أليس من الأجدر التقريب بين المذاهب

سيد ابو زيد عمر
سيد ابو زيد عمر

آخر تحديث: الثلاثاء 5 فبراير 2019 - 11:50 م بتوقيت القاهرة

وصف البابا فرنسيس زيارته لدولة الإمارات ولقاءه مع الإمام الأكبر شيخ الأزهر فى إطار مؤتمر الحوار بين الأديان بأنها فرصة لفتح صفحة جديدة فى تاريخ العلاقات بين الأديان، وقال إن الايمان بالله يوحد بين البشر ولا يفرقهم، ويدفعنا للاقتراب من بعضنا البعض رغم ما يوجد بيننا من اختلافات، وينأى بنا عن مشاعر العداء والبغضاء. ولم يكن هذا لقاءهم الأول، فالتفاهم والتقارب بين الأديان هو هدف يؤمن به الجانبان ولم يكفا عن الدعوة إليه. هدف نبيل يستهدف تجنيب الإنسانية ما تعانيه من ويلات الحروب والمواجهات الدامية استنادا إلى دروس الماضى والحاضر المرير الذى نعيشه.
وإذا كنا نتمنى أن يصل الطرفان إلى تفاهم يساعد على قطع بعض من هذا الطريق الشاق، فإننا نتساءل ألم يكن من الأحرى أيضا أن يبذل بعض الجهد للتقريب بين المذاهب، خاصة أن التجاذب بين مذاهب الدين الواحد أصبح سببا فى شلالات دماء تفجرت فى العديد من الدول. ولما كان الاعتراف بالواقع أول خطوة على طريق السعى لإيجاد المخرج المناسب له. فالخلاف السنى الشيعى قد أضعف الأمة واستنزفها وأنهكها بل وأهلكها، فهذه الحروب الضروس التى تجرى فى سوريا واليمن، والاحتقان الدموى فى العراق، والتصارع السياسى الذى ينوء به كاهل لبنان، إنما هو نتيجة صراع مذهبى بين فصائل السنة والشيعة فى تلك البلاد، بغض النظر عمن تسبب فيها أو من بدأ بها، إذ إن الحصيلة النهائية أعداد لا تحصى من القتلى والجرحى، وهدم وتخريب لبنية أساسية متهالكة فى أساسها، وأعداد ضخمة من اللاجئين لدول مجاورة تشتت بعضهم فى أنحاء العالم يأسا من انعدال الحال، ونازحين يعانون البؤس فى أوطانهم، وميزانيات مهدرة فى شتى المجالات ما عدا العناية بمواطنى تلك الدول.
***
فما أصعب السباحة ضد التيار، فإذا كنت من جانبى قد تناولت ملفا معقدا وشائكا، وهو ملف العلاقات الإيرانية العربية، وبصفة خاصة موقف مصر من هذه العلاقات، فليس أقل من أن يتسم تناولنا له بالنظرة الشاملة والصراحة والوضوح، ومن الواضح أن السبب الرئيسى للأزمات والحروب الأهلية الدامية فى المنطقة تعود إلى الخلاف المذهبى بين الشيعة والسنة الذى يمزقها ويستنزفها ويضعفها. وفى ظنى أن هذا الانقسام أو الشرخ العميق، يقع مسئولية حدوثه على الجانب الإيرانى، منذ ثورة الخمينى عام 1979، ومناداتها بتصدير الثورة، وتدخلها الفج فى شئون جيرانها وخاصة العراق التى عانت الأمرين من تدبير المؤمرات ضد النظام فيها والتفجيرات التى أوقعت بها خسائر بالمئات فى العملية الواحدة، وانتهت إلى نشوب حرب استمرت ثمانى سنوات خرجا منها مثخنين بالجراح. ومن الثابت أن دول الخليج والغرب وخاصة الولايات المتحدة قد وقفت مساندة للعراق فى تلك الحرب. وسدرت إيران فى غيها خاصة بعد الغزو الأمريكى للعراق وازدادت نكيرا مدعية أنها تمثل كل الشيعة فى أرجاء العالم العربى والإسلامى، وأخذت تستخدم المال والقوة المسلحة لتفجير النزاعات الداخلية فى عدد من الدول العربية، وبصورة مباشرة فى أغلب الأحيان عن طريق فيلق القدس وتزويد القوات المحاربة بالأسلحة والعتاد، وإعلان بعض مسئوليها أخيرا تبعية أربع عواصم عربية لإيران، ناهيك عن احتلالها لثلاث جزر إماراتية وممارستها ضغوطا على دول فى المنطقة بتأليب معتنقى المذهب الشيعى فيها، وفوق ذلك فهى تتخذ من أزمة الشرق الأوسط موقفا مناوئا لعملية السلام طبقا لما اتفق عليه العرب فى قمة بيروت عام 2002، ويعلن بعض مسئوليها حاليا عن إمكانية قيام إيران بتدمير إسرائيل، رغم تيقن الجميع باستحالة ذلك لأنها على الأقل تحت المظلة الأمنية الأمريكية.
من جانب آخر وإحقاقا للحق فإن السنة من جانبهم لم يقصروا فى مناصبة الشيعة العداء، بل تقوم أحد الفروع من غلاة السنة بتكفيرهم ناعتين إياهم «بالروافض»، ويتعرض المذهب الشيعى لأشد الانتقادات. صحيح أن قلة من الشيعة لا تذكر يصل بهم تقديس سيدنا على إلى جعله إلها أو نبيا، وأنهم يلجأون فى المناسبات إلى طقوس تتسم بالغرابة، غير أنه عرف فى التاريخ أن سيدنا على ذاته قد ضرب أعناقهم رفضا لهذا الهوس، فالثابت أن أغلبية الشيعة الإمامية الجعفرية الاثنى عشرية معتدلة فى معتقدها الذى يرى أن الخلافة كانت منوطة بسيدنا على لكل الاعتبارات التى يرددونها، وهو خلاف وقع فى صدر الإسلام أدى إلى قتال بين المعسكرين المتصارعين آنذاك، وما حدث قد حدث، ولا يصح أن يكون سببا لخلاف بيننا الآن. وليحتفظ كل طرف بمعتقداته دون أن يوجه الإهانات لما يعتقده الطرف الآخر.
***
ويحدونى الاعتقاد أن الخلاف فى واقع الأمر سياسى قبل أن يكون مذهبيا أو دينيا، وإن كانت العوامل الأخيرة تستغل لاستقطاب الأنصار، وأن المعطيات الحالية تسهل من البدء فى محاولة ترميم الجسور بين الطرفين، فنحن فى النهاية نعتنق دينا واحدا ونؤمن برب ونبى واحد وأركان إسلام موحدة، ويمكن لنا أن نصل إلى اتفاقات سياسية تحقن دماء المسلمين. وإذا كان من الصعب أن نقفز إلى مباحثات سياسية بين المسئولين على أى مستوى، فلنبدأ بالحوار غير الملزم على المستوى غير الرسمى، حوار مفتوح دون شروط مسبقة ودون جدول أعمال محدد، وهو أبسط أشكال التواصل، الذى يمكن أن يتصاعد مع الانتهاء من التفاهم حول أحد محاور الحوار أو تطبيق خطوات لبناء الثقة بين الجانبين. ويعزز اعتقادنا بأن الوقت قد أصبح مواتيا للبدء بمثل هذا الحوار، الاعتبارات التالية:
• تزايد الضغوط الأمريكية على إيران بعد الانسحاب الأمريكى من الاتفاق النووى، وإعادة فرض عقوبات مشددة ضدها تضعف بمرور الوقت من تمددها الخارجى، كما أنه من الواضح أن قطع التواصل بين الهلال الشيعى أصبح هدفا رئيسيا للاستراتيجية الأمريكية فى المنطقة، على اعتبار أن هذا التواصل يعد بمثابة شريان الحياة لحزب الله فى لبنان، ويستهدف ذلك كله تأمين إسرائيل من الخطر الإيرانى فى الشرق وحزب الله فى الشمال، ولا تكف إسرائيل عن توجيه الضربات الجوية ضد الوجود العسكرى الإيرانى فى سوريا.
• تردد فى الفترة الأخيرة احتمالات شن حرب ضد إيران تتولاها إسرائيل بصفة رئيسية، خاصة بعد الإعلان عن سحب قوات أمريكية من سوريا واقتراب وحدات بحرية أمريكية من إيران، وتزايد الضربات الجوية الإسرائيلية ضد الوجود العسكرى الإيرانى فى سوريا. غير أن المراقبين قد استبعدوا أن يتم ذلك فى الوقت الحاضر، فإيران دولة عميقة قادرة على الصمود أمام الضربات الأولى مهما كان تأثيرها، ويمكنها اتباع سياسة الاعتماد على الذات والاستفادة من النفس الطويل لإنهاك الخصوم.
• سوء الوضع الداخلى فى إيران الذى أدى إلى تحركات شعبية غير مسبوقة، نتيجة لتدهور الأوضاع الاقتصادية والمرشحة للتفاقم مع استمرار العقوبات الاقتصادية، وبما يشكل ضغوطا على النظام القائم قد يضطره إلى تعديل سياسته.
• وصول الأزمات المتفجرة فى المنطقة ذروتها (سوريا ــ اليمن ــ العراق ــ لبنان)، والتى تعتبر إيران طرفا رئيسيا فيها تؤثر وتتأثر بها، ولهذا تتجه أغلبها إلى الحل، مما يقلص من فرص استخدامها كأوراق ضغط فى المنطقة.
ويحدونى الاعتقاد أن التوقيت الحالى هو الأنسب لفتح ملف العلاقات الإيرانية العربية من بابها الرئيسى ألا وهو العمل على ترميم الجسور بين السنة والشيعة، التى جرى استغلال الخلاف بينهما لتمزيق العالم العربى، علما بأن هذا الخلاف كان موضع جهود لرأبه تواصلت عبر التاريخ، وبصفة خاصة تلك اللجنة التى أنشئت من كبار العلماء عام 1947 وكانت تضم الشيخ شلتوت الذى أجاز التعبد على المذهب الجعفرى. ولا شك أن مصر هى الجهة الأنسب لقيادة هذا التحرك فهى دولة الإسلام الوسط والاعتدال وتحتضن بكل اعتزاز وتقدير مراقد آل البيت، ويمكن لها إن أرادت فتح الحوار الجاد الهادف إلى توحيد الأمة العربية والإسلامية، وعلى المستوى الذى تراه مناسبا، إما من خلال الحوار الثنائى أو العمل الجماعى على مستوى منظمة التعاون الإسلامى. ولا يجب أن يعرقل جهودنا تصرفات غير مسئولة كمثل تسمية أحد شوارع طهران بالإسلامبولى الذى اغتال الشهيد الرئيس السادات أو إنتاج فيلم باسم مقتل الفرعون. وقد يتطلب الأمر فى البداية تحييد الموقف الأمريكى من هذا التحرك بإيضاح أنه يستهدف السلام والاستقرار فى المنطقة، وإقناع القيادة السعودية الجديدة بمستقبل أفضل لصالح الجميع بأن نعلو فوق خلافاتنا.

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved