرى نبرة متعالية، بل وأحيانا قاسية على المواطنين من مستحقى الدعم سواء من جانب بعض المسئولين أو من جانب من يواليهم من الإعلاميين والسياسيين وهم كثيرون. وحتى هؤلاء الذين يريدون الدفاع عن حق المواطنين المحتاجين فى الدعم فإنهم يتحدثون باستحياء وخجل، ويضيفون دائما إلى كلامهم عن الحق فى الدعم كلاما أكثر عن ضرورة ترشيده وقصره على الفئات الأشد استحقاقا بما يفتح الباب واسعا ليس فقط أمام تقليص هذا الدعم وإنما إلى إلغائه لأسباب واهية للغاية.
والحقيقة أن دعم الدولة للمواطنين ليس رجسا من عمل الشيطان، ولا يتعارض مع قواعد الاقتصاد الحر والعولمة والإصلاح، وإنما هو جزء أصيل من كل هذا. فإحدى وظائف السلطة فى الدولة هى توفير الحياة الكريمة للمواطنين من خلال حسن إدارة موارد الدولة وترتيب أولويات الإنفاق، بما يضمن تلبية الاحتياجات الأساسية للمواطنين من غذاء وأمن وعلاج وتعليم. فإذا عجزت السلطة عن القيام بهذه المهمة، أو أهدرت الموارد فى مشروعات مليارية بدون دراسة جدوى وتركت مواطنيها يواجهون كل صعوبات الحياة بلا مساعدة ولا دعم فإنها تفقد أحد أسباب وجودها الشرعى.
ففى الولايات المتحدة «كعبة الرأسمالية» التى يحج إليها المؤمنون الصالحون بالاقتصاد الحر وتقييد دور الدولة فى الحياة العامة هى نفسها التى منحت كل مواطن أمريكى 1200 دولار دعما نقديا مباشرا لمساعدتهم فى مواجهة جائحة فيروس كورونا المستجد، فى حين أن حكومتنا ومقابل تقديمها منحة لنحو 1.3 مليون عامل موسمي بحسب وزير القوى العاملة بقيمة إجمالية 4.3 مليار جنيه بحسب وزير المالية، فإنها استقطعت من الموظفين وأصحاب المعاشات ما بين 1 و2% من دخلهم ورفعت قيمة رسوم أغلب الخدمات الحكومية بدءا من شهادة الميلاد وحتى شهادة الوفاة لتمويل خزانتها أثناء الجائحة.
وفى إيطاليا التى يصل فيها معدل الدين العام إلى نحو160% من إجمالى الناتج المحلى، وعجز الموازنة نحو 8ر11%، لم تتردد الحكومة كثيرا فى رصد مليارات الدولارات لدعم أسعار الطاقة للمواطنين فى ظل ارتفاع أسعارها العالمية. ففى مواجهة ارتفاع الأسعار العالمية قررت حكومة رئيس الوزراء ماريو دراجى تخصيص أكثر من 3 مليارات يورو لدعم الطاقة للمواطنين خلال الشتاء الحالى بعد أن خصصت 4.2 مليار يورو للغرض نفسه خلال النصف الثانى من العام الماضى. وما فعلته إيطاليا، تفعله حاليا فرنسا وبريطانيا والعديد من الدول الغربية لمساعدة المواطنين علي مواجهة ارتفاع الأسعار، فى حين رفعت حكومتنا الرشيدة سعر البنزين والكهرباء وأنبوبة البوتاجاز، بسبب ارتفاع الأسعار العالمية وتزايد عبء الدعم على ميزانية الدولة.
أخيرا فإن الدعم الزهيد الذى تقدمه بطاقة التموين للمواطن ليس هبة ولا هدرا للمال العام كما يردد العديد من المسئولين ومواليهم، وإنما أصبح آخر ما يحصل عليه المواطن البائس من الدولة، التى تخلت عمليا عن الكثير من مسئولياتها تجاهه بدءا من التعليم الحقيقى المجانى وحتى العلاج، بعيدا عن المبادرات الدعائية. وإحساس المواطن بأن الحكومة تتخلى عنه وتسلبه ما يراه حقوقا له عليها وهى كذلك بالفعل، يهدد تماسك الدولة ويعرض علاقتها بالمواطن للخطر.

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved