تحالف النفاق والوفاق

مواقع عربية
مواقع عربية

آخر تحديث: الخميس 5 يناير 2023 - 7:30 م بتوقيت القاهرة

نشر موقع على الطريق مقالا للكاتب نصرى الصايغ، يقول فيه إن لبنان أصبح وطن الكلمات لا الآمال، وأن ماضيه أفضل من الواقع. الكاتب رأى أن الشعب اللبنانى مسئول عما آلت إليه الأوضاع اللبنانية إلا أن الأوان لم يفت بعد، وليس أمامه الآن سوى الحلم فهو يتحقق أحيانا... نعرض من المقال ما يلى.
كلمات، لا شىء غير الكلمات. نباح لا أكثر. أصوات تعوى كذبا. عتمة فاجرة. أيام متآكلة. الأمكنة كلها تعيش اختناقها. لا حياة إلا لنباح سياسى وأصوات تشبه غارات الذباب. الشعب اللبنانى لا يستحقون هذا الجحيم.
ثقيل هذا العام الذى أماتنا كثيرا. كان قتلا بطيئا علنيا. شاشات تكاذب. اطعنه سرا، وإن استطعت، اطعنه ببلاغة الوضوح. ذئاب لإخوانهم الذئاب. الأحرار يتامى. فى كل حزن ينوئون. لا يحلمون إلا كوابيس. جماعة الأتباع مباعة، وسحيقة. وذات حيوية كلبية. فى كل طائفة يهيمون. الشرق منصب خيامهم وأموالهم. الغرب مصدر عداواتهم وله الأمرة. وطنهم تم تهجيره. الشعب اللبنانى تصالح مع الموت. اللبنانى استقال من لبنان الكبير. إنه كيان مبهبط جدا على شعوبياته. أبناؤه الجدد ليسوا فى لبنان. ناجحون خليجيا، مع سكون سياسى.
الغرب، وطن استثنائى لكل طافر من بلده. وبلده كائن استثنائى لا يحمّل إلا بغضاء آخر. لبنان لا يكفيه. بل، لا يليق به. يدجنه، إن استطاع، وإن لا، فضَّل الاغتراب هناك. على الأقل، يعيش حرا. يفكر بحرية. والأفكار لا تمرض. لا تعاقب. لا تصادر. لا تموت.
عندنا، أفكارنا مدافن للطموحات الشرعية والضئيلة. طموح أن تعيش محترما. مستقلا. إنسانا. طموحا. محبا ومحبوبا. لك القدر والقيمة. ترفض الانحناء. لا تركع أبدا. حريتك هواؤك. إنسانيتك دينك. تضامنك تعاقد. أنت. ذو طموح طبيعى. كل هذا ممنوع. أنت هنا مطلوب أن تصطف فى قافلة العواء. يريدونك مربوطا برسن الوظيفة، والعيش، والمقام. مطلوب منك أن تجيد التصفيق وتردد الكلام المهين والمهان. يريدونك ويتعاملون معك، كخردة سياسية. وأنت ستغتنى بمقدار ما تتنازل عن كرامتك، أو ما تبقى منها. مطلوب منك أن تنحنى. أن تسير على ركبتيك. أن تسجد. وأخيرا مطلوب منك بشدة وصرامة، أن تتجه غربا، ولك منه الأحلام الخائبة، برأسمال من كرامتك… أو شرقا، بأثقال نفطية مليارية، لك منها فلس الأرملة، أو رأسمال يدفعك إلى بسالة الارتكاب. بيعا وشراءً. فسادا وسلاحا.
أين الأفكار؟ أين العقائد؟ أين الأحلام؟ متى تحضر فرصة الوطن؟ لا أحد يراهن أحزاب الحرية لم تر النور. أحزاب العدالة كلام بكلام. العدالة شجرة يابسة على قارعة الطريق. القيم، الأخلاق، المحبة، الحياة، النمو، الوطن، المسئولية، الفرح، كلها، كلها، كلها، تم تناسيها عمدا. هذه لا تنجب مجدا ولا موقعا ولا مالا.
نحن فى خراب مزمن. والآتى جهنم. ومطلوب منا أن لا نعرف إلا الليل. هل لبنان استثناء؟ لا. ولكنه تطرف كثيرا فى قصوره. إنه مشلول. حيويته الطائفية مرَغته حتى السفالة والسخف والارتكاب. كلهم، برغم تراتبية ضرورية، مرتكبون. لبنان اليوم، لا يزال ممسوكا. إنه تحت أقدامهم. والغريب، أن الناس، على دين ملوكها، وعلى سياسة أحذيتهم.
لا أعرف ما قيمة النشيد الوطنى. نشيد سخيف بلا أى حقيقة مطلقا. «كلنا للوطن» كذبة ما بعدها أكاذيب. «للعلى والعلم». حقارة ما دونها حقارات.. العلى، العلم، سيفنا، الفتى، بحره، بره، إلى آخره. من أوصاف تكذب وتكذب. ومطلوب منَّا أن نقف نصبا عندما يُتلى علينا، مصحوبا بموسيقى تليق بنابليون بونابرت. نحن، فى هذا الادعاء، أصحاب مدرسة فى المبالغات، شعراؤنا تغنوا بلبنان. رفعوه إلى الأعلى. ألَهوه.
ما تغنى به الرحابنة وفيروز وزكى ناصيف.. ليس موجودا بالمرة. حنين إلى ماضٍ موهوم. تأليف ناجح لشعب راسخ فى التبعية. قصائد الحرية، لا تمت إلى الأحرار. الأحرار فى لبنان، كانوا مؤهلين للسجون والنبذ، لم نكن نتوقع أن يخذلنا الشعر الكيانى إلى هذه الدرجة. نحن أعجز من أن ننجز أغنية رائعة وتحويلها إلى واقع. فى زمن الحثالات السياسية، لا بد من التساؤل، ما مدى المسافة بين الكلمة ومدلولها الواقعى، بين المصطلح وواقعه، وبين الموسيقى و«قفا نبك على رسمٍ درس». ما بين قلوبنا وجيوبنا.
قيل فينا سابقا، أو قلنا فى ذواتنا من قبل، نحن من سلالة فينيقيا. نحن الأبجدية. نحن الفكر. نحن البحر ورواده، تجارة وحِرفا. نحن موئل الديانات والأفكار والملاحم.. هل كان ذلك صادقا. لا أعرف ثم نحن حضانة الأديان الثلاثة. لا. هذا كثير علينا. علينا أن نتواضع قليلا، ولكن، ومع ذلك، ماضينا أفضل بكثير من واقعنا. والأدلة كثيرة. أفدحها، أن عمر لبنان مائة عام. كان موعودا وعودا خلابة. انقسم. ألصقوا به مناطق وكيانات طائفية. لم يلتئم. المنقسمون تقاسموا. لم تكن القسمة عادلة. الغبن كان سياسة الأقوياء. ومنذ ذلك التاريخ، تاريخ ولادته القيصرية، وبالتقسيط، وبالفرض والضغط والقرار الغربى، وهو يتقدم مرة بعد مرة، إلى المعاناة. لم ينجح. تحت الانتداب، كان مطيعا. ليتحرر، لجأ إلى داعم أجنبى آخر. دور اللبنانيين، كان فى أن يتناطحوا دينيا وطائفيا.
مائة عام من التراجع. مائة عام من إنكار القيم. مفكرو لبنان والعالم العربى، تنطحوا وقدموا كتابات وأفكارا وعقائد خلاصيَة نسبيا. عبثا. كل مفكرينا، هنا وفى العالم العربى التعيس، داسوا بمصالحهم وأهوائهم أفكار النهضة والنهوض. فضلوا فتات المنافع.
مائة عام، ولبنان لم يولد بعد. هو وطن مستحيل. لأنه معطوب وذابل. واليوم يعيش لبنان الفصل الأخير من حياته التى عاشها بالمقلوب. لبنان منذ مائة عام كان أفضل بكثير من لبنان العام 2023.
لذلك علينا أن نعود بخيالنا وحواسنا وعقولنا، إلى ذلك الزمن. سنجد أن الأوائل برغم سوئهم، هم قديسون جدا، أمام سلالة الشياطين هذه. يبقى السؤال: من المسئول عن هذا الانتحار؟ طبعا، نحن أولا. كلنا مسئول.
هل فات الأوان؟ لا.إذا الشعب يوما أراد الحياة، فلا بد أن يستجيب القدر.
لما لا؟ كان التقليد يؤكد على أن الموت هو نهاية المطاف. غلط. كثيرا. ما يكون ذلك بابا للقيامة.
هذا حلم؟ إذا، لنحلم. الأحلام تتحقق أحيانا. فلنعتصم بأحلامنا وبخلاص شعب صغير يستحق أن يكون وطنه منارة. لا يجب أن نقبل وصاية أحد. فلنتفاءل.
النص الأصلي

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved